صعد نجم كاثي هوكول، التي ستدخل التاريخ بعد أيام حين تصبح المرأة الأولى التي تتولى منصب حاكمية نيويورك، إلى هذه المكانة الرفيعة في واحدة من كبرى الولايات الأميركية وأغناها. ويأتي هذا المنعطف في مسيرة هوكول التي ستحمل الرقم 57 في سلسلة الذين تعاقبوا على المنصب، ليس فقط لأنها تأتي بعد السقوط المدوّي أخلاقياً لحاكم الولاية أندرو كومو، بل أيضاً لأنها امرأة خلوقة ومثابرة اكتسبت خبرة واسعة خلال عملها الطويل في الحياة العامة. وكان كومو الذي شغل المنصب لثلاث فترات قد أعلن أنه سيتنحى ليل الاثنين - الثلاثاء المقبل، بعد تقرير أصدرته قبل نحو أسبوعين المدعية العامة لنيويورك ليتيسيا جيمس واتُهم فيه بأنه تحرش جنسياً بما لا يقل عن إحدى عشرة امرأة، في فضيحة هزّت حزبه الديمقراطي وضجت أصداؤها في كل أنحاء الولايات المتحدة.
من المقرّر أن تقسم كاثي هوكول اليمين رسمياً الثلاثاء المقبل لتغدو الحاكم الـ57 لولاية نيويورك والمرأة الأولى في هذا المنصب بصفتها نائبة الحاكم التي خدمت لفترة طويلة. وإذا ما اختارت خوض انتخابات العام المقبل لفترة كاملة، يتوقع المحللون أنها ستستفيد من كونها في هذا الموقع. وبالتالي، يترقب كثيرون الكلمة التي يمكن أن تلقيها هوكول في الصباح لمعرفة المسار الذي ستتخذه بعد حقبة أندرو كومو.
المفارقة هنا تكمن في أن هوكول، وهي مثل كومو من أعضاء الحزب الديمقراطي، وخدمت كنائبة للحاكم لفترة طويلة، لكن جاء صعودها عن طريق سقوط الرجل الذي لطالما عُدّ رمزاً لسجل الولاية الطويل من الهيمنة السياسية للذكور، على رغم سلوكهم السيئ في السلطة. وحقاً، كثيرون لاحظوا أن النساء لم يتمكنّ من تولي مناصب رفيعة في الولاية المعروفة بتقدميتها وانفتاحها إلا أخيراً... وفي كثير من الأحيان، وصلن فقط بعد استقالة رجال سقطوا لأسباب فضائحية.
كريستينا غرير، الأستاذة المشاركة في جامعة فوردهام، رأت أن إحجام سكان نيويورك عن انتخاب النساء للمنصب الأرفع يظهر أن الولاية «ليست تقدمية كما يدّعي كثيرون». ولاحظت عضو مجلس الولاية آمي بولين، أن أندريا ستيوارت – كوزينز صارت أول زعيمة للغالبية في مجلس شيوخ الولاية فقط عام 2019، حين تولت ليتيسيا جيمس أيضاً منصبها كأول مدعية عامة في الولاية. هذا، وبينما تستعد هوكول لتولي المنصب، لا يزال جدول أعمالها وتشكيلة حكومتها في مراحل التخطيط. وهي قالت أخيراً «بصفتي شخصاً خدم في جميع المستويات الحكومية وهو التالي في خط الخلافة، فأنا على استعداد للقيادة بصفتي الحاكمة السابعة والخمسين لولاية نيويورك».
ابنة عائلة كاثوليكية
كاثلين «كاثي» كورتني (62 سنة)، وهذا هو اسمها قبل الزواج، واحدة من ستة أطفال ولدوا لعائلة كاثوليكية آيرلندية في بلدة هامبورغ القريبة من مدينة بافالو بغرب نيويورك. وهي متزوجة منذ 1984 من المحامي وليم هوكول. وما يذكر أن والديها باشرا حياتهما الزوجية في مقطورة حتى حصول والدها على شهادته الجامعية، ثم انتهى الأمر به في إدارة شركة لتكنولوجيا المعلومات، بينما شاركت والدتها في تأسيس ملجأ للناجيات من العنف المنزلي.
