محاذير قانونية تحيط بحصول لبنان على المحروقات من إيران

TT

محاذير قانونية تحيط بحصول لبنان على المحروقات من إيران

حذر خبراء قانونيون من تداعيات إعلان أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله عن استيراد النفط من إيران، على حركة التحويلات والاعتمادات والشحن من لبنان وإليه، وامتناع المؤسسات المالية العالمية والمصارف الدولية المراسلة عن التعاون معه.
وتفرض السلطات الأميركية منذ العام 2018 عقوبات على كل من يقدم عن علم على الدخول بصفقات مع شركات النفط الإيرانية في سبيل شراء أو حيازة أو بيع أو نقل أو تسويق البترول أو المنتجات البترولية من السلطات الإيرانية.
ويشهد لبنان منذ أشهر أزمة محروقات ازدادت حدتها في الأسابيع الماضية نتيجة التقنين في توزيع البنزين والمازوت، وهما مادتان يدعمهما مصرف لبنان الذي تآكلت الاحتياطات المالية فيه.
وفيما ينبه رئيس منظمة «جوستيسيا» الحقوقية الدكتور بول مرقص من أن «استيراد الوقود من إيران، دون الحصول على إعفاء خاص من وزارة الخزينة الأميركية قد يضع البلاد تحت العقوبات الأميركية، ما قد ينعكس على حركة التحويلات والاعتمادات والشحن من لبنان وإليه وتمتنع المؤسسات المالية العالمية والمصارف الدولية المراسلة عن التعاون معه»، يرى الخبير في القانون الدولي والعلوم الدستورية الدكتور شفيق المصري أنه «طالما العقوبات الأميركية مطاطة وغامضة فلا يمكن الجزم كيف ستتصرف واشنطن إزاء إعلان (حزب الله) هذا وما إذا كانت ستفرض عقوبات على لبنان الرسمي بعدما كانت عقوباتها تقتصر على أشخاص وكيانات لبنانية»، مضيفا: «البواخر الإيرانية وصلت إلى فنزويلا أي الحديقة الخلفية للولايات المتحدة وهي لم تتحرك، كما أن بواخر أخرى تصل إلى سوريا تحت أنظار واشنطن».
ويعتبر المصري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك أكثر من نقطة يفترض التوقف عندها في الخطاب الأخير لنصر الله أبرزها قوله إنه سيتم التعاطي مع السفينة الإيرانية كأرض لبنانية منذ لحظة إبحارها»، لافتا إلى أن «قوله هذا مخالف للقانون والأعراف، فالسيادة تكون على عرض المياه الإقليمية للبنان والتي تحددت بـ12 كلم وما عدا ذلك نكون في مياه إقليمية لدول أخرى أو مياه في عرض البحر لا شك أن لا سيادة لبنانية عليها».
وبحسب مرقص، فإنه وبالنسبة لإعلان نصر الله انطلاق باخرة محروقات من إيران إلى لبنان، «يتوجب معرفة ما إذا كانت هذه العملية هي على سبيل التعامل التجاري أم لا، وما هي الآلية التي سوف تتبعها وبواسطة أي شركات»، موضحا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «رغم الحاجة الحيوية للبنان لمورد نفطي، فإنه هناك مخاطر قد ترافق هذه العملية، بالأخصّ على الشركات التي تقدم ليس فقط على استيراد النفط بل أيضاً على تفريغ وتوزيع حمولة النفط القادم من إيران». ويوضح مرقص أن العقوبات الأميركية هي على الأفراد والكيانات، أي أن أي شركة أو فرد من القطاع الخاص أو العام الذي يساهم ويسهّل ويساعد في عملية استيراد النفط الإيراني إن كان تفريغا أو نقلا أو شحنا أو أي طريقة أخرى مادية أو لوجيستية، هو معرّض للعقوبات الأميركية.
ويمكن للبنان، على حد تعبير مرقص، طلب الحصول على إعفاء خاص من هذه العقوبات، وذلك عبر تقديم الدولة اللبنانية طلب إعفاء أو استثناء من قبل وزارة الخزينة الأميركية، ينبغي أن يتضمن «تبريراً مقنعاً ومعلّلاً عن الحاجة الحيوية للدولة اللبنانية لهذه الخدمات»، لافتا إلى أنه كان قد سبق وقدّمت واشنطن إعفاءات استثنائية لعدة دول من العقوبات على استيراد النفط الإيراني، كالصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وإيطاليا واليابان وتايوان واليونان، ورد وزير خارجية أميركا السابق مايك بومبيو ذلك إلى الظروف الخاصة لهذه البلدان التي تعتمد بشكل كبير على النفط الإيراني، وكذلك لضمان العرض الكافي في سوق النفط.
ورغم أن الخزانة الأميركية قدّمت هذه الإعفاءات فإنها كانت إعفاءات مؤقتة لكي تتمكن هذه الدول من أن تجد بديلاً للنفط الإيراني، حتى أن الهند التي هي واحدة من أكبر البلدان المستوردة للنفط الإيراني، توقفت عن الاستيراد بعد انتهاء مهلة الإعفاء الممنوحة لها، وحظي العراق مؤخراً بتمديد مهلة الإعفاء.



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».