أسهل شيء في عالم كرة القدم هو أن تلقي بالمسؤولية على المدير الفني عند خسارة الفريق. وأصبح هذا الأمر شائعاً للغاية عند حدوث أي أزمة، فإذا تعثر الفريق أو خسر في مباراة مهمة تتم إقالة المدير الفني على الفور. ودائماً ما تلجأ الأندية إلى الحل السهل عند حدوث أي أزمة، وهو تغيير المدير الفني، ويعود السبب في ذلك إلى أن إعادة بناء الفريق يتطلب وقتاً طويلاً وأموالاً طائلة ومجهوداً هائلاً من حيث البحث عن لاعبين جيدين في دوريات أقل مثل البرتغال أو اليونان، أو دوري الدرجة الأولى في إنجلترا ومتابعتهم بشكل جيد والتعاقد معهم في نهاية المطاف. وهناك بعض العوامل الهيكلية الأخرى، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعاني منها كل الأندية بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا.
ويمكن أن نتخذ في ذلك مثلاً من مواجهة مانشستر يونايتد وليدز في الجولة الافتتاحية للدوري الإنجليزي الممتاز. فبعد فوز مانشستر يونايتد بخمسة أهداف مقابل هدف وحيد على ليدز، كان هناك الكثير من الأمور والنقاط التي يجب مناقشتها والحديث عنها: هل يعتمد ليدز يونايتد بشكل مبالغ فيه على الدولي كالفين فيليبس، الذي لم يشارك في تلك المباراة؟ ولماذا تؤدي طريقة الضغط العالي التي يعتمد عليها المدير الفني الأرجنتيني مارسيلو بيلسا إلى هزائم ثقيلة في كثير من الأحيان؟ وهل تألق ماسون غرينوود يمكن أن يجعل المدير الفني لمانشستر يونايتد، أولي غونار سولسكاير، يفكر في إشراك بول بوغبا وبرونو فرنانديز معاً من دون التضحية بلاعب خط وسط مهاجم، وإذا حدث ذلك، فكيف سيكون وضع ماركوس راشفورد؟
ومع ذلك، كانت هناك وجهة نظر غريبة تشير إلى أن سولسكاير قد تفوق بطريقة ما على بيلسا، بل وذهب البعض إلى المطالبة بإقالة المدير الفني الأرجنتيني من منصبه إذا كان ليدز يونايتد يريد حقاً المضي قدماً! ويبدو أن هؤلاء قد نسوا أن بيلسا قاد ليدز يونايتد لإنهاء الموسم الماضي في المركز التاسع برصيد 59 نقطة، وهو أعلى عدد من النقاط يحصل عليه فريق صاعد حديثاً إلى الدوري الإنجليزي الممتاز منذ عقدين كاملين من الزمان!
من الممكن أن تتراجع النتائج تحت قيادة بيلسا، ومن الممكن أن يرحل عن الفريق، خاصة أنه لم يسبق له طوال مسيرته التدريبية أن استمر مع نادٍ واحد لأربعة مواسم. ويجب أن يكون هناك بعض القلق من أن ليدز يونايتد، الذي خسر أمام مانشستر يونايتد على ملعب «أولد ترافورد» الموسم الماضي أيضاً برباعية، لم يتعلم الدرس مما حدث، حتى لو قال بيلسا، إن فريقه قدم أداءً أفضل هذه المرة. لكن يجب ألا ننسى أن فاتورة أجور لاعبي مانشستر يونايتد تبلغ خمسة أضعاف فاتورة أجور لاعبي ليدز.
وعلاوة على ذلك، فإن إيفرتون، الذي أنهى الموسم الماضي متأخراً بمركز عن ليدز يونايتد، لديه فاتورة رواتب أكبر بثلاث مرات من فاتورة رواتب لاعبي ليدز. ومن بين جميع أندية الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي، كان وست بروميتش ألبيون وشيفيلد يونايتد فقط هما من لديهما فاتورة رواتب أقل من فاتورة رواتب ليدز. وبالتالي، فإن إنهاء ليدز يونايتد الموسم الماضي في المركز التاسع يعد إنجازاً كبيراً، ولا ينبغي لأحد أن يعتقد أن تراجع الفريق ثلاثة أو أربعة مراكز هذا الموسم سيكون بمثابة فشل أو إخفاق. ويجب على الجميع أن يدرك حقيقة أن كرة القدم الحديثة تشهد فوارق هائلة بين الأندية الكبرى والأندية الصغيرة بشكل صارخ، وأنه على الرغم من أن بعض الأندية يمكنها في كثير من الأحيان تحدي المنطق المالي لبعض الوقت، فإن الارتقاء إلى مستوى الأندية الكبرى والغنية يكون صعباً للغاية.
ولا يزال هناك ميل للحديث عن «الأندية الستة الكبرى» في كرة القدم الإنجليزية، وعلى الرغم من أن فاتورة الرواتب الأسبوعية في هذه الأندية الستة قد تجاوزت 2.5 مليون جنيه إسترليني، فمن الصحيح أيضاً أنه حتى ضمن هذه الأندية الستة هناك ثلاثة أندية تتفوق بفارق كبيرة عن غيرها، وهي مانشستر سيتي (الذي كان قد أبقى على فاتورة رواتبه منخفضة نسبياً، على الرغم من أنه في حال التعاقد مع هاري كين إلى جانب جاك غريليش، فإن ذلك سيتغير بوضوح)، وتشيلسي لأن تمويله لا يعتمد على النجاح في كرة القدم، ومانشستر يونايتد بسبب تاريخه المميز الذي سمح له بإبرام صفقات تجارية مع مجموعة هائلة من المنتجات الكبرى في جميع أنحاء العالم.
