أثرت جائحة «كوفيد - 19» على الجميع الذين يتطلعون كلهم إلى عودة الحياة إلى طبيعتها. لكن العودة غير المخطط لها قد تؤدي إلى موجات جديدة من الجائحة، ما يعني المزيد من أوامر البقاء في المنزل والمزيد من التدهور الاقتصادي وتحديات الإجهاد الذهني. وقد يتفاقم هذا بسبب ظهور متغيرات جديدة مثيرة للقلق، التي تكون أكثر عدوى، إذ أظهرت التقارير الأخيرة أن متغيرات «دلتا» (Delta) و«كابا» (Kappa) التي نشأت في الهند يمكن نقلها في ثوانٍ بمجرد المشي بجوار شخص مصاب.
وقد يكون التخطيط للاستئناف السلس للأنشطة في الأماكن المغلقة، في ظل الظروف الحالية، أمراً صعباً، نظراً لوجود العديد من العوامل اللازمة لضمان عودة آمنة. ويجب تحسين التهوية في المدارس قبل عودة الأطفال إلى الفصل الدراسي، كما يجب اختبار واتباع تدابير السلامة.
- توجهات جديدة
يمكن لتدابير التباعد الجسدي والتهوية المناسبة وأقنعة الوجه المجهزة جيداً أن تقلل إلى حد كبير من مخاطر العدوى، إذا تم القيام بها بشكل صحيح. وتعتبر أجهزة التنفس مثل «N95» وFFP) filtering facepiece) التي تحجب ما لا يقل عن 95 في المائة من الدقائق الصغيرة جداً أكثر فاعلية من الأقنعة أحادية الطبقة أو الأقنعة الجراحية، كما يقول جوزيف ألين مدير برنامج المباني الصحية وأستاذ مشارك في كلية تشان (T.H Chan) للصحة العامة بجامعة هارفارد في الولايات المتحدة في بحثه المنشور في مجلة «Science» في 3 أغسطس (آب) 2021، إذ إن الخبراء في منظمة الصحة العالمية (WHO) والمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) تبنوا في وقت مبكر فكرة أن الفيروس انتشر عن طريق قطرات زفير كبيرة تتطاير لفترة قصيرة، ثم تستقر على الأسطح. لكن العلماء المتخصصين في الهباء الجوي عرفوا أن الفيروسات المحمولة جواً من المرجح أن تركب على دقائق أصغر عندما يتنفس الناس أو يعطسون أو يسعلون أو يتحدثون، حيث إن الجدقائق التي حجمها أصغر من 5 ميكرونات يمكن أن تنتقل عبر الغرفة وتبقى في الهواء الداخلي لساعات.
وسبق أن جادل خبراء الهباء الجوي مثل دونالد ميلتون أستاذ الصحة البيئية بجامعة ماريلاند كوليدج بارك في الولايات المتحدة في بحثه المنشور في سبتمبر (أيلول) 2020 في مجلة «Environment International» بأن التركيز على القطرات الكبيرة أدى إلى توجيهات خاطئة حول غسل العبوات المختلفة بالمواد القاصرة، والبقاء على مسافة مترين حتى في الهواء الطلق وأشكال أخرى، مما سماه بعض الباحثين «مسرح النظافة»، وحثوا على اتباع السياسات التي تؤكد على ارتداء الأقنعة في الأماكن المغلقة وقواعد أقل قسوة للأشخاص في الهواء الطلق، حيث ينتشر الفيروس بسرعة.
