اليابان بريشة مؤلفة إنجليزية «تجلب المطر»

غزلان نحيلة وعجائز صامتون وجبال خجولة لا ترحب بالغرباء

TT

اليابان بريشة مؤلفة إنجليزية «تجلب المطر»

رغم أن هذا الكتاب ينتمي إلى أدب الرحلات فإنه يبدو محملاً بطاقة فريدة من الخيال الشيق شديدة التكثيف، ترسم من خلالها المؤلفة الإنجليزية الشابة «إليندا جرامش» لوحات شعرية لليابان فتشعر كأنك داخل خطوط، وظلال هي مزيج من المدرستين الانطباعية والتأثيرية.
يقع في 70 صفحة من القطع المتوسط، واستطاع المترجم عبد الرحيم يوسف نقل تلك التجربة برهافتها وغنائيتها ببراعة ولكن فاته أو فات الناشر «دار صفصافة بالقاهرة» توثيق اسم العمل كما ورد بالإنجليزية في النص الأصلي، وكما تقتضي أصول النشر الاحترافية مكتفين بترجمته إلى العربية «المرأة التي تجلب المطر» مع إشارة عابرة إلى أن العمل فاز بجائزة «الكتابة الجديدة» في جامعة ويلز. أيضاً غاب التعريف الكافي سواء بالمترجم والمؤلفة حتى أننا بالكاد ومن خلال تحية شكر تقدمها المؤلفة في خاتمة الكتاب نستنتج أن العمل نتاج «منحة كتابة» حصلت عليها «جرامش» لتعايش إحدى المدن اليابانية بجزيرة «نيسكو».

طبيعة ساحرة
تبدو الطبيعة ساحرة في رؤية الكاتبة حين تصف تلك الجزيرة، فالطريق إليها يمر وسط غابة ثم أرض زراعية ثم غابة من جديد. تدور السيارة حول التلال متنقلة من البقع الظليلة إلى تلك الساطعة بالضوء وتهبط متحدرة إلى جوف الوادي، حيث تطل الشمس عبر أوراق شجر القبقب الخضراء العريضة والتي تهتز بدورها مثل بكَرة فيلم قديم. تصطحب الأسرة المضيفة المؤلفة في رحلة بالسيارة حيث تلمح عبر زجاج السيارة الأمامي غزلاناً ناحلة الأطراف تخب بمحاذاة جانب الطريق قبل أن تنفلت من بين جذوع الشجر بأجسادها البنية المحمرة مبرقشة بظلال أشجار الغابة.
في صمت شديد يليق بشخصيات يابانية، تجلس الأسرة المضيفة المكونة من السيد والسيدة تاتينو بلا حراك. يجلسان في المقعدين الأماميين، دون أن يبدو عليهما أي اهتمام أو انفعال بالحيوانات التي يشاهدانها كل يوم ولا بالأشجار المختلفة ولا بزهور الكاميليا المتفتحة بصخب بين الأشجار. يختلف الموقف قليلاً عندما تدخل السيارة في منطقة مفتوحة، فهنا فقط يبدأن في الحديث باليابانية التي تتعلمها المؤلفة عن حجم السكان وأعمال البناء والمحاصيل. لأميال وأميال ليس هناك بيت واحد ثم تظهر البيوت واحد، اثنان، ثلاثة وبعد ذلك لا شيء من جديد. البيوت نفسها من عالم آخر ليس هناك أي تماثل في النمط المعماري ولا إحساس بأي طراز. هنا تجد شاليه تزلج وهناك تجد بيتاً بنغالياً، كوخاً بسقف من الزنك المموج فالأثرياء من أهل طوكيو يشترون الأرض ويشيدون بيوت أحلامهم ولو يأتيهم الحظ سيشترون المزيد. السيد تانتيو يرن هاتفه المحمول، يستقبل المكالمة بيد والأخرى على عجلة القيادة، تهتز قليلاً صورة المواطن الياباني باعتباره شخصاً مثالياً في احترامه للقانون واتباعه لإجراءات السلامة.