ربما يكون ليفربول قادراً على المنافسة على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، لكن يجب أن نعرف أن إجمالي ما ينفقه النادي على الرواتب يمثل 74 في المائة فقط من فاتورة رواتب لاعبي مانشستر يونايتد. وبالتالي، فإن ليفربول قد حقق إنجازاً استثنائياً خلال موسمي 2018 - 2019 و2019 – 2020، لكن الموسم الماضي أظهر مدى معاناة الفريق في حال غياب بعض لاعبيه الأساسيين بسبب الإصابة؛ نظراً لأنه لا يملك بدلاء على المستوى نفسه. وبالمثل، فإن نجاح ليستر سيتي في احتلال المركز الخامس مرتين رغم أنه يأتي في المركز الثامن ضمن قائمة أعلى الأجور يعد إنجازاً مذهلاً، كما أن تراجع نتائج الفريق في نهاية الموسمين الماضيين يأتي نتيجة عدم امتلاك بدلاء على نفس مستوى الأساسيين، كما هو الحال مع ليفربول.
ويأخذنا هذا للحديث عن العضوين الآخرين فيما يعرف بالأندية الستة الكبار، وهما آرسنال وتوتنهام. لقد حقق توتنهام الفوز في آخر مباراة على ملعب «وايت هارت لين» في عام 2017 على مانشستر يونايتد بهدفين مقابل هدف وحيد، ليضمن إنهاء الموسم في المركز الثاني. ومن ذلك الحين، اشترى توتنهام كلاً من دافينسون سانشيز، ولوكاس مورا، وسيرج أورييه، وفرناندو يورينتي، وخوان فويث، وتانغوي ندومبيلي، وستيفن بيرغوين، وريان سيسيغنون، وجوفاني لو سيلسو، وكريستيان روميرو، وبريان غيل، بينما اشترى مانشستر يونايتد عدداً كبيراً من اللاعبين، من بينهم أليكسيس سانشيز، وفيكتور ليندلوف، ونيمانيا ماتيتش، وروميلو لوكاكو، وفريد، ودانيال جيمس، وآرون وأن بيساكا، وبرونو فرنانديز، وهاري ماغواير، ودوني فان دي بيك، ورافائيل فاران وجادون سانشو. قد لا يكون المال كل شيء في عالم كرة القدم، لكنه يلعب دوراً كبيراً بكل تأكيد.
وتكمن المفارقة في أن الاستثمار في البنية التحتية الذي كان يجب أن يساعد توتنهام على الحصول على إيرادات إضافية وتطوير الفريق بشكل أفضل هو الذي أدى إلى عدم القدرة على التعاقد مع لاعبين جدد وتراجع النتائج بشكل ملحوظ، وبالتالي إقالة المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو من منصبه. وتفاقمت المشكلة بشكل كبير عندما قرر مالك النادي، دانيال ليفي، التعاقد مع المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو.
وقد مر آرسنال بعملية مماثلة خلال العقد الماضي، حيث استثمر بكثافة في بناء ملعب جديد على حساب تدعيم الفريق، ليكتشف أنه بحلول الوقت الذي أصبح فيه الملعب الجديد جاهزاً أن المشهد المالي قد تغير تماماً، وأن حقبة الأندية التي تعتمد على الملاك الأثرياء قد بدأت! وبعد الأداء السيئ لآرسنال أمام برينتفورد في الجولة الافتتاحية للموسم الجديد للدوري الإنجليزي الممتاز، كان من السهل إلقاء اللوم على المدير الفني للمدفعجية ميكيل أرتيتا، لكن من عدم الإنصاف القيام بذلك.
ونظراً لأن آرسنال قد أنهى الموسمين الماضيين بشكل جيد نسبياً، فإن هذا النقد سيزداد إذا لم يظهر الفريق علامات على التطور والتحسن. لكن الحقيقة هي أن هناك فجوة هائلة بين آرسنال وبين أندية القمة، وأن رغبة آرسنال في سد هذه الفجوة أو تقليلها جعله يتصرف بطريقة غريبة ويتعاقد مع عدد من اللاعبين الذين لم يقدموا الإضافة المأمولة. هذا لا يعني أن المديرين الفنيين لا يتحملون قدراً من المسؤولية أو أن آرسنال لا يستحق النقد بعد الأداء المتواضع الذي قدمه أمام برينتفورد. لكن بالمقابل، يجب أن نتذكر أن نتائج أي فريق في الدوري الإنجليزي الممتاز باتت تعتمد على النواحي المالية أكبر من اعتمادها على أي شخص في الوقت الحالي!
هل أصبحت الأندية الغنية الوحيدة القادرة على الفوز بالبطولات في إنجلترا؟
كرة القدم الحديثة تشهد فوارق هائلة بين «الكبار» و«الصغار» بشكل صارخ
هل أصبحت الأندية الغنية الوحيدة القادرة على الفوز بالبطولات في إنجلترا؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة