أحمد مسعود: لديّ الاستعداد للعفو من أجل السلام في أفغانستان

قال في حديث إلى «الشرق الأوسط» إن بإمكان «طالبان» دخول بنجشير بلا قتال وبالاتفاق لكنه مستعد للدفاع

أحمد مسعود يقود «المقاومة» من جديد ضد «طالبان» في إقليم بنجشير شمال كابل (رويترز)
أحمد مسعود يقود «المقاومة» من جديد ضد «طالبان» في إقليم بنجشير شمال كابل (رويترز)
TT

أحمد مسعود: لديّ الاستعداد للعفو من أجل السلام في أفغانستان

أحمد مسعود يقود «المقاومة» من جديد ضد «طالبان» في إقليم بنجشير شمال كابل (رويترز)
أحمد مسعود يقود «المقاومة» من جديد ضد «طالبان» في إقليم بنجشير شمال كابل (رويترز)

يبدو وادي بنجشير كأنه من عالم آخر، بعيد عن الفوضى الموجودة في مطار كابل وطوابير اللاجئين الذين يحاولون الهروب من البلاد. هنا، تنتشر الوديان الخضراء المزينة بالفواكه في كل مكان، كما يواصل نهر بنجشير بتياراته القوية رحلته المتجهة شرقاً من هندو كوش. المكان مليء بالمناظر الخلابة التي تضاهي سويسرا. فهي في الواقع كانت المنطقة المفضلة لمجلة «ناشيونال جيوغرافيك» على مدى عقود، وخلال فترة القتال ضد السوفيات، كان المصورون الغربيون والشرقيون يندفعون إلى هنا للحصول على لقطات للزعيم الراحل أحمد شاه مسعود.
يبدو أن هذه المنطقة قد باتت تستعد الآن للحرب مرة أخرى، حيث تعمل كل قوى المقاومة فيها على الحشد، ولكن ما المقاومة الموجودة هنا؟ قضيت الأسبوعين الماضيين مع أحمد مسعود، نجل وخليفة الراحل، وقد كان مشغولاً خلال هذه الفترة بلقاء القادة السياسيين والعسكريين من قندهار في الجنوب إلى بدخشان في الشمال، وحتى قبل سقوط كابل ظل مسعود في اجتماعات على مدار اليوم وطوال أيام الأسبوع للاستعداد للأسوأ، ذلك بمجرد أن بات واضحاً أن الرئيس الأفغاني أشرف غني كان يستعد لمغادرة البلاد والتخلي عنها بعد سقوط الإقليم الأول، نيموز، في يد حركة «طالبان».

- مسؤولية غني
يقول مسعود لـ«الشرق الأوسط»، إن غني فشل تماماً في إدراك مدى عمق الحفرة التي حفرها لأفغانستان، فقد كانت لديه فرصة ذهبية حينما قام العالم كله بتمويل كابل بمليارات الدولارات سنوياً، إلا أن غالبية الشعب الأفغاني لا يزالون يعيشون تحت خط الفقر، في حين أن قلة فقط من النخبة السياسية قد استطاعت كسب الملايين وقامت بتحويلها إلى الخارج، وعلاوة على ذلك، فقد كانت لدى غني أجندة عرقية أدت إلى مزيد من الانقسامات بين الأفغان، إذ استخدم ورقة البشتون ضد الطاجيك والأوزبك والهزارة.
ويضيف أنه «لم تتمكن أفغانستان أبداً من إنشاء نظام مركزي قوي، فقد فشلت في الأمر على مدى أكثر من 100 عام، وقد تبين أن الحل الأفضل هو اللامركزية والتمكين الإقليمي دون الإضرار بالسلامة الإقليمية الشاملة للبلاد، فصحيح أن أفغانستان تمثل أمة وطنية واحدة، لكنها يجب ألا تدار من مدينة واحدة، إذ إنها مثل سويسرا لديها جنسيات ولغات مختلفة، فصحيح أنها دولة واحدة ولكنها بحاجة إلى تفويض للسلطة تماماً مثل ذلك الموجود في اسكوتلندا وويلز (في بريطانيا)، اللتين لديهما مجالس خاصة بهما، وأيضاً مثل السويسريين الناطقين بالفرنسية والألمانية والإيطالية ولكن لديهم أنظمتهم الخاصة في البلاد حتى الآن. لكن نتيجة لتفشي الفساد وسوء الحكم الناجمين عن نظام الحكم والأمن شديد المركزية في البلاد، فقد فشلت الحكومة الأفغانية في كسب دعم السكان، حيث لم يثق الناس بغني كما أنهم قد ظلوا يتذكرون أيضاً أيام طالبان السيئة، فهم لا يثقون في أن النظام سيكون قادراً على إنقاذهم، وقد أكد هذا المجتمع الأفغاني المتنوع متعدد الأعراق أنه بحاجة إلى نظام سياسي وقوات مسلحة لامركزية».

