حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (2/5) : أثبت وجوده أمام عبد الحليم حافظ في «الخطايا».. وشادية صنعت نجوميته

الولد الشقي يخص «الشرق الأوسط» بمذكراته الشخصية

حسن يوسف ولبلبة يوم الزفاف
حسن يوسف ولبلبة يوم الزفاف
TT

حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (2/5) : أثبت وجوده أمام عبد الحليم حافظ في «الخطايا».. وشادية صنعت نجوميته

حسن يوسف ولبلبة يوم الزفاف
حسن يوسف ولبلبة يوم الزفاف

نجم يمتلك صكوك النجاح والبقاء. ارتدى في مشواره الفني الصعب عشرات الشخصيات بإبداع وإتقان واحتراف. دخل قلوب المشاهدين بخفة دمه وشقاوته. يؤمن بأن حب الناس هو كل رصيده. يعرف ما يريده لنفسه وما يؤجله أو يعتذر عنه في اختياراته. مع كل نجاح يحققه يشعر بالرهبة لأنه يؤمن بأن الحفاظ على القمة أصعب من تسلقها. فنان من جيل أثرى السينما المصرية. كان في شبابه «الدنجوان» الذي تعشقه البنات، والذي تمنى كل شاب أن يكون مثله في خفة دمه وأناقته، لقب بـ«الولد الشقي» في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات نظرا لتأكيد النقاد أنه أفضل من جسد هذا الدور في السينما مع الفنان الراحل «أحمد رمزي» ولقب أيضا بـ«جاك ليمون العرب» لاعتماده على كوميديا الموقف.
إنه نجم السينما المصرية والدراما التلفزيونية الفنان الكبير حسن يوسف، الذي بدأ حياته لاعبا لكرة القدم في نادي الزمالك ووصل لفريق تحت 21 سنة، حيث كان يسكن في حي السيدة زينب، وربطت أسرته بحكم الجيرة بعلاقات قوية مع الكابتن حنفي بسطان أحد أبرز نجوم الكرة المصرية في الأربعينات والخمسينات، ومنه تعلم حسن يوسف كرة القدم، حتى إنه تقدم لاختبارات الناشئين بنادي الزمالك واجتازها بنجاح، وكان من الممكن أن يصبح أحد نجوم جيل الستينات في فريق الكرة بالنادي لولا التحاقه بمعهد التمثيل ودخوله لعالم الفن، حيث كان ملتزما بالتمثيل على المسرح حتى الثانية صباحا، فلم يستطع المواصلة في تدريبات الكرة في التاسعة صباحا من كل يوم.
النجم حسن يوسف انتهى مؤخرا من كتابة مذكراته الشخصية التي يرصد فيها أهم محطات حياته الفنية والشخصية والعائلية وأيضا السياسية. ورغم تكتمه الشديد على خزينة أسراره فإنه سمح لـ«الشرق الأوسط» بتفقد بعض أوراقها ليختصها دون غيرها من وسائل الإعلام الأخرى المقروءة والمرئية بأجزاء من هذه المذكرات ننشرها في خمس حلقات مع أبرز محطات حياة «الولد الشقي». ويتم النشر بالتعاون مع «وكالة الأهرام للصحافة».

في فترة زمنية قياسية أصبح فنانا خارج المنافسة.. موهوب، وموهبته لا يختلف عليها اثنان، اسمه على أي عمل فني بطاقة ضمان لجودته ونجاحه جماهيريا. العيون تتسابق على رؤيته، والمشاعر تهتز مع انفعالاته، والنجاح يصاحب خطواته، والتميز يرافق اختياراته، فهو حالة فنية قائمة بذاتها. نجم يعمل بالفطرة والتلقائية، يكسر الخط الإيهامي بين الواقع والتمثيل، معه لا تشعر إن كان فعلا يمثل مشهدا في عمل فني أو يحكى لك موقفا حدث له في حياته. فنان لا يعرف الحقد أو الغيرة أو الحسد، نقي مثل قطرات الندي، خجول رغم ابتسامته، خفيف الظل، ويتمتع بموهبة القبول الإلهي، حالة إنسانية فريدة مليئة بالأحاسيس والمشاعر الجميلة لكل من حوله، نجم لا يختلف عليه كثير ممن تعاملوا معه سواء في الوسط الفني أو بعيدا عنه.. إنه الولد الشقي حسن يوسف. الذي انهالت الأدوار عليه بعد النجاح الكبير التي حققه في فيلم «أنا حرة» عام 1959م، مع لبنى عبد العزيز وشكري سرحان وحسين رياض وزوزو نبيل. في هذه الحلقة يتحدث نجمنا عن فترة الانطلاق والتألق الكبرى، وبدايات حياته الأسرية مع الفنانة الشابة الجميلة لبلبة.

