انتقادات ساخرة في دمشق لقرار الحكومة إنتاج «أكواب مياه»

مراقبون اعتبروا الخطوة مؤشراً إضافياً على الأزمة المعيشية

TT

انتقادات ساخرة في دمشق لقرار الحكومة إنتاج «أكواب مياه»

قوبل منتج وزارة الصناعة السورية الجديد من «أكواب مياه» الشرب، بردود فعل كثيرة تراوحت بين مستنكرة رأت أن الحكومة تريد تثبيت المستوى المعيشي المتردي لأغلب الناس، وبين ساخرة رأت أن الحكومة تريد أن تسقي الناس بـ«القطارة» والخطوة المقبلة قد تكون فرض ضرائب على «الهواء» الذي يتنفسه المواطنون.
وفي ظل أزمة مياه الشرب الخانقة التي تعاني منها دمشق منذ أشهر، واحتكار «مؤسسة السورية للتجارة» منتجات «الشركة العامة لتعبئة المياه» التابعة لوزارة الصناعة من عبوات المياه ماركة «فيجة» سعة لتر وربع، ونصف لتر في صالاتها، فوجئ المواطنون بطرح الشركة لمنتج جديد مؤخراً وهو عبارة عن «كوب ماء» سعته 250 ملم.
ولم يشاهَد المنتج الجديد في الأسواق العامة والسوبرماركت بعد، ولم يلاحَظ استخدامه من الأهالي في الطرقات والحدائق، لكن يجري تقديمه في الكثير من المقاهي الواقعة في وسط العاصمة.
ولاقى طرح المنتج الجديد من «أكواب الماء» انتقادات كثيرة في عموم الأوساط الأهلية. ويقول خريج جامعي متابع بشكل دقيق للأوضاع في مناطق سيطرة الحكومة لـ«الشرق الأوسط» أمس: «بات معروفاً للقاصي والداني أن الغالبية العظمى من الناس في مناطق سيطرة الحكومة تعيش تحت خط الفقر، والحكومة بهذا المنتج تقول لهم عيشوا على أقل من الكفاف».
ويضيف: «نعم الحكومة تقول للناس عيشوا على أقل من الكفاف، وما يؤكد ذلك أن العائلة تحتاج إلى ألف لتر مازوت تدفئة والحكومة تعطيها 50 لتراً، وسائق التاكسي العام يحتاج إلى 25 لتر بنزين في اليوم والحكومة تعطيه 25 لتراً كل أربعة أيام! وأقل شخص يحتاج إلى ثلاثة أرغفة خبز في اليوم والحكومة تعطيه رغيفين»، ويتابع: «الأسرة المؤلفة من 5 أشخاص باتت تحتاج إلى مليوني ليرة في الشهر والحكومة تعطي موظف الدرجة الأولى مرتباً شهرياً لا يتجاوز 100 ألف!».
البعض من الأهالي قابلوا الأخبار حول منتج «أكواب الماء» بسخرية، ويقول رجل في العقد الرابع من العمر لـ«الشرق الأوسط»: «يسقون الماء بالقطارة، وبعد شوي (قليل) سيقولون للناس ما في (لا يوجد) ماء وروحوا بلطوا البحر والله يستر الهوى»، بينما يسخر سائق تاكسي عام على خط دولي ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بلد المي ما فيها مي، الناس صارت تهرب عبوات المي من الدول المجاورة!».
وعلقت «الشركة العامة لتعبئة المياه» على الانتقادات والسخرية التي وردت في مواقع التواصل الاجتماعي إزاء منتجها، وقالت إن «وحدة تعبئة مياه عين الفيجة لديها خط لإنتاج الكاسات (الأكواب) منذ عام 2011، وإن المؤسسة العربية السورية للطيران وشركات الطيران الأخرى تستجر منتجاته لقياس 125 مل، وتقدمها للمسافرين مع وجبات الطعام على متن الطائرات». وأشارت إلى أن ذلك المنتج موجود منذ سنوات، وبما يفيض عن استجرار شركات الطيران، وأن «له رواده ومستهلكيه»، وأضافت أنه «ومع ارتفاع حجم الطلب تم تحويل قياس المنتج من 125 مل إلى 250 مل وبيعه للوكلاء والمطاعم والمقاهي تلبية لاحتياجات السوق».
ونقلت صفحة وزارة الصناعة على موقع «فيسبوك» عن المدير العام للشركة ملهم دوزوم، أن «السعر الرسمي للكاسة هو 160 ليرة سورية (الدولار الأميركي يساوي 3350 ليرة بعدما كان في عام 2010 ما بين 45 و50 ليرة)».
وكانت صفحات ووسائل إعلام محلية قد تداولت صورة «كاسة المياه»، وتمحورت معظم التعليقات على مدلولات طرح منتج بتلك السعة، خصوصاً بعدما شهدت أسعار عبوات المياه ارتفاعات غير مسبوقة، حيث وصل سعر العبوة 1.5 لتر إلى 1500 ليرة والعبوة 0.5 لتر إلى 800 ليرة سورية وهي الأكثر طلباً، بعدما كان سعر الأولى 525 ليرة، والثانية 350 ليرة، وهو ما أشار إليه أيضاً بيان الوزارة الذي قال إن الطلب ارتفع على تلك العبوات ذات السعات الصغيرة.
كما أعاد الأهالي التذكير بما سبق أن أثارته «أشباه الألبان»، أو إنتاج «أصغر عبوة زيت» في البلاد (سعتها 20 غراماً)، وجميع تلك العبوات لم تكن مألوفة في سوريا الغنية بزيتونها، ومائها، إلا أن ظروف الحرب التي تعيشها البلاد منذ منتصف مارس (آذار) 2011 وأدت إلى تراجع اقتصادي إضافةً إلى العقوبات المفروضة على البلاد، أدت إلى ظهور كثير مما لم يكن مألوفاً فيها.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».