جبل خجول
وحول رؤيتها لجبال اليابان، تؤكد جرامش أن جبل «فوجي سان» الأكثر شهرة ويعرفه السياح جيداً هو جبل خجول عرضة للاختفاء في سحابة في أي لحظة لكن ثمة جبلاً آخر يستثير اهتمامها هو «يوتاي سان» أنه الأكثر نأياً، الأكثر غموضاً، جبل لا يحب أن يقوم أحد بتسلقه أو رسمه أو مدحه في قصائد الهايكو والتانكا، هو لا يرحب بالزائرين، فمناخه ليس دافئاً أو صالحاً للسكنى مثل مناخ «فوجي». ليس به محل لبيع «الرامن» ولا ماكينة نقود بطول دروبه على سبيل المثال وليس به باعة ماء ينتظرون عند قمته. «يوتاي سان» سلالة مختلفة من الجبال، يبدو مثل رجل عجوز عابس صارم له وجه مصنوع من صخور «الأنديزيت والداسيت» البركانية مع قبة من الرواسب الغاضبة ترتجف في معدته. ليس ضمن قائمة أشهر مائة جبل في اليابان كما أنه ليس بين الجبال الأعلى. بارتفاع 1898 متر فقط، وبذلك يماثل يوتاي سان نصف جبل فوجي طولاً، أما طبيعته المتأملة الكئيبة فأشبه بتجهم رجل قصير.
تلاحظ «جرامش أن المشي الجبلي موضة حالياً وسط المراهقات، حيث تشد جماعات الصديقات الرحال لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في تسلق الجبال ولديهن زي موحد حتى يمكن التعرف عليهن كجزء من جماعة (ياماجارو): شورتات فوق كولونات ملونة وجوارب وأحذية ثقيلة ماركة دكتور مارتينز، سترات مبطنة باللون الوردي والأرجواني ويقبضن على حقيبة الأدوات وهن يسرن ببطء مثرثرات وضاحكات يقلن مرة بعد مرة كم الريح باردة أو كم المتحدر مائل».

نظرة يابانية
وحول نظرة اليابانيين للمؤلفة كغريبة تقول جرامش: لست جزءاً من تلك الجماعة من الفتيات، فقط أسير خلف تاتينو - سان بقليل وأمام صديقتي الجديدة كونيكو وصديقتها ببضع خطوات وحيدة تقريباً: «أشعر وكأني عنصر أجنبي سقط من السماء! يرمقني العداءون من فوق أكتافهم باستغراب وتضحك الفتيات وهن يتساءلن هامسات: من أين جاءت؟ الآخرون ينظرون نحوي، يقيمونني شاعرين بالفضول لمعرفة ماذا أفعل هنا؟».
تتابع جرامش: «بعد ذلك عند الاستقرار بأمان في عيون المياه الحارة تكون النساء طيبات بما يكفي لعدم التحديق في وأنا أدخل البركة إلى جوارهن. يتحدثن عن الجو، عن التحول في درجة الحرارة حين يبرد المطر الخفيف على أكتافهن».
تلتقي المؤلفة الشابة بسيدة عجوز للغاية، ضئيلة الجسد، غارقة في الصمت، تغطي ركبتيها ببطانية ويميل رأسها للأمام بقوة، فتشعر بالفضول الجارف للتعرف إليها باعتبارها تمثل اليابان القديمة، بل من الواضح جداً أنها شهدت فظائع الحرب العالمية الثانية. بمساعدة صديقاتها الجديدات، تشرع العجوز في الحكي: كيف ولدتْ في نفس تلك الحجرة التي كن يجلسن بها، كيف زرع والدها الفدادين الممتدة. تحكي عن طفولتها القاسية عندما لم يكن لديهم ماء جار ولا كهرباء ولا سخان غاز، كان الأطفال يخرجون لجمع الثلج ويذيبونه للحصول على الماء. قالت إن وقتها كان الجميع يعرف الجميع واتضح أن العجوز التي تدعى «يوكوتا» لم تذهب أبداً أبعد من «هاكوداته» وهي مدينة على بعد ساعتين بالسيارة. سألت العجوز المؤلفة كيف وصلت إلى هنا؟ وأبدت دهشتها من وجود مطار قريب فلم تركب في حياتها طائرة قط.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي
TT

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

صدر العدد الجديد (الحادي عشر من مجلة «الأديب الثقافية» - شتاء 2025)، وهي مجلة ثقافية تُعنى بقضايا الحداثة والحداثة البعدية يرأس تحريرها الكاتب العراقي عباس عبد جاسم.

تناولت افتتاحية العدد التي كتبها رئيس التحرير «مدن المستقبل: يوتوبية أم سوسيوتكنولوجية؟».

كما تبنى العدد محور «نحو يسار عربي جديد»، وقد تضمّن مقدمة كتاب «نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي» للمفكر اللبناني الراحل الدكتور كريم مروة، وفيها دعوة جديدة لنهوض اليسار العربي بعد هزائم وانكسارات ونكبات كبرى أعقبت تفكّك الاتحاد السوفياتي وانهيار الاشتراكية في العالم، وقد عدَّت مجلة «الأديب الثقافية» - المقدمة نواة لمشروع نهضوي جديد لمستقبل اليسار العربي، بعد أن تجمّد عند حدود معينة من موته شبه السريري.