* علامات لا تنسي
شهدت فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي تقديمه عشرات الأفلام الناجحة التي أصبحت علامات لا تنسي في تاريخ السينما المصرية، لعل أبرزها، فيلم «سوق السلاح» عام 1960م، قصة جليل البنداري، وسيناريو وحوار عبد الحي أديب، وإخراج كمال عطية، وبطولة فريد شوقي ومحمود المليجي وهدى سلطان، الذي جسد فيه حسن يوسف دور صلاح الذي يقتل على يد عصابة مخدرات فتقرر شقيقته بهية الانتقام له، وتستغل حب سيد أحد أعضاء العصابة لتحقيق انتقامها، ولكن رئيس العصابة «شكورة» يقف لهما بالمرصاد. وفيلم «في بيتنا رجل» عام 1961م، عن قصة إحسان عبد القدوس وإخراج هنري بركات، الذي جسد فيه دور الطالب الجامعي «محيي زاهر» الذي ينتمي إلى أسرة متوسطة بعيدة عن الاشتغال بالسياسة. وهو الفيلم الذي وقف فيه حسن يوسف ندا بين الكبار، بطلي الفيلم عمر الشريف الذي قام بدور «إبراهيم حمدي» الشاب الثائر، ورشدي أباظة الذي جسد شخصية عبد الحميد. ولهذا الفيلم موقف طريف مع يوسف، حيث اتفق ذات مرة مع الفنان رشدي أباظة، لتنفيذ مقلب بالنجم عمر الشريف أثناء التصوير، وأثناء حفظ عمر بعض مشاهد الفيلم خلف الديكورات في «البلاتوه»، وقف حسن ورشدي يمازحانه ويقومان بمعاكسته وتعطيله عن الحفظ، وأنقلب «البلاتوه» إلى قنبلة موقوتة، حريقة وضحك ومقالب. وأيضا فيلم «مافيش تفاهم» الذي قدمه في العام نفسه، أمام السندريلا الراحلة سعاد حسني ونبيلة عبيد وزينات صدقي، ولهذا الفيلم موقف مع حسن يوسف لا يستطيع نسيانه، حيث لم يحدث وقتها بينه وبين سعاد أي تفاهم، وخيل له أنها إنسانة مغرورة، وتصورت هي أيضا أنه مغرور، فظلا يعامل كلاهما الآخر دون احتكاك، ولكن أثناء التصوير وجدها إنسانة بسيطة جدا وتلقائية ومرحة خلف الكواليس ولا تخاصم أحدا، وهي وجدته كذلك، فاعتبرته أخا لها، وهو اعتبرها أختا له.
كما لا ينسي حسن أنها عندما كانت تحضر إلى الاستوديو، كانت تغلق غرفتها لتراجع المشهد، وكان الحزن دائما يغلب عليها، لكنها كانت تنفصل عن شخصيتها تماما أثناء التمثيل. ومن الأفلام التي أصبحت أيضا علامة بارزه في مشواره الفني فيلم «التلميذة» أول بطولة مطلقة له، الذي قدمه في العام نفسه، أمام دلوعة الشاشة الفنانة شادية، والقديرة أمينة رزق، والفنانة علوية جميل، والنجم فؤاد المهندس، وتحت قيادة المخرج الرائع حسن الإمام، والذي جسد فيه دور «حسن» الابن الذي يريد التمرد على تقاليد العائلة من أجل حبه. ويذكر حسن يوسف أنه قد انتابته حالة من الخوف والرعب بسبب وقوفه أمام العملاقة شادية في أولى بطولاته السينمائية، التي عندما شعرت بهذه الحالة التي انتابته بدأت تتعامل معه كأنهما صديقان منذ سنوات عدة، وساعدته ليخطو هذه الخطوة المهمة في مشواره الفني، بجانب أغنية «سونه يا سونسن» التي غنتها له ضمن أحداث الفيلم، والتي كان عاملا كبيرا في شهرته، وتغنى بها كثير من الشباب والبنات في هذا الجيل.
وفي فيلم «كلهم أولادي» الذي قدمه عام 1962م، سيناريو وحوار كمال إسماعيل، وإخراج أحمد ضياء الدين، وقف حسن منافسا في الأداء لكل من شكري سرحان وصلاح ذو الفقار، حيث جسد فيه دور الابن الفاسد «مدحت»، الذي يأمل أن يكون مهندسا، لكنه لم ينجح في الدراسة، على عكس شقيقه الكبير أمين الذي يستعد لفتح مكتب، وشقيقه سالم ضابط الشرطة. كما قدم حسن يوسف في العام نفسه فيلم «الخطايا»، مع نخبة من ألمع نجوم مصر؛ في مقدمتهم عبد الحليم حافظ، ونادية لطفي، وعماد حمدي، ومديحة يسري، وفاخر فاخر، وإخراج حسن الإمام، والذي استطاع يوسف فيه أن يثبت وجوده ويلفت الأنظار إليه في دور أحمد محمود شقيق العندليب عبد الحليم حافظ، بخفة ظله وحضوره القوي، وأن «يعلِّم مع الناس»، حيث جاء أداؤه سلسا بسيطا تلقائيا خفيفا على القلوب من فرط جمال تعليقاته ودعاباته ومداعباته لشخوص الفيلم، وهو الدور الذي يعتز به حسن يوسف نفسه إلى أقصى الحدود، مؤكدا أنه علامة بارزة في حياته الفنية وسبب تعرف الجمهور عليه بشكل أفضل.