- بنجشير والمقاومة
خلال السير على الطريق مع أحمد مسعود من كابل إلى بنجشير، اضطررنا إلى تغيير طريقنا مرتين نظراً لوجود تهديدات بوجود انتحاريين، حيث استولت «طالبان» على مقاطعة تلو الأخرى في غضون ساعات قليلة، ما جعل الوصول إلى بنجشير بمثابة الانتقال من الأرض إلى المريخ. وعند الدخول إلى بنجشير، كان هناك عالم مختلف تماماً، حيث ساد الصمت ولم يسمع سوى صوت هدير مياه النهر القوية وسلام الوديان، فهو عالم بعيد عن الخوف الموجود في كابل، فالجميع هنا على استعداد لمواجهة «طالبان».
لكن مسعود يقول: «نحن مستعدون للتحدث مع طالبان، ونحن بالفعل لدينا اتصالات مع الحركة، وقد التقى ممثلونا المشتركون بعضهم مع بعض عدة مرات، فنحن مسلمون أيضاً، ومع ذلك، فإنه لن يتم إجبارنا على فعل أي شيء، وحتى والدي قد تحدث مع طالبان. لقد ذهب أعزل دون أي حراسة للتحدث مع قيادة الحركة خارج كابل في عام 1996، وقال لهم: ماذا تريدون؟ تطبيق دين الإسلام؟ فنحن أيضاً مسلمون ونريد السلام أيضاً، ولذا فدعونا نعمل معاً، ومع ذلك، فإن الحركة تريد فرض الأشياء بالسلاح، وهو ما لن نقبله، فإذا كانوا يريدون السلام، وتحدثوا إلينا وعملوا معنا، فنحن جميعاً أفغان وسيكون هناك سلام».
ويضيف: «بنجشير هي المقاطعة الوحيدة التي تقاوم، فقد سقطت البلاد كلها، ولكننا نقف شامخين، تماماً كما هزمنا السوفيات في الثمانينات، وكما هزمنا طالبان في التسعينات، ويجب أن تتذكروا أنه في عهد والدي، لم تستطع طالبان الاستيلاء على الشمال، ثم قام تنظيم القاعدة بقتله، والبقية معروفة في التاريخ. لكنني لدي الرغبة والاستعداد للعفو عن دماء والدي من أجل إحلال السلام والأمن والاستقرار في البلاد».
ويوضح مسعود أن الأفغان ليسوا على استعداد للاستسلام لأي إرهاب، قائلاً: «نحن مستعدون لتشكيل حكومة شاملة مع طالبان من خلال المفاوضات السياسية، ولكن ما هو غير مقبول هو تشكيل حكومة أفغانية تتسم بالتطرف، والتي من شأنها أن تشكل تهديداً خطيراً، ليس لأفغانستان فحسب، ولكن للمنطقة والعالم بأسره».