بعد تخرج كاثي من جامعة سيراكيوز المرموقة، حصلت على إجازة في القانون من الجامعة الكاثوليكية في العاصمة واشنطن، وبدأت بممارسة المحاماة. ولكن لم يطل بها الأمر حتى باشرت العمل في الحكومة، أولاً مساعدةً للنائب جون لافالس ثم للسيناتور دانيال باتريك موينيهان. وبعد ذلك عادت إلى بلدتها هامبورغ، حيث انخرطت في السياسة المحلية عضواً في مجلس البلدية ثم كاتبةً في منطقة أخرى. ولاحقاً، اكتسبت شهرة على مستوى الولايات المتحدة لتحديها محاولة الحاكم إليوت سبيتزر منح رخص القيادة للمهاجرين غير المسجّلين.
في عام 2011، سنحت لكاثي هوكول الفرصة للبروز أكثر عندما استقال عضو جمهوري في كونغرس الولاية يُدعى كريستوفر لي بعدما أرسل صورته عارياً إلى امرأة... ووصلت الصورة إلى الإنترنت. وعلى الأثر، فازت في الانتخابات الخاصة التي تلت ذلك عن منطقة محافظة في نيويورك، مستفيدة من المخاوف من أن الجمهوريين سيقضون على الرعاية الطبية. ومع أنها خسرت هذا المقعد في العام التالي، بعدما صارت منطقتها أكثر محافظة، وذهب المقعد لجمهوري استقال لاحقاً – هو الآخر - بسبب فضيحة، اختارها أندرو كومو عام 2014 لتكون نائبته، وذلك في سعيه لتعزيز قاعدته الشعبية في غرب ولاية نيويورك.
وبالفعل، خلال السنوات التالية، حرصت هوكول على زيارة كل المقاطعات الـ62 في نيويورك. وأكسبها تفانيها وتأثيرها الودي احتراماً في كل أنحاء الولاية، بيد أن علاقتها مع كومو لم تكن تفاعلية. ولقد نأت بنفسها عنه أكثر فأكثر بعدما تراكمت التهم والادعاءات ضده قبل أشهر. ولكن ليس كل ما فعلته هوكول كان ناجحاً. إذ بعد انتخابها للكونغرس، وجد خَلفُها الجمهوري ما قيمته لمدة عام من الرهون العقارية والسندات وغيرها من الأوراق التي لا تزال تنتظر التحقق الإلكتروني قبل إعادتها إلى أصحابها. وحاولت هوكول عبثا تقديم تبريرات وأعذار غير مجدية لرد خصومها السياسيين.
«ذكية وكفوءة» أمام التحديات
عندما أورد تقرير المدعية العامة أن كومو تحرّش بـ11 امرأة عمل مع بعضهن، وانتهك قوانين الولاية والقوانين الفيدرالية، صار وضعه السياسي غير مقبول، وهكذا، قدّم استقالته، وحصلت هوكول على ما يمكن أن تكون فرصتها الأكبر حتى الآن. في تعليق له على ذلك أعرب كومو عن ثقته بقدرة هوكول على الحكم، واصفاً إياها بأنها «ذكية وكفوءة». ودعا إلى أن يكون «الانتقال سلساً» كي تتغلب الولاية على التحديات الكبيرة التي تواجهها، وفي طليعتها المتحور «دلتا» من فيروس «كوفيد - 19» القاتل.
وحقاً، تصدّرت هوكول أحدث الاستطلاعات أمام غيرها من المرشحين الديمقراطيين المحتملين لمنصب الحاكم في عام 2022. فقد سألت مؤسسة «كو/افيشينت» الناخبين المحتملين عما إذا كانوا سيدعمون هوكول أو منافسيها الأبرز كالمدعية العامة لنيويورك ليتيسيا جيمس أو رئيس بلدية مدينة نيويورك بيل دي بلازيو أو أي شخص آخر في الانتخابات التمهيدية للحكام إذا ما أجريت اليوم. ووفقاً للاستطلاع الذي أجري في 15 أغسطس (آب) و16 منه، أجاب 28 في المائة من المستطلعين، إنهم سيدعمون هوكول، مقابل 24 في المائة لجيمس و5 في المائة فقط لدي بلازيو، بينما قالـ14 في المائة ممن شملهم الاستطلاع إنهم سيدعمون شخصاً آخر في الانتخابات التمهيدية، و29 في المائة أنهم ما زالوا مترددين.