* ذكريات مع العندليب
وللنجم حسن يوسف ذكريات مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في هذا الفيلم لا يستطيع نسيانها، لعل أبرزها عندما دعاه حليم قبل بدء تصوير الفيلم لزيارته في منزله في العجوزة على نيل القاهرة، وطلب منه أن يلتقيا يوميا ولمدة أسبوع في منزله حتى يدرسا معا دوريهما في الفيلم. وخلال هذه الفترة اقترب حسن من العندليب أكثر، وحضر الصالونات الثقافية التي كان يقيمها بمنزله ويحضرها أهم الكتاب والصحافيين والملحنين والشعراء والمخرجين. عاش يوسف مع حليم، وشاهد عن قرب كيف يفرح وكيف يتألم ومتى يبكي وكيف يجري «بروفات» أغانيه. كما لا ينسى حسن الأمسيات التي كان يدعوه فيها إلى مأكولات دسمة، بينما يجلس هو إلى المائدة وأمامه طبق الجبنة القريش والزبادي (بسبب وضعه الصحي)، فكان حسن أحيانا يحرج ويقول له إنه ليس جائعا، فيرفض العندليب هذا العذر ويصر على أن يأكل معه.
ومر الأسبوع، وحان وقت تصوير الفيلم، ودارت الكاميرا، واشتد المرض على العندليب، وكان يرقد بالأسبوع على فراش المرض وكان فريق العمل بالفيلم يلازمه خلال هذه الفترة، ولكنه خاف أن يقال عنه إنه يتسبب في تعطيل الفيلم، فتحامل على نفسه، إلا أن يوسف بدأ في الغياب لأنه كان مشغولا بتصوير أكثر من 5 أفلام دفعة واحدة، مما جعل المخرج حسن الإمام يستغني عن الجزء الذي التقطت فيه صور يوسف، وكان هذا الجزء في نهاية الفيلم، وتكلف تصويره نحو 3500 جنيه، بينما تشدد العندليب الأسمر تلك المرة في الانتهاء من مواعيد العمل وتحمس لقرار الإمام، وتم الانتهاء من الفيلم بعد اكتمال باقي المشاهد، وعرض الفيلم وحقق نجاحا ساحقا بدور العرض السينمائي.