- «القاعدة» والإرهاب
عندما استولت «طالبان» على 85 في المائة من أراضي أفغانستان في التسعينات، جاءت جماعات إرهابية في العالم إلى هنا بعدها، ثم شهدنا أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وجاء كثير من أعداء الدول العربية المطلوبين الذين كانوا على شاكلة زعيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن.
ويقول مسعود: «نحن قوى مقاومة ليس ضد أي حكم مفروض من قبل طالبان فحسب، ولكن أيضاً ضد الإرهاب الدولي بشكل عام، وقد حذر والدي من القاعدة حتى قبل أن يتم تشكيلها، وحتى في الثمانينات جاء كثير من الإرهابيين المتطرفين إلى هنا من عدة دول، لكنهم لم يأتوا إلى هنا من أجل أفغانستان، ولكنهم جاءوا من أجل أشياء أخرى، ثم وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكثير من المصائب الأخرى في الشرق الأوسط، ولكننا لا نريد أن يأتي أي مقاتل دولي إلى هنا الآن، لأن الكثير قد يأتي من سوريا أو ليبيا أو حتى آسيا الوسطى، وستظل بنجشير هي خط الدفاع الأول ضد أي تطرف، وذلك لأن علاقتنا بالشرق الأوسط مهمة للغاية».

- شروط السلام وتقاسم السلطة
يقول مسعود: «نود أن ينهي كل الأفغان هذه الحرب المستمرة منذ 40 عاماً، ولكن كي تكون طالبان سلمية، يجب أن يكون لدينا بعض الأشياء الأساسية، التي تشمل اللامركزية التي تشمل الحكم الذاتي الإقليمي ونقل السلطة، كما يجب أن يقولوا لا لأي تطرف ولوجود الجماعات الإرهابية الدولية في أفغانستان، ويجب أن يكون هناك تقاسم للسلطة، كما أننا لا نريد أن يتم حكم مناطقنا بالقوة من قبل أحد، فقد أصبح بعض مقاتلي طالبان اليوم أكثر تطرفاً من آبائهم الذين قاتلوا في التسعينات، وذلك بسبب صلاتهم بالجماعات المتطرفى الحديثة مثل داعش والقاعدة، وصحيح أنه لم يتم إصلاح الحركة، ولكننا ما زلنا قادرين على الجلوس معهم والتحدث، ونحن نتحدث معهم بالفعل ونأمل في الوصول إلى مخرج وإنهاء أي قتال، فهم يقولون إنهم ضد الإرهاب الدولي، ولكن يجب أن نرى ذلك بشكل عملي، ونأمل ونصلي أن يكونوا يرغبون في ذلك بالفعل. نحن لا نريد القتال، ومع ذلك، فإننا على استعداد للقتال إذا دخلوا بنجشير، صحيح أنه يمكنهم الدخول بسلام دون أسلحة، ولكن في حال دخلوا بالبنادق، فنحن مستعدون للدفاع حتى آخر رجل، ولكن يجب إعطاء السلام فرصة حتى ولو كان هذا السلام مع طالبان».



مايوت... أفقر أقاليم فرنسا تجهد لمحو آثار الإعصار المدمّر

شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)
شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)
TT

مايوت... أفقر أقاليم فرنسا تجهد لمحو آثار الإعصار المدمّر

شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)
شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)

بعد أسبوع من أسوأ إعصار يضربها منذ ما يقرب من قرن، لا تزال جزيرة مايوت الفرنسية الفقيرة الواقعة في المحيط الهندي تجهد لإحصاء عدد القتلى واستعادة الخدمات الأساسية ومساعدة السكان المحاصرين، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

والمستشفيات التي تعاني بشكل دائم نقصاً في الإمكانات تكتظ بالمرضى الذين يعانون ليس من الإصابات المرتبطة بالإعصار «شيدو» فحسب، بل أيضاً من الجفاف وسوء التغذية والأمراض. وفي المستشفى الرئيس في مايوت بالعاصمة مامودزو، يواجه الأطباء سلسلة من الأزمات.

وقال الدكتور روجيه سرحال، رئيس قسم التوليد وأمراض النساء في المستشفى: «فقدنا 40 في المائة من غرف المرضى؛ أي نحو 50 إلى 60 سريراً. هناك الكثير من المرضى يأتون إلى المستشفى، وليس لدينا مكان لاستقبالهم».

