نهاية «حياة مثيرة» لرئيس تشاد السابق

حسين حبري خاض حروباً كثيرة وحكم بقبضة من حديد وختم أيامه في السجن

TT

نهاية «حياة مثيرة» لرئيس تشاد السابق

توفي الرئيس التشادي الأسبق حسين حبري، أمس (الثلاثاء)، داخل سجنه بالعاصمة السنغالية دكار، حيث كان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة إثر إدانته بارتكاب جرائم في حق الإنسانية حين حكم تشاد ما بين عامي 1982 و1991، ولكن الرجل الذي لعب أدواراً محورية في تاريخ بلده خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وخاض الكثير من الحروب في ذلك الوقت، راح ضحية فيروس «كورونا» المستجد.
وقال وزير العدل السنغالي مالك صال، في تصريح صحافي مقتضب: «الرئيس حسين حبري... انتقل إلى رحمة الله»، فيما أكدت زوجته فاطمة حبري أنه أصيب بفيروس «كورونا» المستجد، وخضع للعلاج في عيادة خاصة تحت إشراف فريق طبي سنغالي، مشيرة إلى أن وضعيته الصحية كانت «حرجة». وقالت الوكالة السنغالية للأنباء (رسمية) إن حبري «خضع لرعاية صحية مركزة من طرف فريق طبي خاص ومحترف، في عيادة خاصة بالعاصمة دكار»، من دون أن تعطي أي تفاصيل أخرى حول المضاعفات التي أدت إلى وفاته.
حبري أدين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة ودفع غرامة 123 مليون يورو لتعويض الضحايا، وهو الحكم الذي أكدته محكمة الاستئناف عام 2017. ولكن عائلة الرجل البالغ من العمر 79 عاماً ويعاني من أمراض مزمنة، كانت قلقة على حياته منذ ظهور جائحة «كورونا» في السنغال، شهر مارس (آذار) 2020. وطلبت من العدالة السنغالية السماح له بمغادرة السجن خلال الموجة الأولى من الجائحة، ليخضع للإقامة الجبرية في بيته، وهو ما وافقت عليه شهر أبريل (نيسان) 2020، ولكن لمدة شهرين فقط عاد بعدهما إلى السجن.
وجددت عائلة حبري الطلب نفسه شهر يوليو (تموز) الماضي، بالتزامن مع موجة ثالثة من الفيروس تجتاح السنغال، ولكن العدالة السنغالية لم ترد على الطلب، وقال عليون تين، وهو ناشط سنغالي في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان سبق أن عمل في منظمة العفو الدولية، قال معلقاً على خبر وفاة حبري: «أنا حزين لهذا الخبر، وحزين لأن النداء الذي أطلقته زوجته وعدد من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان لم يجد آذاناً صاغية لدى العدالة السنغالية».
عليون تين، الذي اشتهر بنضاله قبل سنوات للمطالبة بمحاكمة حبري وإنصاف ضحايا نظامه، ذهب إلى المطالبة بفتح تحقيق في ملابسات وفاة الرجل، وحول انتشار الفيروس في السجون السنغالية والظروف التي يوجد فيها السجناء، ولكن الحكومة السنغالية، على لسان وزير العدل مالك صال، أكدت أنها لم تتجاهل طلب عائلة الراحل. وقال وزير العدل: «السنغال بذلت كل الجهود الممكنة لراحة حسين حبري وعائلته، لقد مُنحت لهم الجنسية»، وأضاف معلقاً على إصابة حبري بفيروس كورونا في السجن: «خلال الموجة الأولى من الجائحة سمحنا له بمغادرة السجن لحمايته من الفيروس، ولكن بعد ذلك كان لا بد من عودته، وكنا قد بدأنا مؤخرا إجراءات خروجه تحت مراقبة سوار إلكتروني»، وهي إجراءات أكد الوزير أنها تأخذ بعض الوقت.
وأكد الوزير في حديث مع الصحافة المحلية: «عندما أصيب بالمرض، نقلناه إلى عيادة خاصة هي الأكثر تطورا في البلد، ولكن وضعه الصحي تفاقم»، مشيرا إلى أن إجراءات خروجه من السجن تحت مراقبة سوار إلكتروني اكتملت خلال علاجه في العيادة «ولكن مشيئة الله تدخلت»، وفق تعبير وزير العدل السنغالي.
بعد وفاته يتساءل كثيرون إن كان حسين حبري سيدفن في تشاد التي حكمها بقبضة من حديد ثمانينيات القرن الماضي، ولم يعد إليها منذ أن غادرها عام 1991 إثر الإطاحة بحكمه، على يد رفيق سلاحه إدريس ديبي الذي توفي هو الآخر شهر أبريل الماضي خلال معارك ضد متمردين.
حبري من مواليد عام 1942 في قرية «فايا لارجو»، شمالي تشاد، يتحدر من قبيلة «القرعان» النافذة، وعاش طفولته في حقبة الاستعمار الفرنسي، بل إنه تلقى تكوينه الأكاديمي بفرنسا التي عاد منها 1971 حاملا شهادة في العلوم السياسية، ولكنه سرعان مع حمل السلاح في «الجبهة الوطنية لتحرير تشاد»، قبل أن ينشق عنها ليؤسس مع غوكاني ويدي حركة «مجلس قيادة القوى الشمال المسلحة».
تولى حبري عام 1978 منصب الوزير الأول خلال حكم الجنرال فيليكس مالوم، قبل أن ينشق عنه، ويطيح بحكمه بعد ذلك بعام رفقة صديقه غوكوني ويدي، عام 1979 الذي عينه وزيرا للدفاع، إلا أن تقارب ويدي مع نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، أغضب حبري فتمرد عليه لتبدأ حرب كان ويدي خلالها مدعوما من طرف قوات ليبية، وحبري مدعوم من طرف الفرنسيين، وفي عام 1982 انتصر حبري بعد انسحاب القوات الليبية.
وصل حبري إلى الحكم في ظل أجواء من الحرب والتوتر الأمني، وهي أجواء استمرت طيلة حكمه، واتهم نظامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، قبل أن يطيح به رفيقه السابق إدريس ديبي، عام 1991، المدعوم من طرف السودان وليبيا، وحين كانت قوات إدريس ديبي تدخل العاصمة انجامينا، كان حبري موجودا في الكاميرون المجاورة، واتهم آنذاك بأنه حمل معه أموالا طائلة، وفي العام نفسه وصل إلى السنغال التي منحته حق اللجوء السياسي، واستقر فيها حتى وفاته.
بعد مغادرته للسلطة، أصدرت لجنة تحقيق تشادية عام 1992 تقريراً مطولاً اتهمت فيه حبري بتصفية 40 ألف شخص خلال ثماني سنوات من الحكم، وهو التقرير الذي استند إليه في شكوى قدمت ضده عام 2000 تتهمه بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية»، وبدأت ملاحقته من طرف منظمات الدفاع عن حقوق الإنسانية، لينتهي الأمر بالقبض عليه عام 2013، لتبدأ محاكمته عام 2015 أمام محكمة أفريقية استثنائية هي الأولى من نوعها، ولكن حبري طيلة التحقيق معه ومحاكمته التزم الصمت التام، مكتفياً بتعديل لثامه الصحراوي الأبيض كلما انزاح عن وجهه النحيل.



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».