إيناسيو سيلوني... أجمع على عدائه اليمين واليسار

احتفاء إيطالي بالذكرى الـ 35 لرحيله

إيناسيو سيلوني
إيناسيو سيلوني
TT

إيناسيو سيلوني... أجمع على عدائه اليمين واليسار

إيناسيو سيلوني
إيناسيو سيلوني

أحد أبرز الأحداث الثقافية الإيطالية منذ بداية هذا العام، هو الاحتفالات الكبيرة التي تقيمها هذه الأيام مقاطعة الأبروتسو وسط البلاد بالذكرى الـ35 لرحيل الكاتب الإيطالي إيناسيو سيلوني الذي صدرت في أكثر من طبعة، أعماله الروائية الكاملة ودراساته وكتاباته الصحافية. وتتضمن الاحتفالات ندوات وعروض أفلام روائية ووثائقية وصوراً فوتوغرافية وحفلات موسيقية، ومنح الفائز الأول بجائزة «سيلوني» لأفضل عمل روائي لهذا العام. ويترافق مع هذه الاحتفالات، وقد ينغصها أيضاً، صدور كتاب يتهم سيلوني بعلاقته بالنظام الفاشي، في الوقت الذي صدر كتاب آخر يروي مؤلفه خلافات سيلوني مع الحزب الشيوعي الإيطالي، والمحاولات الكثيرة التي قام بها عملاء ستالين لاغتياله في سويسرا. ويعتبر سيلوني واحداً من الكتاب الإيطاليين الذين عرفهم قراء العالم بأسره من خلال روايته السياسية الشهيرة (فونتا مارا) التي صدرت عام 1930 ولأول مرة باللغة الألمانية وترجمت بعد ذلك إلى أكثر من ستين لغة منها العربية. وكان سيلوني قد كتبها في عام 1924، لكنه عاد وعدل بعض أبعادها مراراً وتكراراً في طبعات متلاحقة، تبعاً لتغيراته الآيديولوجية. كما هو الحال بالنسبة إلى العديد من كتبه الأخرى، غير أن هذا لم ينتقص أبدا من قيمته في الحياة الأدبية. وهي تظل أشهر أعماله وأكثرها شعبية. وقد عكست الرواية الصراعات على مستويات عدة وأولها الريف ضد المدينة، البائسون ضد مستغليهم، الفلاحون ضد تحالف الإقطاعيين، الدولة والكنيسة، وفي مثل هذه الصراعات، بقي بطل الرواية وحيداً، بعدما يغدر به الجميع، عن تواطؤ أو عن خوف أو عن لا مبالاة، وانتهى به الأمر إلى الرحيل عن القرية.
لم يبدأ «سيكوندو ترنكويللي» وهو اسم إيناسيو سيلوني الحقيقي، حياته كأديب، بل كمناضل سياسي اختار اسم أحد الثوار الرومان القدماء الذين ثاروا على الظلم والقهر الذي فرضته الإمبراطورية على رعاياها، وقد كان في معظم كتاباته يعبر عن معاركه السياسية، وربما كان هذا هو السبب الذي جذب إليه ألوف القراء في بلد ظل إلى فترة قريبة تحلم جماهيره ببناء النظام الاشتراكي.
كتب نصوصاً وروايات اتسمت بنزعة إنسانية عامة، وكرس القسم الأكبر من رواياته للحديث عن مقاطعة الأمبروسو، ويذكر أن الكاتب الأميركي وليم فوكنر كان يقول إن سيلوني «أكبر كاتب إيطالي حي».
انخرط في العمل السياسي في سن مبكرة حتى أصبح رئيساً للشبيبة الاشتراكية، وحين تأسس الحزب الشيوعي الإيطالي بعد انشقاقه عن الحزب الاشتراكي عام 1921، انضم سيلوني مع عدد من زملائه إلى الحزب الجديد ليصبح بعد فترة قصيرة واحداً من قادة الحزب جنباً إلى جنب مع أنطونيو غرامشي وبالميرو تولياتي، وعلى إثر صعود الفاشية لتفرض قبضة الرعب والإرهاب في طول البلاد وعرضها، هرب إلى سويسرا لاجئاً سياسياً، وظل طيلة فترة بقائه التي استمرت خمسة عشر عاماً في سويسرا، وكتب فيها أكثر من عشرة كتب ومئات المقالات والدراسات، التي يدافع فيها عن العناصر الديمقراطية والإنسانية الموجودة في تراث وثقافة وطنه، مدركاً أن اختياره للعيش في المنفى يشكل جزءاً هاماً من أجل الحفاظ على المسؤولية والواجب. وكان في الوقت نفسه، يدافع عن زملائه الذين بقوا في الوطن، فهم برأيه يتحملون عبئاً مضاعفاً ومؤلماً بشكل لا يقاس في ظل الفاشية التي تفشت في أوصال المجتمع الإيطالي وعممت نموذجها المتخلف بشكل كاد يلغي المعادل الآخر، ليس تراثاً وثقافة فحسب، وإنما الشخصية الوطنية الإيطالية.
ولقد عانى سيلوني من علاقته بالسياسي، إذ وجد نفسه في أحيان كثيرة قد حل محل السياسي المحترف في التثقيف السياسي والفكري. ولكن ورغم التضحيات التي قدمها سيلوني انسجاماً مع التزامه الداخلي، بقي محل ريبة، وقد تجلى ذلك بصورة حادة عندما اشتدت قبضة ستالين على الاتحاد السوفياتي، ومحاولاته تصفية المعارضين لسياسته، وهو الأمر الذي رفضه سيلوني ووقف مدافعاً عن كل معارضة نزيهة، وعلى إثر ذلك طرده الحزب الشيوعي الإيطالي لمواقفه المعارضة.
بعد عودته إلى إيطاليا عام 1945 بعد تحرير البلاد من الفاشية وإقامة النظام الجمهوري، عاش سيلوني المنفى في الداخل، مكتشفاً الهلع الذي لم يفارق الهياكل الثقافية التي امتلأت بالتخويف والترهيب حيث عانى من مضايقات اليمين، وأيضاً من اليسار ومؤسساته التي كانت تريده أن ينضوي لثكناتها، إلا أنه ظل في كتاباته وأعماقه مثقفاً حراً، وعرف كيف يضع نفسه في المكان الحقيقي خارج ذلك المحيط الصارم في أحكامه محافظاً على حسه الرهيف الذي ينبض بالحياة وشموليتها.
وفي منتصف عقد الستينات من القرن الماضي، بدأ بفرض نفسه من خلال مجلته (الزمن الحاضر) التي استقطبت اهتمام قطاعات متزايدة من المثقفين في عموم البلاد وخارجها، حيث كانت رائدة في الدعوة إلى حرية الصوت الثقافي والكلمة المبدعة والشجاعة، ومحاربة الجمود العقائدي والانعزالية الفكرية، فأعيد الاعتبار إليه بعد أن أصبح واحداً من أبرز معالم البلاد الثقافية.
حاول سيلوني في كتابه الشهير (الفاشية، أصولها وتطورها) أن يقدم الفاشية باعتبارها نتيجة لأزمة المجتمع البرجوازي الإيطالي البنيوية العميقة، ولعجز الحركة العمالية الإيطالية، في الوقت ذاته، عن حل هذه الأزمة عن طريق التحويل الاشتراكي.
توفي سيلوني عام 1978 في مدينته الفلاحية المغلقة الصغيرة (بيشينا) في مقاطعة الأبروتسو التي ولد فيها بعد أن ألم بـه المـرض.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».