* نقلة نوعية
بعد ذلك حدثت نقلة نوعية في مسيرة حسن يوسف؛ حيث أثبت أنه نجم غير عادي، وفنان قادر على التجدد، وذلك من خلال دوره المغاير والمختلف في فيلم «شفيقة القبطية» الذي قدمه في العام نفسه، أمام هند رستم، وحسين رياض، وأمينة رزق، وزوزو ماضي، وزيزي البدراوي، وفؤاد المهندس، وقصة وسيناريو وحوار جليل البنداري ومحمد مصطفي سامي، وإخراج حسن الإمام، والذي جسد فيه دور «عزيز إبراهيم» ابن شفيقة القبطية أشهر راقصات مصر التي تضطرها الظروف القاسية إلى ترك ابنها الوحيد في حضانة والدتها بعد أن طردها والدها من المنزل، وعندما يكبر يقع في حب ابنة أسعد باشا رئيس الوزراء الذي كان في الوقت نفسه العشيق الأكبر لوالدته، والذي يهينه أمام ابنته عندما يتقدم لطلب يدها، فتنتقم شفيقة لشرف ابنها بأن تهين الوزير أمام زوجته.
وقدم فيلم «زقاق المدق» الذي قدمه عام 1963م، أمام شادية، وصلاح قابيل، ويوسف شعبان، وسامية جمال، وهو سيناريو وحوار سعد الدين وهبة، وإخراج حسن الإمام، الذي جسد فيه دور «حسين» الشاب الفهلوي الأفاق الذي يعمل في الكامب الإنجليزي مع جنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. ثم يلعب في العام نفسه دور «عصام» الشاب المستهتر الذي يقع في حب ليلى ابنة خالته، لكنها سرعان ما تكتشف خيانته لها وأنه لا يختلف عن أبيها كثيرا فتتركه وتفقد ثقتها في الرجال، وذلك من خلال فيلم «الباب المفتوح» الذي قدمه أمام سيدة الشاشة العربية الفنانة الراحلة فاتن حمامة، وصالح سليم، ومحمود مرسي، وشويكار، وسيناريو وحوار يوسف عيسي، وإخراج هنري بركات.
ويؤكد حسن يوسف عند تذكره تلك المرحلة أنه لا يستطيع أن ينسى مهما مرت السنين مدى التزام فاتن حمامة في الفيلم، وحرصها على أن تكون في أفضل صورة وقيمة في العمل الفني، حيث كانت تأتي إلى الاستوديو في موعدها، وكانت جادة جدا في عملها، وحريصة على عمل أكثر من بروفة حتى تضع يدها على مواضع الضعف والعمل على تفاديها، كما أنها كانت فنانة مثقفة وشديدة الذكاء ولديها وعى كبير بما تقوم به، وتحمل قدرا كبيرا من الاحترام والتقدير لكل العاملين معها، ولا تبخل على أحد بالنصيحة والتوجيه مهما كلفها ذلك من جهد ووقت، وأي فنان كان يقف أمامها يحسب لها ألف حساب.
ثم لعب دور رفيق السوء في فيلم «الشيطان الصغير» الذي قدمه أيضا في عام 1963م، مع كمال الشناوي، وصلاح منصور، ومحمد يحيي، وسيناريو وحوار صبري عزت، وإخراج كمال الشيخ. ثم دور «سمير» الابن المستهتر الذي ينصلح حاله في فيلم «امرأة على الهامش»، أمام هند رستم، وزيزي البدراوي، وزوزو نبيل، ومحمد عوض، وسيناريو وحوار محمد مصطفى سامي، وقصة وإخراج حسن الإمام. وفي العام نفسه أيضا يقدم لنا شكلا يعود من خلاله إلى الكوميديا، وذلك في دور «شفيق» في فيلم «أم العروسة» مع عماد حمدي وتحية كاريوكا ويوسف شعبان وسميرة أحمد، والذي أخرجه عاطف سالم.

