تبادل القصف بين حلفاء أميركا وتركيا شمال شرقي سوريا

«المجلس الديمقراطي» يدعو إلى «كبح» أنقرة

قوات أميركية وروسية شرق الفرات (أ.ف.ب)
قوات أميركية وروسية شرق الفرات (أ.ف.ب)
TT

تبادل القصف بين حلفاء أميركا وتركيا شمال شرقي سوريا

قوات أميركية وروسية شرق الفرات (أ.ف.ب)
قوات أميركية وروسية شرق الفرات (أ.ف.ب)

زادت وتيرة القصف المتبادل بين «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» المدعومة من الولايات المتحدة، وفصائل «الجيش السوري» الموالية لتركيا بريف محافظة الحسكة الشمالي الغربي، حيث جدد الجيش التركي القصف من قواعده في قريتي داودية وباب الفرج غرب ناحية أبو راسين، بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ فجر أمس قريتي تل الورد وباب الخير الشرقي إلى جانب مواقع أخرى في منطقة زركان، ليشمل القصف قريتي تل شاميران وتل جمعة الآشورية الواقعة بالقرب من الطريق الدولية السريعة التي تربط بلدة تل تمر غرباً بمدينة القامشلي شرقاً، فيما رد «مجلس تل تمر العسكري» المنضوي في صفوف قوات «قسد» على مصدر النيران وأوقع جرحى في صفوف فصائل «الجيش السوري».
وصعدت القوات التركية منذ بداية الشهر الحالي وتيرة هجماتها ضد مناطق نفوذ الإدارة الذاتية وجناحها العسكري قوات «قسد»، وخلال الـ48 ساعة الماضية استهدفت المدفعية التركية قرى إبراهيمية وكسرة وجوخة وكري مير وأم ذياب وتل حرمل ودادا عبد آل وربيعات بريف ناحية أبو راسين ومنطقة زركان، كما شمل القصف قرى دردارة وعبوش وأم الكيف وتل شنان الواقعة على الطريق الدولية السريعة «إم4» بريف تل تمر.
وقصف الجيش التركي قرية الجات التابعة لمدينة منبج بالريف الشرقي لمدينة حلب، وطال القصف قرى العريمة والحوتة وجب الحمرة الواقعة شرق مدينة الباب، لتصل نيرانه إلى معظم قرى خط نهر الساجور، كما دارت اشتباكات عنيفة في ريف مدينة الرقة بين الفصائل السورية المسلحة المدعومة من الجيش التركي من جهة؛ و«قسد» المسيطرة على المنطقة من جهة ثانية على جبهة الجهبل بمحيط بلدة عين عيسى.
وقالت آهين سويد، رئيسة «مكتب الطاقة والاتصالات» بإقليم الجزيرة التابعة للإدارة الذاتية، إن القصف التركي على ريف الحسكة تسبب بأضرار في توتر الشبكة الكهربائية المتوسط والمنخفض، و«تسبب القصف في انهيار شبكات التوتر المنخفض متفرقة على طول الخط بزركان، كما انكسر العديد من أعمدة توصيل خطوط الكهرباء جراء القصف، وإعطاب العديد من محولات الطاقة»، وأشارت إلى أن أكثر الخطوط المتضررة هي: «خط تل جمعة وخط عب التينة بريف تل تمر، بالإضافة إلى خط مزري زركان وتفريعاته».
بدوره، اتهم لقمان أحمي، الناطق الرسمي باسم الإدارة الذاتية، في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، روسيا بـ«عدم تحمّل مسؤولياتها كقوة ضامنة في المنطقة، ولا تلتزم باتفاقية الهدنة وخفض التصعيد»، على حد وصفه، «الموقعة بين الأطراف المتحاربة التي كانت الراعي الرئيسي لها». وقال: «الجيش التركي قتل العديد من المدنيين الأبرياء وارتكب مجازر كبيرة؛ وبشكل خاص في مدن عفرين ورأس العين وتل أبيض، ويشن الهجمات ضد المدنيين دون تمييز بين النساء والأطفال»، مضيفاً أن «الهدف من هذه الهجمات استهداف المدن التي يعيش فيها مختلف الشعوب في أمن وسلام، وتفريغها من سكانها الأصليين؛ ويعتدي على نضالها المشترك بهدف ترهيب الشعب وإجباره على التخلي عن دياره ومنازله ودفعه للنزوح، لكن الشعب يدرك حقيقة هذه المخططات ويلتف حول الإدارة الذاتية ولا يتخلى عن أرضه».
وحذر أحمي كلاً من روسيا والولايات المتحدة الأميركية من «عدم تأدية مهامهما ومسؤولياتهما بوصفهما قوات دولية ضامنة، ومن نسف الاتفاقات الموقعة»، مشيراً إلى أن «شعوب المنطقة بدأت تشكك في دور جيوشها المنتشرة بالمنطقة»، واختتم حديثه: «لم تعد شعوب المنطقة تثق بهما؛ ففي حال لم تؤدِّ واشنطن وموسكو دورهما ومهامهما والعمل على إيقاف الهجمات فوراً، فإن أبناء مكونات المنطقة سوف يبدأون تنظيم الفعاليات ضدهما».
وقالت أمينة عمر، رئيسة «مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الهجمات مؤشر خطيراً يكشف عن نية تركيا في نشر فوضى كبرى في المنطقة، وبموجبه ندعو قوات التحالف الدولي والولايات المتحدة الأميركية إلى تبيان موقفها تجاه الأعمال العدائية التركية»، ودعت القيادية الكردية المجتمع الدولي إلى إدانة الهجمات التركية، والعمل على محاسبتها، ولفتت عمر: «كونها تشكل انتهاكاً صارخاً لقوانين الشرعية الدولية وسيادة الدول وتشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين».
في حين عدّت الإدارة الذاتية أن التصعيد التركي الأخير «يرمي إلى تعميق الأزمة السورية، وتطور مشاريع احتلال، وما يرافقها من ممارسات تقسيمية للبلاد، وبعودة هادئة لـ(داعش) من خلال تهيئة تركيا من أجواء وظروف تساهم في عودة الإرهاب»، ووجهت الإدارة في بيان نشر على صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي قبل يومين، رسالة إلى حكومة دمشق لتحديد موقفها من التطورات الأخيرة. وجاء في البيان: «هذا التصعيد تهديد لوحدة سوريا، ودمشق عليها توضيح موقفها في ظل حديثها المستمر عن حرصها على السيادة السورية».
وناشدت الإدارة بنداء عاجل المؤسسات الأممية والحقوقية والتحالف الدولي بقيادة واشنطن وروسيا بوصفهما الضامن حول التفاهمات التي تمت مع تركيا؛ «الحريصة على استقرار وأمان المناطق التي تم تحريرها من قبضة (داعش)، ضرورة إبداء مواقف واضحة وعاجلة من التصعيد التركي ضد مناطقنا».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.