ضجة في مصر بعد هدم قصر «أندراوس» التاريخي

شُيّد عام 1897 واستضاف شخصيات مهمة من بينها سعد زغلول

صور أرشيفية للقصر تم تداولها على مواقع التواصل
صور أرشيفية للقصر تم تداولها على مواقع التواصل
TT

ضجة في مصر بعد هدم قصر «أندراوس» التاريخي

صور أرشيفية للقصر تم تداولها على مواقع التواصل
صور أرشيفية للقصر تم تداولها على مواقع التواصل

أعاد هدم «قصر أندراوس» التاريخي، في مدينة الأقصر (جنوب مصر) قضية حماية المباني التاريخية والتراثية المصرية إلى الواجهة، بعدما أثار هدمه مساء أمس، ضجة كبيرة وانتقادات بين المتخصصين في الآثار والتراث حزناً على مصير القصر الذي كان شاهداً على أحداث مهمة في التاريخ المصري، مؤكدين أنه كان من «الممكن ترميم القصر والحفاظ عليه بدلاً من هدمه».
بدأت الضجة بتداول صور لعمال ومعدات هدم في محيط قصر توفيق باشا أندراوس في الأقصر، والواقع في حرم معبد الأقصر، ظن كثير من المتابعين في البداية أنها محاولة لتنظيف ساحة القصر من المخلفات، حتى تم التأكد من أنها معدات هدم القصر.
وأعربت الدكتورة مونيكا حنا، القائم بأعمال عميد كلية الآثار بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، عن دهشتها من قرار هدم القصر، وقالت، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «قصر أندراوس كان شاهداً على أحداث تاريخية مهمة، وكان المقر الذي اتخذه سعد زغلول في الأقصر، حتى إنه سمّاه بيت الأمة في الأقصر»، متسائلة «كيف يهدَم قصر بهذه القيمة؟!».
واتفقت معها الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة وعضو مجلس إدارة جهاز التنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة المصرية، وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «القصر تراث حضاري وتاريخي، لا يجب هدمه»، متسائلة «عن المصلحة وراء هدم قصر بهذه القيمة التاريخية».
ويعود تاريخ قصر أندراوس إلى عام 1897، حيث تم إنشاؤه خلف معبد الأقصر، مواجهاً لنهر النيل، واستضاف على مدار تاريخيه شخصيات مهمة، من بينها الزعيم سعد زغلول أثناء ثورة 1919.
محاولات هدم القصر بدأت عام 2009، بحسب تصريحات سمير غريب، رئيس جهاز التنسيق الحضاري السابق، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه في «تلك الفترة أبدت محافظة الأقصر رغبتها في هدم القصر فتم تشكيل مجموعة عمل لفحص القصر، من أساتذة متخصصين في العمارة والتراث ذهبت وعاينت القصر من الداخل والخارج، وأوصت بعدم الهدم، بعدها شكّل فاروق حسني وزير الثقافة لجنتين لاتخاذ قرار بشأن القصر أيدتا قرار عدم الهدم»، مشيراً إلى أنه «في ظل إصرار المحافظة على الهدم، تم تشكيل لجنة ثالثة لكنها كانت هذه المرة من مهندسين وليس متخصصين في التراث وهي التي اتخذت قراراً بهدم القصر الأول».
وأضاف غريب أنه «كان هناك قصران متلاصقان تم هدم الأول بموجب قرار اللجنة الثالثة وبقي القصر الثاني الذي هدم أمس، وعندما سُئل محافظ الأقصر وقتها عن سبب عدم هدم القصر الثاني قال إنه أبقاه كنموذج للتراث المعماري في تلك الفترة».
وأشارت حواس إلى أنها «كانت عضواً في اللجنتين الأولى والثانية اللتين شُكلتا عام 2009 لمعاينة لقصر، والتقت في ذلك الوقت ابنتي أندراوس اللتين كانتا تعيشان في القصر، وشاهدت ما يحتويه القصر من مقتنيات»، وقالت إن «القصر ذو قيمة تاريخية ومعمارية، لكن المشكلة أنه في هذه الأمور يتم اللجوء لوزارة الآثار، التي تختص بشؤون الآثار الفرعونية والإسلامية والقبطية، أما المباني التراثية فهي اختصاص وزارة الثقافة وجهاز التنسيق الحضاري».
وهدمت محافظة الأقصر القصر بناءً على قرار لجنة أشارت إلى أن القصر أصبح آيلاً للسقوط بسبب أعقاب محاولة لصوص التنقيب عن الآثار أسفل القصر، تم ضبطها العام الماضي، وهو ما أضر بأساسات القصر، على حد قول المسؤولين في المحافظة.
لكن حنا أكدت أنه «لا يوجد مبنى غير قابل للترميم، والقصر مبني من الطوب اللبن وكان من الممكن ترميمه»، واصفة هدم القصر بأنه «استمرار لسياسة وزارة السياحة والآثار التي لا تقدر قيمة تنوع التراث المصري».
بدورها، قالت حواس إن «استخدام تعبير آيل للسقوط هو محاولة للالتفاف على القانون الذي ينص على حماية المباني غير الآيلة للسقوط»، مشيرة إلى أن «أي مبنى يمكن ترميمه، وهناك درجات متعددة للتعامل مع المباني ذات القيمة التاريخية والطراز المعماري المتميز ومن بينها قصر أندراوس».
على الجانب الآخر، كانت هناك دعوات على فترات متباعدة لهدم القصر، بحجة أنه يعتدي على حرم معبد الأقصر، لكن حواس أكدت: «لو كان هذا مبرراً للهدم فهذا معناه هدم مسجد أبو الحجاج الواقع داخل معبد الأقصر، لكن هذا غير ممكن، لأن القصر والمسجد أصبحا جزءاً من الطبقات التاريخية للمكان وليس تعدياً عليه».
وشهد القصر عام 2013 جريمة قتل، حيث عُثر على جثتي ابنتي أندراوس (صوفي 82 عاماً)، و(لودي 84 عاماً)، مقتولتين داخل القصر، وفي العام الماضي تم ضبط محاولة تنقيب خلسة عن الآثار في أرض القصر، أغلق القصر بعدها بدعوى أنه آيل للسقوط.
ودعت حواس إلى حماية المباني التراثية، وقالت إن «القانون يجبر المواطن العادي على عدم هدم أو تغيير المباني التاريخية وذات الطراز المميز التي يملكها، فكيف تقوم الدولة بهدم مبانٍ تاريخية تملكها»، وأضافت: «يجب أن تكون الدولة قدوة».
بينما قال غريب إنه «كتب عند هدم القصر الأول أن هذا الهدم جريمة تلاحق مرتكبيها».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.