فيما أعلن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أمس، عن اجتماع افتراضي لقادة «مجموعة السبع»، غداً (الثلاثاء)، للتباحث بشأن تطورات الوضع الأفغاني، عبَّرت باريس عن رغبتها في توسيع دائرة التشاور لتشمل دولاً إضافية تعتبر أنها مؤثرة، وبالتالي يفترض أن تضم إلى الجهود الدولية. فقد قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، في حديث لصحيفة «في إس دي» الأسبوعية، نُشر نهاية الأسبوع، إن التوافق الدولي الذي يتعين السير نحوه بخصوص أفغانستان «يجب أن يكون أشمل، بحيث لا يقتصر فقط على (مجموعة السبع) والدول الأعضاء في الحلف الأطلسي، بل من الأفضل إشراك روسيا والصين وإيران فيه»، إذ إن هذه الدول الثلاث ليست جزءاً من «مجموعة السبع» ولا من «الحلف الأطلسي». ولم ينس لو دريان باكستان التي «احتضنت»، كما قال «طالبان»، لفترات طويلة «وقد تجد مصلحتها في إقامة علاقة وثيقة مع أفغانستان، الأمر الذي قد يفضي إلى بوادر نزاعات مع الهند».
وكشف لو دريان أن نظيره الهندي عبّر عن هذه المخاوف خلال اتصال أجراه معه، الأمر الذي يطرح إشكالية الاستقرار الإقليمي.
ووفق المنظور الفرنسي، فإن خطورة الوضع الأفغاني بعد سيطرة «طالبان» على السلطة يفترض توافر «أوسع إجماع دولي» حول السياسة التي يفترض السير بها إزاء النظام الطالباني الجديد، في الوقت الذي تسمع فيه أصوات متعددة النغمات بين أطراف لا تجد غضاضة في الانفتاح على «طالبان»، وأخرى مستعدة للتعاون فقط في موضوع إجلاء المواطنين الأجانب والأفغان الذين تعاونوا مع الغربيين في السنوات العشرين الماضية.
حتى اليوم، يتركز الاهتمام على إنجاح عملية الإجلاء التي تدور وسط فوضى عارمة، واتهامات ضمنية بين الأطراف المعنية، وانتقادات لأداء القوات الأميركية المتمركزة في المطار العسكري الملاصق لمطار كابل الدولي المدني، فضلاً عن المخاوف من تمسك واشنطن بوضع حد لوجودها في أفغانستان، نهاية الشهر الحالي، فيما ليس هناك ما يؤكد أن عمليات الترحيل المتسارعة سوف تنتهي بحلول التاريخ المذكور.
وفي أي حال، فإن الأطراف المعنية باشرت بطرح شروطها بخصوص عملية الاعتراف الرسمية بالنظام الجديد، الذي يبدو أن الغربيين كما الآخرين قد سلموا بوجوده، وأخذوا يعتبرونه أمراً واقعاً يتعين التعامل معه. وفي هذا السياق، وقبل أن تطرح المسألة بشكل جماعي في المحافل الدولية الرئيسية، مثل مجلس الأمن أو الحلف الأطلس والاتحاد الأوروبي وغيرها من المنظمات الإقليمية، فإن باريس بادرت، على لسان وزير خارجيتها، للكشف عن شروطها.
ففي الحديث الصحافي نفسه، أكد الأخير أن بلاده «لن تعمد هكذا إلى الاعتراف بسلطة الأمر الواقع التي تمثلها (طالبان) التي حازتها بالقوة». وأضاف لو دريان أن «(طالبان) تبحث عن الاعتراف الدولي بها، وهي تعرف متطلباتنا»، التي أولها الامتناع عن إعاقة رغبة أي أفغاني يريد الخروج من البلاد.
وبدا هذا الشرط «بديهياً» بالنسبة لباريس التي تدفع باتجاه عدم الاكتفاء بإجلاء المتعاونين مع الغربيين وعائلاتهم، بل أيضاً كل مَن تعتبره مُهدَّداً بسبب مواقفه وآرائه، ومن هؤلاء الفنانون والناشطون من المجتمع المدني والمثقفون والصحافيون.
وتعتبر باريس إخراج هذه المجموعات «واجباً أخلاقياً». وأفيد في العاصمة الفرنسية بأن الدبلوماسيين الذين ما زالوا يعملون من مطار كابل ينشطون في إقامة اللوائح. ولكن حتى اليوم، لا يبدو أن هناك مَن تبنَّى الرؤية الفرنسية الموسَّعة.
في المقام الثاني، تطالب باريس بتخلي «طالبان» عن توسل الإرهاب، وأن تقطع أي علاقة لها مع تنظيمات إرهابية، خصوصاً «القاعدة» التي احتضنتها «طالبان» خلال فترة حكمها الأول لأفغانستان، ما بين عامي 1996 و2001.
يلي ذلك توفير ممر آمن لإيصال المساعدة الإنسانية، معطوفاً على احترام الحقوق الأساسية، وأولها حقوق المرأة التي يتخوّف الغربيون من أن تكون الضحية الأولى للحكم الطالباني. وأخيراً، تطالب فرنسا بأن يتم تشكيل حكومة انتقالية تتويجاً للمفوضات الجارية في الدوحة. وبلهجة متشددة، قال لو دريان: «إن غياب أي مؤشرات واضحة على التجاوب مع هذه المطالب الخمسة، يعني أن أفغانستان سوف تتحول إلى (دولة مارقة)». وقال لو دريان في مقابلة أخرى، مهدداً، إن عدم توافر الشروط المشار إليها «سيجعل (طالبان) منبوذين من المجتمع الدولي، وسيتعين جعلهم يعيشون وضع المنبوذين. هذا الأمر الذي سيتطلب قدراً كبيراً من الحزم» في التعامل. ولا تأخذ باريس تصريحات مسؤولي «طالبان» بشأن حقوق الإنسان وخلافها على محمل الجد، إذ إنها تريد أفعالاً لا أقوالاً».
حتى اليوم، يبدو أن المتعارف عليه دولياً، خصوصاً غربياً أمران: الأول ضرورة أن تسهل «طالبان» عملية إجلاء الأجانب والمتعاملين الأفغان معهم، والثاني التركيز على الإرهاب، وابتعاد «طالبان» عن اللجوء إليه أو تمكين تنظيمان إرهابية من استخدام الأراضي الأفغانية. وبحسب القراءة الفرنسية، فإن مجلس الأمن الدولي توصل إلى ثلاث خلاصات، أولها تخص الإرهاب، وثانيها الهجرات المكثفة من أفغانستان، وثالثها تحدي الاستقرار الإقليمي المتأتي عن وصول «طالبان» إلى السلطة وتداعياته الداخلية والخارجية.
في تغريدته التي أعلن فيها عن موعد اجتماع قادة «السبع»، أشار بوريس جونسون إلى أن النقاض سيتناول ضرورة أن تتم عمليات الإجلاء بشكل آمن، وتلافي أزمة إنسانية، وحماية مكتسبات الأفغان في العقدين الماضيين. بيد أنه أبعد من الأزمة الإنسانية، فإن مسائل رئيسية تتناول «الحلف الأطلسي» والأداء الأميركي الأحادي بعيداً عن التشاور مع الأوروبيين أخذت تُطرَح بقوة، ولا شك أنها ستكون على طاولة المباحثات للأشهر المقبلة.
فرنسا تدعو إلى إشراك روسيا والصين وإيران في «سياسة موحدة» تجاه «طالبان»
فرنسا تدعو إلى إشراك روسيا والصين وإيران في «سياسة موحدة» تجاه «طالبان»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة