نتوجع بهدوء... نتفسخ بهدوء... نموت بهدوء

من الشعر الأفغاني المعاصر

نتوجع بهدوء... نتفسخ بهدوء... نموت بهدوء
TT

نتوجع بهدوء... نتفسخ بهدوء... نموت بهدوء

نتوجع بهدوء... نتفسخ بهدوء... نموت بهدوء

سيجارة نصف مشتعلة
(بيدرو بارتو)
في هذه المستنقعات المالحة
النبات ينمو في فصول الله الخضراء
وعبثا تتصور
صنوبرة كبيرة تفيء
على عطش المسافرين...
في هذه المستنقعات المالحة
سيكفرون بنمو «شقائق النعمان»
في إطار القانون لجراد متعطش
وأنا حزين من أجل ذلك الذي لا يعرف
الفرق بين النبع والسراب...
أبكي لأجل ذلك الذي
يأخذ أفكاره السياسية من سواه
مثل نصف سيكارة مشتعلة
ينظرون إلى الديمقراطية في انحناء جسد امرأة
في هذه المستنقعات المالحة
لو نبت مرسال أحمر
لم يكن سوى دم العرائس في دهراود*
لم يكن سواه،
عندما تخطئ الديمقراطية
يجب علينا أن نبحث عن مقبرة جديدة لنا
حتى أبي لا يملك الحق في أن يقول
ثمة حاجب فوق عيون الأصدقاء!
دم ألف عريس وعروس
فداء لأصدقائنا الذين تعلموا فقط أن يقتلوا؛
ليبقوا على قيد الحياة
أصدقاؤنا أناس صابرون
بعقولهم النيرة يضيعون في غابات الـDNA
أصدقاؤنا بأنسجتهم التالفة جربوا قبور تورا بورا**
بألف لون
ولون
في مختبرات الـ«بنتاغون»
لأجل أن فلان بن فلان
ربما هو من الجيل الأول
وربما يكون من سلالة قابيل
أصدقاؤنا
دون أن يعكروا زرقة السماء
عبروا من نهر الدماء
في «الحادي عشر من سبتمبر»
واصطادوا أسماك السلمون.

مراهقة فوق الخراب
(مجيب مهرداد)
الآن
باشتباك غصن يافع على جلد عنقك تحمرين
وبلمسة إصبع على وجنتيك
العالم يسود في عينيك
تقتطفين الثمار الناضجة
من الأشجار التي أصيبت بشظايا
من الفاكهة التي أصيبت بشظايا
تضعين فوق رأسك سلةً منها
تتمشين في الطرق الريفية...
الريح من كل الجهات تأتي برائحة اللحم المحروق
تحمين جسدك بمعطفك أكثر
حتى تظهر مفاتن جسدك أمام القرويين الحزينين
الأشجار لا تصطدم بجسدك
مئات من الغصون المليئة بالزهور
يتحركن في طريقك
عندما تدعينني أمامهن إلى امتصاص دمك
أنت مزدهرة بما يكفي
ولا تتأثرين بصراع جغرافية الحروب
أنت تستطيعين أن تمنحيني الفرح
حتى أرتشف دم البحر...
أنت نضجت فوق الدمار
مثل بيوت مهجورة كشفت عن ملاجئها
تلك الملاجئ التي كانت تخبئ المقاتلين الجرحى غير البالغين!
أحياءً كانوا أم أمواتاً
كانوا يصلون إلى النشوة من دماء العدو
حالما نضجت الثمار
على وجهك ظهرت الندوب
حول الشجرة
ألف جسدك
الذي غطى ارتفاعي
كغصن لبلاب متعطش للدماء
أنا أيضاً لمرات عديدة
وعند نضج الفاكهة
كثمرة طازجة على جذع شجرة، اعتصرتك
تدفق ماء عذب من كل مساماتك
الآن
خرجت من بين الأشجار
تمشيت على الأنقاض
عانقتك كجندي العدو من الخلف
وفي المخبأ
سأخنق
أصوات أنينك.

هدايا مرتابة
(فاطمة روشن)
هنا، في أفغانستان
سكك القطار مدورة
المحطات مصنفة بالأرقام
كل العربات من الدرجة الأولى
مسؤولو القطار
ينحنون احتراماً للجميع
يبتسمون للجميع
يمنحون الجرائد والمياه المعدنية للجميع
هنا، أي، في أفغانستان
القطارات سريعة من دون ركاب
لا أحد يأخذ من المحطات
تذاكر مجانية
والقطارات المجانية على السكك المدورة
لها أصوات حزينة
الأطفال
عندما يشاهدون السكك يصرخون
الشيوخ يعتقدون أن العربات الفارغة
هدايا مرتابة
عاجلاً أم آجلاً
ستخرج القطارات من السكك المدورة
كل شيء سيئ أو جيد
سينتهي ذات يوم.
فضلات عاطفية لإنسان متحضر
عاصف حسيني
أقراطك فراشات ميتة
لماذا تبحثين عن عباد شمس بلاستيكي؟
السعادة فوق أظافرك
بنفسجي
أحمر
أزرق
أمسحي وراء جفنيك حلم طير السنونو
هذا العالم أقصر مما تتصورين.

مستنقع
(زهراء زاهدي)
المدينة هادئة
حياتنا هادئة
البيت هادئ
نتوجع بهدوء
نتفسخ بهدوء
نموت بهدوء
هل ترى:
كيف يتشكل هذا المستنقع بهدوء؟

صدق كل شيء
مارال طاهري
حان موعد النوم
صدق الحرية
إنها تشبه شفتي المتورمة من الكذب
صدق المقبرة
الموتى هم الطيبون
في منتصف الليل،
أبحث عن صوت شاعرة
تغفو بين نباتات الكراويا
تبحث عن حلقتها
تبحث عن شعرك الذي سقط
في بالوعة الحمامات العامة
تبحث عن عشاق يخبئون الشعر في رئتيهم،
المصابة بالتدرن
أين أصابعك الرشيقة؟
أين خبزنا؟
أين ذلك البيت؟
اعزف للشوق،
للعودة، لرائحة التراب المبلل...
أبحث عن صوت جديد
المطر قريب منا
الفطريات تتكاثر تحت أقدامنا.

من كتاب «أنطولوجيا الشعر الأفغاني الحديث» تقديم وترجمة مريم العطار
دار المدى العراقية.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.