وأسهم في هذا المحور السياسي والطبيب المغترب الدكتور ماجد الياسري، بدراسة هي مزيج من التحليل والتجربة السياسية والانطباع الشخصي بعنوان «اليسار العربي - ما له وما عليه»، وقدّم الناقد علي حسن الفوّاز مراجعة نقدية بعنوان «اليسار العربي: سيرة الجمر والرماد»، تناول فيها علاقة اليسار العربي بالتاريخ، وطبيعة السياسات التي ارتبطت بهذا التاريخ، وبالمفاهيم التي صاغت ما هو آيديولوجي وما هو ثوري.

أما الكاتب والناقد عباس عبد جاسم، فقد كتب دراسة بعنوان «إشكاليات اليسار العربي ما بعد الكولونيالية»، قدم فيها رؤية نقدية وانتقادية لأخطاء اليسار العربي وانحراف الأحزاب الشيوعية باتجاه عبادة ماركس، وكيف صار المنهج الماركسي الشيوعي لفهم الطبقة والرأسمالية في القرن الحادي والعشرين بلا اتجاه ديالكتيكي، كما وضع اليسار في مساءلة جديدة: هل لا تزال الماركسية صالحة لتفسير العالم وتغييره؟ وما أسباب انهيار الفكر الشيوعي (أو الماركسي) بعد عام 1989؟ وهل نحن نعيش «في وهم اللاجماهير» بعصر ما بعد الجماهير؟ وفي حقل «بحوث»، قدّمت الناقدة والأكاديمية هيام عريعر موضوعة إشكالية مثيرة لجدل جندري متعدّد المستويات بعنوان «العبور الجنسي وحيازة النموذج»، وتضمَّن «قراءة في التزاحم الجمالي بين الجنسين».

ثم ناقشت الناقدة قضايا الهوية المنغلقة والأحادية، وقامت بتشخيص وتحليل الأعطاب الجسدية للأنوثة أولاً، وعملت على تفكيك الهيمنة الذكورية برؤية علمية صادمة للذائقة السائدة، وذلك من خلال تفويض سلطة الخطاب الذكوري.

وقدّم الدكتور سلمان كاصد مقاربة بصيغة المداخلة بين كاوباتا الياباني وماركيز الكولومبي، من خلال روايتين: «الجميلات النائمات»، و«ذكريات غانياتي الحزينات» برؤية نقدية معمّقة.

واشتغل الدكتور رشيد هارون موضوعة جديدة بعنوان «الاغتيال الثقافي»، في ضوء «رسالة التربيع والتدوير للجاحظ مثالاً»، وذلك من منطلق أن «الاغتيال الثقافي هو عملية تقييد أديب ما عن أداء دوره الثقافي وإقعاده عن المضي في ذلك الدور، عن طريق وسائل غير ثقافية»، وقد بحث فيها «الأسباب التي دفعت الجاحظ المتصدي إلى أحمد عبد الوهاب الذي أطاح به في عصره والعصور التالية كضرب من الاغتيال الثقافي». وهناك بحوث أخرى، منها: «فن العمارة بتافيلالت: دراسة سيمائية - تاريخية»، للباحث المغربي الدكتور إبراهيم البوعبدلاوي، و«مستقبل الحركة النسوية الغربية»، للباحث الدكتور إسماعيل عمر حميد. أما الدكتورة رغد محمد جمال؛ فقد أسهمت في بحث بعنوان «الأنساق الإيكولوجية وسؤال الأخلاق»، وقدمت فيه «قراءة في رواية - السيد والحشرة».

وفي حقل «ثقافة عالمية» قدّم الشاعر والناقد والمترجم عبد الكريم كاصد ترجمة لثماني قصائد للفنان كاندنسكي بعنوان «أصوات». وفي حقل «قراءات» شارك الدكتور فاضل عبود التميمي بقراءة ثقافية لرواية «وجوه حجر النرد» للروائي حسن كريم عاتي. وفي حقل «نصوص» قدَّم الشاعر الفلسطيني سعد الدين شاهين قصيدة بعنوان: «السجدة الأخيرة».

وفي نقطة «ابتداء» كتبت الناقدة والأكاديمية، وسن عبد المنعم مقاربة بعنوان «ثقافة الاوهام - نقد مركب النقص الثقافي».

تصدر المجلة بصيغتين: الطبعة الورقية الملوَّنة، والطبعة الإلكترونية.