* حب من أول نظرة
الحقيقة أن عام 1963م، لم يشهد نقلة نوعية في مسيرة حسن يوسف الفنية فقط، بل شهد أيضا إنهاءه حياة العزوبية، حيث تزوج من الممثلة والفنانة الاستعراضية الشابة لبلبة، بعد قصة حب بدأت عام 1961م، عندما شاهدها لأول مرة في مكتب العقود بالتلفزيون، ولم يكن يعرف أنها الفنانة لبلبة، فكانت نظراته إليها على أنها فتاة حلوة وشيك، موجودة في المكتب لفتت نظره، وبعد لحظات عرف أنها لبلبة، فخجل من نفسه وسلم عليها بصفتها زميلة، وكان وقتها يعرض له فيلم «نساء وذئاب»، وكانت لبلبة لبقة؛ إذ بادرته بقولها: «برافو، دورك هايل في فيلم (نساء وذئاب)». فتشجع وسألها: «أنت شفتي الفيلم؟». فأجابت: «لا، لكن سمعت عنه». فقال لها: «طيب أبقي شوفيه وهانتظر رأيك». وانتهى الحوار بينهما، وكانت معها والدتها التي كانت تلازمها في كل خطوة تخطوها. وبعد هذا اللقاء السريع شاء القدر أن يتقابلا مرة أخرى في نادي التجارة، حيث ذهب حسن لحضور إحدى حفلات «أضواء المدينة»، التي كان متفقا على تقديم فقراتها، وكانت هي تشترك في إحيائها، وأراد أن يكلمها فسألها: «أنت شفتي الفيلم ولا لسه برضه ما شوفتهوش؟». فقالت له: «آه شفته». وتفاجأ أنها جارته في مصر الجديدة، وأخذ رقم تليفونها، ثم اختفت عن عينيه بعد لحظات، ولم يرها ثانية تلك الليلة.
وبعد ذلك كان يراها بالصدفة، فشاهدها مرة في مسرح محمد فريد، ومرة في مسرح الأزبكية بقلب القاهرة، وفي كل مرة كان يحاول أن يشعرها بأنه معجب بها، حتى فهمت ذلك، ولكن والدتها المرافقة لها في كل تحركاتها كانت تفسد كل مقابلاتهما، وبدأ حسن يكلمها تليفونيا وينجذب إليها أكثر وأكثر بعد أن أعجبته طريقة تفكيرها.