- مدارس آمنة
وأكد جوزيف ألين في تقرير صحافي نشرته صحيفة «الفاينانشيال تايمز» في 9 فبراير (شباط) 2021، أن المباني إذا تمت تهويتها بشكل صحيح يمكن أن تكون أسلحة هائلة في مكافحة الفيروس، ثم قام هو وفريقه بقياس تدفق الهواء في الفصول الدراسية في ظل ظروف مختلفة. وأوضح أنه يمكن بسهولة جعل المدارس آمنة من خلال فتح النوافذ، وشراء نوع من أجهزة تنقية الهواء عالية الكفاءة التي تباع في المتاجر المحلية مثل مرشحات MERV 13» (minimum efficiency reporting value)»، وقبل ذلك في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 كتبت ليديا موراوسكا مديرة المختبر الدولي لجودة الهواء والصحة والأستاذ في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا بأستراليا، ودونالد ميلتون من معهد الصحة البيئية التطبيقية كلية الصحة العامة بجامعة ماريلاند في الولايات المتحدة الأميركية، في بحثهما المنشور في مجلة «Clinical Infectious Diseases» خطاباً مفتوحاً إلى منظمة الصحة العالمية بأهمية انتقال الهباء الجوي. وكان جوزيف ألين من بين 237 عالماً آخر في 32 دولة وقعوا على الرسالة التي حثت على زيادة التركيز على جودة الهواء الداخلي. لكن منظمة الصحة العالمية واصلت التقليل من أهمية انتقال الهباء الجوي، وكان هناك بعض التردد من قبل السطات الصحية على أن المرض ينتقل عبر الهواء وسيتعين علينا توفير أقنعة »N95» لكل عامل صحي وغرف ضغط سلبي في كل مستشفى وهو ما لم يكن ممكناً.
وأخيراً في أوائل شهر مايو (أيار) الماضي 2021 بعد سلسلة من نتائج الدراسات المقنعة في المجلات الرئيسية أقرت منظمة الصحة العالمية ومراكز مكافحة الأمراض أن الفيروس ينتقل بشكل أساسي عن طريق الهباء الجوي. ومنذ ذلك الحين ذهبت تلك المراكز إلى أبعد من ذلك، حيث أصدرت توصيات لإعادة فتح المدارس التي تؤكد على أهمية التهوية الجيدة، بالإضافة إلى التطعيمات، حيث يجب على المسؤولين الاعتماد على مرشحات «MERV 13» الخاصة بالمستشفيات، التي تزيل ما يصل إلى 90 في المائة من الدقائق الصغيرة جداً (2.5 ميكرون أو أصغر) بدلاً من «MERV 8» النموذجية، والتي يمكنها إزالة ما يصل إلى 20 في المائة فقط.
- مشكلة التهوية
يدعو الخبراء إلى تجديد التركيز على تحسين التهوية في الأماكن العامة للحد من انتقال فيروس «كوفيد – 19»، خصوصاً في المدارس. وقد نشأ هذا التركيز على التهوية بسبب فهم العلماء المتطور لكيفية انتشار الفيروس التاجي، والأهمية الحاسمة للانتقال عبر الهواء. وقد بدأ التغيير بالفعل في بعض الأماكن، فعلى سبيل المثال في مدينة نيويورك، حيث يتم نشر «حالة التهوية» لكل فصل دراسي في نظام المدارس العامة على موقع إلكتروني.
ويجب أن تحتوي الفصول الدراسية على طريقتين على الأقل للتهوية. كما بدأت بلجيكا عملية تكليف جميع المباني العامة بتقديم عرض لمستويات ثاني أوكسيد الكربون الخاصة بها. ويقول العلماء إن هناك الكثير مما يتعين القيام به في بريطانيا. ولكن تظل هناك أسئلة حول ماهية التكنولوجيا التي يجب استخدامها، ومدى كفاءتها وفاعليتها.
وحتى الآن تم بالفعل اتخاذ بعض التدابير لضمان العودة الآمنة إلى طبيعتها مثل توفير اللقاحات للجميع التي توفر حماية أكبر بكثير من المناعة الطبيعية. كما أن اللقاح فعال بنسبة تزيد عن 90 في المائة بمنع دخول المستشفى لكبار السن. لكن حتى الآن لا توجد ضمانات بتلقيح أطفال المدارس بشكل كامل قبل العودة إلى المدرسة. ومن المتوقع الحصول على مزيد من البيانات حول تأثير اللقاحات على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات وأقل من 12 عاماً، ربما بعد بدء الدراسة، ومع ذلك من غير المتوقع أن تكون البيانات الخاصة بأطفال رياض الأطفال متاحة في ذلك الوقت، ولهذا يجب اتخاذ تدابير أخرى لضمان سلامة أطفال المدارس قبل ذلك الوقت.
كيف يمكن للتهوئة أن تجعل المدارس والمكاتب آمنة من «كوفيد ـ 19»؟
كيف يمكن للتهوئة أن تجعل المدارس والمكاتب آمنة من «كوفيد ـ 19»؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة