انقلابيو اليمن يبتزون التجار لتحويل الواردات عبر الحديدة

TT

انقلابيو اليمن يبتزون التجار لتحويل الواردات عبر الحديدة

على مدى أكثر من ٦ أعوام ظلت الميليشيات الحوثية تزعم أن تحالف دعم الشرعية يحاصر ميناء الحديدة ويمنعه من العمل في سياق سعيها لاستدرار التعاطف الدولي، إلا أن الميليشيات عادت لتكذيب نفسها كما حدث في غير مناسبة وأطلقت حملة ترهيب وترغيب للتجار في مناطق سيطرتها لإرغامهم على تحويل اتجاه وارداتهم نحو ميناء الحديدة بدلاً من ميناء عدن، إلا أنها لم تجد استجابة فعلية حتى الآن.
مصادر اقتصادية وأخرى تجارية في مناطق سيطرة الميليشيات ذكرت لـ«الشرق الأوسط» أن قيادات كبيرة في ميليشيات الحوثي عقدت عدة اجتماعات مع مسؤولي الغرف التجارية في مناطق سيطرتها وكبار المستوردين، وطلبت منهم تحويل بضائعهم إلى ميناء الحديدة بدلاً من ميناء عدن والموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.
وحاول قادة الجماعة الانقلابية – بحسب المصادر - إغراء التجار بمنحهم تخفيضات في القيمة الجمركية على السلع بنسبة 49‎ في المائة كما ضمنوا حديثهم خلال اللقاءات تهديدات صريحة وأخرى مبطنة بإغلاق محال التجار ومحاكمتهم ومصادرة البضائع في حال استمروا بالاستيراد عبر الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.
وبحسب هذه المصادر فإن عامر المراني وهو قيادي في جهاز المخابرات الداخلية لميليشيات الحوثي وعين مؤخراً وزيراً للنقل، ومعه أيضاً محمد علي الحوثي عضو مجلس حكم الميليشيات، أوصلا تهديداً مبطناً للتجار بحملة ستنفذها وزارة التجارة الانقلابية تحت مسمى مراقبة الأسعار.
كما هدد القائدان في الميليشيات بسحب تصاريح المحال في حال استمر التجار بالاستيراد عبر الموانئ الخاضعة لسيطرة الشرعية، وتحت مبرر أنهم أقدموا على رفع أسعار السلع، كما هددا بإغلاق المنافذ الفرعية التي تربط ميناء عدن بمناطق سيطرة الميليشيات بعد أن أغلقت الطرق الرئيسية بغرض إرغام التجار على تحويل بضائعهم نحو ميناء الحديدة.
المصادر ذكرت أن التجار الذين فشلوا في إقناع الميليشيات غير مرة بالتوقيع على اتفاق لإعادة فتح طريق الضالع - إب وهو الطريق الرئيسي الذي كان يربط ميناء عدن بمناطق سيطرة الميليشيات، أكدوا خلال اللقاءات صعوبة الاستجابة للضغوط التي تمارس عليهم لأن الأمر مرتبط بشركات الملاحة البحرية وشركات التأمين التي ترفض التأمين على السفن أو البضائع المتجهة إلى ميناء الحديدة.
إضافة إلى أن الميناء لا يمتلك «كرينات» لتفريغ البضائع حيث يعتمد على رافعات متحركة قدمها برنامج الغذاء العالمي وأخرى تحملها السفن الكبيرة وهذا يتسبب في تأخر تفريغ السفن وبقائها في رصيف الميناء عدة أيام، إلى جانب ما يترتب على ذلك من زيادة في الرسوم وأيضاً في إيجار السفن.
وقال مصدر آخر شارك في عدد من اللقاءات إن الميليشيات عرضت تقديم ما أسمته تسهيلات للغرف التجارية، وشركات الخطوط الملاحية، في مواجهة العجز عن تفريغ السفن، وأن من بين هذه العروض فترة سماح مدتها 21 يوماً من الرسوم لتفريغ سفن الحاويات في ميناء الحديدة.
وأكد المصدر أن الجماعة تعتقد أن هذا العرض سيشجع الوكالات الملاحية على إيجاد خطوط ملاحية جديدة لزيادة عدد سفن الحاويات المتجهة إلى الميناء، غير أنه أوضح أن هذا العرض غير عملي ولا يمكن أن تقبل به أي شركة ملاحية. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كل اللقاءات والحملة الإعلامية المصاحبة لها عقب رفع الحكومة سعر الدولار الجمركي لم تفض إلى أي نتيجة حتى الآن».
بدورها قالت مصادر سياسية في صنعاء إن الميليشيات تبحث عن مصادر تمويل تضمن لها استمرار الحرب، معتقدة أن قرار الجماعة الانقلابية بتحريك قيمة سعر الدولار الجمركي إلى نصف سعر الدولار في السوق فرصة لجذب المستوردين لكن هناك عقبات فنية ومالية داخلية وخارجية تحول دون ذلك.
وتوقعت المصادر أن تلجأ الميليشيات في حال فشل خطتها هذه إلى إغلاق الطرق الفرعية التي تربط مناطق سيطرتها مع ميناء عدن والموانئ الأخرى الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية لفرض أمر واقع يصعب معه وصول البضائع إلى مناطق سيطرتها.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.