خوف وتساؤل

ظل الأمر كذلك إلى أن تقابلا على انفراد في الباخرة «الدلتا» على شاطئ النيل، وكانت لبلبة ترتدي فستانا أبيض كأنها سندريلا مقبلة على أميرها، ووقف حسن يستقبلها بابتسامة كبيرة تملأ كل وجهه، وقال لها: «يا سلام أنت لابسة فستان جديد». فضحكت لبلبة وقالت له: «كسفتني يا حسن»، فضحك ومرت لحظات قليلة ثم قال لها: «حتفضلي تحبيني لحد إمتي؟»، فمالت لبلبة برأسها وشعرها يتطاير في الهواء، ثم التفتت إليه قائلة: «طول ما تبقى زي ما عرفتك وماتتغيرش حافضل أحبك يا حسن، ولما تتغير طبعا محبكش». واشتد بريق عيني لبلبة وملأت وجهها ابتسامة صافية، وقالت له: «على فكرة، لو ما كنتش سألتني السؤال ده كنت أنا سألته». ثم صمتت للحظة، وفجأة قالت: «ممكن تخلى بيّا يا حسن؟»، فاندهش حسن من سؤالها، وقال لها: «أخلى بك إزاي يا لبلبة؟». فقالت له: «في يوم من الأيام، حتمثل قدام بنت حلوة تانية، وتحبها وتسيبني وتنساني، وساعتها هتصدمني صدمة عمري». فأجاب حسن مسرعا: «مستحيل يا حبيبتي، هو أنا حالاقي طول عمري واحدة أحلى منك». فقالت له: «صحيح يا حسن». فقال لها: «بكل تأكيد يا لبلبة». فقالت: «يعني حنعيش مع بعض طول العمر». فقال لها: «إلى الأبد يا حبيبتي». فقالت له: «بس أنا باسمع أن الحب بعد الزواج بيروح؟». فضحك حسن وهو يتابع حركاتها بنظرة حب وأخذ يقول لها: «طبعا بعد الجواز مش حتبقى حرارة الحب، النظرات واللمسات والتليفونات، اتنين بيبقوا محرومين من بعض ويحل محله روابط أقوى من الحب، العشرة.. البيت والأولاد». فقالت له: «وهل صحيح أن زواج الحب لا يدوم؟». فقال لها: «بالعكس يا حبيبتي، الزواج الذي لا يدوم هو الزواج غير القائم على الحب». فقالت له: «ليه يا حسن الأزواج بيخونوا بعض؟». فقال لها: «دول ناس غدارين يا حبيبتي». فترد عليه قائلة: «من حقهم يسيبوا بعض، قبل ما يقعوا في الخطيئة». ويصمت حسن قليلا ثم يقول وكأنه يهمس بكلمات غزل: «طيب يا لبلبة لو اتجوزنا بعض وفي يوم كرهتيني هاتعملي إيه؟». وترد عليه لبلبة في انطلاق ودون خجل: «أقول لك واسيبك». ويصمت حسن قليلا وترتسم على شفتيه ابتسامة خفيفة ويقول لها: «خلاص، إيه رأيك نتجوز؟». وترد لبلبة بخجل: «أتمني ذلك، ولكن أمي لن توافق، لأنها ترى أني ما زلت صغيرة، ولا أستطيع تحمل مسؤولية الزواج، كما أنني المسؤولة عن عائلتي ومكلفة بها».
وتمر أيام قليلة ويذهب حسن يوسف إلى منزل لبلبة ويطلب يدها من والدتها، ولكنها بالفعل تعارض وترفض هذه الزيجة، ونتيجة لهذا الرفض افترق الحبيبان لمدة 20 يوما، ولكن حسن لم يقطع الأمل وقام بمحاولة جديدة، ولكنها قوبلت بالرفض أيضا.

* إصرار وتهديد بالانتحار
فخرجت لبلبة هذه المرة عن طاعة أسرتها، وهددت بالانتحار وجمعت ملابسها في حقيبة، وهربت من البيت ليعقد قرانهما، ويضعا الأسرة أمام الأمر الواقع، وهنا أدركت أمها أنه لا بد من إتمام هذا الزواج، ورفعت الراية البيضاء واستسلمت بأمر الحب، وقالت للبلبة: «أنت حرة تختاري اللي أنت عايزاه». وبارك والد حسن هذه الزيجة وقال له: «الحب لا بد أن ينتصر في النهاية، وأرجو أن تدوم سعادتكما». وتم عقد القران، وكان حسن في السادسة والعشرين من عمره، بينما كانت لبلبة في سن السابعة عشرة من عمرها، حيث ذهبا نهارا إلى الشهر العقاري لتسجيل عقد زواجهما، وفي المساء أقاما حفل الزفاف في قاعة «ألف ليلة وليلة» بفندق «هيلتون»، وزفتهما الفنانة الاستعراضية المعتزلة سهير زكي، وامتلأت القاعة يومها بعشرات النجوم وشخصيات الإعلام، واتفقا على عدم إنجاب أطفال لمدة 5 سنوات على الأقل. وقد مضت بهما الحياة الزوجية في سعادة دائمة دون أن يحدث بينهما أي خلافات زوجية، فكل منهما كان يحافظ على شعور الآخر، ويحرص على سعادته.
وقد جمعتهما هواية ركوب الدراجات، فكانا يقومان كل أسبوع برحلة بالدراجات على كورنيش النيل أو في مصر الجديدة بعيدا عن العيون. ويذكر أن المرة الوحيدة التي لعن فيها حسن يوسف هذه الهواية، عندما فرقع «إطار» العجلة التي كان يركبها ولم يكن هناك مفر من إمساك العجلة والسير بجوارها، فطلب من لبلبة أن تسبقه إلى البيت، وسحب هو العجلة من مدخل شارع الهرم حتى أوصلها إلى العجلاتي في الدقي.

حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (1/5)

 



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».