وفي ظل الإعصار الذي ضرب الأرخبيل في نهاية الأسبوع الماضي مصحوباً برياح سرعتها 220 كيلومتراً في الساعة، أجبرت الأضرار البنيوية التي لحقت بالمستشفى الموظفين على فرز المرضى، وإعطاء الأولوية لأكثر الحالات شدة.

تم تأكيد وفاة خمسة وثلاثين شخصاً حتى أمس (الجمعة) في مايوت، لكن وزيرة الصحة الفرنسية جنفييف داريوسيك، حذرت من أن أي تقديرات من المرجح أن تكون أقل بكثير من الأعداد الحقيقية «مقارنة بحجم الكارثة».

سيندو محمدي يجلس على السرير في المستشفى بعدما أصيب خلال مرور الإعصار «شيدو» (أ.ب)

* دمار شامل

دمرت العاصفة أحياء بأكملها، وتجاهل العديد من الناس التحذيرات، معتقدين أن العاصفة لن تكون شديدة للغاية. والأسوأ من ذلك أن العديد من المهاجرين تجنبوا الملاجئ خوفاً من الترحيل، حسبما قالت السلطات، مضيفة أنه قد يكون هناك مئات أو ربما آلاف الوفيات.

ويخشى الأطباء أن يؤدي نقص المياه النظيفة والكهرباء إلى أزمة صحية. وقال الدكتور فنسان جيل، مدير الطوارئ الطبية في المستشفى: «يأتي المرضى لأن أمراضهم لم تعالَج، ولا ماء ولا كهرباء. نحن قلقون بشأن الأوبئة، مثل تفشي مرض الكوليرا الذي أوقفناه قبل أشهر فقط».

ويواصل طاقم المستشفى العمل بلا كلل، لكن الموارد تنفد بشكل مقلق. وقال سرحال: «إذا هطلت الأمطار سيكون الأمر كارثياً».

من بين المرضى الراقدين في المستشفى، سيندو محمدي (54 عاماً) الذي كُسرت ذراعه والتوى كاحله أثناء العاصفة التي دمرت منزله تماماً. وقال: «أمي مريضة، وأنا مريض، وأحد أطفالي الستة مريض. عائلتي بحاجة إلى تناول الطعام، وبما أني الشخص الذي يحصّل الرزق، فليس لدى أمي وأطفالي شيء الآن».

وأضاف: «لست وحدي. هناك الكثير منا فقدوا كل شيء. أريد من الحكومة أن تهتم بنا، وأن تمنحنا الطعام ومكاناً للنوم».

يُذكر أن مايوت التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، هي أرخبيل يقع بين مدغشقر والقارة الأفريقية. ومما يزيد الاكتظاظ أن قرابة 100 ألف مهاجر يعيشون فيها.

وعانى أفقر أقاليم فرنسا ما وراء البحار لفترة طويلة من الإهمال ونقص الاستثمار؛ لذا يعيش نحو 75 في المائة من سكان مايوت في فقر، في حين أن البنية التحتية للأرخبيل غير مجهزة لتحمل كارثة بهذا الحجم.

نساء يغسلن ملابس في أحد شوارع مامودزو عاصمة مايوت بما جمعنه من مياه الأمطار (أ.ب)

وبينما تبذل سلطات باريس جهوداً لتقديم المساعدات الطارئة، بما في ذلك النقل الجوي للمياه والغذاء، تبقى الحاجات كبيرة بالنظر لحجم الكارثة. ولا يزال مطار مايوت مغلقاً أمام الرحلات المدنية بسبب الأضرار، الأمر الذي يعرقل الخدمات اللوجستية.

وأقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته مايوت أمس (الجمعة)، بخطورة الوضع وتعهد بإعادة البناء. لكنه واجه انتقادات من السكان المحبطين من بطء وتيرة المساعدات. وقدرت وزارة الداخلية الفرنسية أن 70 في المائة من السكان تأثروا بشكل خطير، وأن العديد منهم أصبحوا بلا مأوى وعرضة للخطر بعد هذه الكارثة الطبيعية.