تقدم في الاستطلاعات
وهنا نذكر أن أياً من جيمس أو دي بلازيو لم يعلن بعد رسمياً الترشح لمنصب الحاكم، لكنهما من أكثر الساسة شهرة في الولاية. واللافت، أنه في منافسة مباشرة بين هوكول وجيمس، اقترب السباق أكثر، إذ قال 34 في المائة من المشاركين إنهم سيصوتون لهوكول، مقابل 32 في المائة يؤيدون جيمس، و34 في المائة غير متأكدين من كيفية تصويتهم بين المرشحتين إذا أجريت الانتخابات اليوم.
أيضاً، وجد استطلاع «كو-افيشينت» أن لدى هوكول تصنيفاً إيجابياً بنسبة 42 في المائة بين الناخبين الأساسيين الديمقراطيين المحتملين مقابل9 في المائة كتصنيف سلبي. ومع ذلك، ذكر 48 في المائة من المستطلعين، أنهم غير متأكدين من رأيهم في نائبة الحاكم.
وفي المقابل، حصلت جيمس على57 في المائة من الأصوات الإيجابية، مقابل 11 في المائة من الأصوات السلبية، مع 32 في المائة غير متأكدين من رأيهم في المدعية العامة. أما نصيب دي بلازيو من التأييد فكان أدنى بكثير من نصيب هوكول وجيمس.
وفي ضوء هذا التقدم، تعمل هوكول حالياً على تشكيلة فريقها وجدول الأعمال، والتعامل مع الأسبوع الأخير من فترة حكم كومو. وهي أمضت الأيام الأخيرة ساعية إلى توصيات في شأن مناصب حكومتها، متطلعة إلى تشكيلة متنوعة ومتوازنة جغرافيا بين المناطق الشمالية والوسطى من الولاية. وعيّنت اثنين من الساسة المخضرمين مستشارين لها، هما ميريديث كيلي وتراي نيكس. كما أنها تتشاور راهناً مع مستشارها القانوني السابق وكبير الموظفين في فريقها جيفري بيرلمان، الذي عمل أيضاً مستشاراً لديفيد باترسون عندما صار حاكماً بعد استقالة سبيتزر.
الجائحة رأس الأولويات
وأفاد جيريمي زيلنر، وهو مسؤول ديمقراطي وصديق لهوكول، بأن الجائحة لا تزال «أولويتها الكبرى»، مضيفاً أن هوكول تواجه مجموعة من التحديات الأخرى أيضاً، مثل البطالة والعنف المسلح. وهو يدرك أن الاختبار الفعلي سيأتي عندما تصبح هوكول مسؤولة مباشرة عن نحو 100 ألف موظف لدى حكومة الولاية، علما بأن المرة السابقة التي تولت فيها دوراً تنفيذياً في منطقتها كانت تشرف على 170 شخصاً فحسب.
وبالإضافة إلى الجائحة التي كانت رافعة مهمة لكيومو قبل سقوطه المدوي، تواجه هوكول مجموعة من التحديات في الولاية التي لا تزال تعاني الفيروس وتوابعه الاقتصادية. وبينما تعمل هي على بناء الإدارة الجديدة، يدفع قادة المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والناجون من الاعتداءات الجنسية في اتجاه التزام أجندة واسعة. وقام ائتلاف من هذه المجموعات بتشكيل أجندة بعنوان «نيويورك بولد» كمنصة لتعزيز الشفافية في حكومة الولاية، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً في كل أنحاء الولاية واتخاذ تدابير تهدف إلى مساعدة الناجين من الاعتداءات الجنسية.