كتب حول جائحة {كورونا}: ما الذي حدث العام الماضي؟

كتاب «جائحة في مسكن»
كتاب «جائحة في مسكن»
TT

كتب حول جائحة {كورونا}: ما الذي حدث العام الماضي؟

كتاب «جائحة في مسكن»
كتاب «جائحة في مسكن»

ماذا حدث السنة الماضية؟ كيف نفسر مدى تغير العالم؟ ربما، وكما تقترح سيلينا محمود باقتباس من الشاعرة البريطانية ممتازة مهري في افتتاح كتابها، فإن الإجابة تتلخص في «أن تواصل الحياة».
تتولى المؤلفة سلينا محمود إدارة هذا «التواصل في الحياة» بمهارة في مجموعة مقالاتها، فتقدم للقراء خبرتها كطبيبة مقيمة في السنة الأولى في طب الأعصاب في مستشفى هنري فورد بمدينة ديترويت. ويروي الكتاب، المنظم بحسب الترتيب الزمني، مع أجزاء تغطي مارس (آذار)، وأبريل (نيسان)، ومايو (أيار)، ويونيو (حزيران)، وما بعده، الأشهر الفوضوية الأولى للوباء.
إنها ذكية وساخرة، ولها نغمة مرهفة حتى عندما تكتب عن وفاة مريض. سيلينا محمود راوية جديرة بالثقة. ويتراوح المقال الثاني الذي نشر في شهر مارس (آذار) تحت عنوان «الإنسان» بين تأملات في حيوات أفراد أسرتها الباكستانية إلى تاريخ موجز وفق تقرير فليكسنر، وهو التحقيق التاريخي في مجال التعليم الطبي في عام 1910. وتنتشر المراجع من هناك، رغم أن المقالات يغلب عليها السرد التقليدي، ورغم أن الكتابة الأوتوماتيكية التي تؤطر أسلوبها مشوبة أحياناً بعدم التناسق.
فكروا في هذا الكتاب كسلسلة من اللقطات التي تضيف زخماً لحالة من الجدال. تقول سيلينا محمود في مقالها الثالث في أبريل (نيسان) بعنوان (حالة الريشة المفقودة): «لقد شاهدت ما يكفي وأنا في مواجهة المعاناة». وبعد ذلك بفقرات نجدها تشرح فتقول: «إن فكرة أن المعاناة بلا معنى لا معنى لها، لأن ما هي النقطة المرجعية لهذا الزعم؟ فمجرد القول بأنك سمعت، سواء في صمت أو في كرب، يكفي تماماً».
مثل كثيرين آخرين في الأيام الأولى من الإغلاق الشامل للوباء، لجأت الصحافية الاستقصائية «بورلي» إلى أدبيات تفشي الوباء في الماضي: وفي حالتها، نسخة مطبوعة من مدرسة الدراسات العليا، متآكلة الأطراف، وصفراء اللون، من كتاب دانيال ديفو بعنوان «دورية عام الطاعون». لقد وجدت نفسها تتبع خطوات الصحافي في القرن الثامن عشر مع «الفيروس»، الذي يهدف إلى «تسجيل كيفية استجابتنا لهذا الوباء، كمجتمع وبصفة علمية، بحيث نكون متأكدين من أننا سوف نبذل جهوداً أفضل في المرة القادمة».
أما في حديثها عن وباء كورونا، الوباء، فهي ترى أنه كان «هدية من الله» للفصيلين الآيديولوجيين المختلفين وذوي النفوذ الذين اصطفوا وراء دونالد ترمب في سعيه لأن يصبح رئيساً: الرأسماليون والمتطرفون المسيحيون»، كما تؤكد أن عدم الاستقرار والهلع اللذين أحدثهما ذلك سمح بتعزيز أجندتهم على حساب أرواح المواطنين الأميركيين وسبل عيشهم.
وتختتم قائلة: «لقد أتاح الوباء للحكومة الفيدرالية الفرصة لكي تثبت للأميركيين أن الحكومة لا تزال قادرة على العمل كقوة للخير. وبدلاً من ذلك، بذلت الحكومة ما في وسعها للتأكد من أن كل ما تبقى من هذا الإيمان بعد ثلاث سنوات من آيديولوجية الدولة المدمرة سوف يتلاشى».
في الوقت الذي تنقل فيه «بورلاي» المعاناة الإنسانية وكيف كان بالإمكان تجنبها، يمكن أن تكون لهجتها أحياناً مفرطة. ومن المؤكد أن اشمئزازها له جدواه، ولكنه من الممكن أيضاً أن يجعل من الصعب على القراء أن يستخلصوا استنتاجاتهم الخاصة بشأن الأدلة المقدمة.
تاريخ طويل من الإهمال
في فقرات متأخرة، من كتابه، يذكر «سلافيت» ملاحظة لمراسل صحيفة «نيويورك تايمز» المخضرم في البيت الأبيض «مايكل شير» كيف أن البيت الأبيض كان مكتب الصحافي قبل فترة طويلة من تولي الرئيس ترمب الرئاسة. ويمكن قول الشيء نفسه عن سلافيت، وهو جزء من فريق الرئيس بايدن لمكافحة فيروس كورونا، وكيف وجد نفسه أولاً في البيت الأبيض يساعد في إصلاح المشاكل الكارثية لبرنامج أوباما الصحي.
ونظراً للحكايات حول عائلته وأصدقائه وزملائه في المناصب الرفيعة، الذين حشدهم لمساعدة الإدارة في مكافحة فيروس كورونا، فإن كتاب «قابلية التدارك» يستحق القراءة، نظراً للبصيرة التي يبديها حول ما كانت تقوم به طبقة النخبة في أميركا خلال هذه الأشهر الطويلة عندما انتشر الوباء.
وربما لم يتفق سلافيت مع فريق ترمب - وكان واضحاً بشأن هذا الخلاف كما في تغريداته على «تويتر» - لكنه كان ولا يزال من المطلعين الداخليين. وهو صريح بشأن النزاع الذي سببه هذا الموقف، تماماً كما هو صريح حول كل الطرق التي يحقق بها نظام الرعاية الصحية الأرباح على حساب الأميركيين. لكنه لا يستطيع الخروج من منظوره العام.
ومع ذلك، يعتبر الكتاب فحصاً مليئاً بالمعلومات (وإن كان المؤلف يستغرق في ذاته أحياناً) لما حدث من أخطاء فاضحة في استجابة الحكومة الفيدرالية للوباء. خاصة يربط سلافيت ذلك الفشل بزمن طويل من الإهمال، قبل تفشي الداء. وهو يقول عن ذلك: «لقد سمحنا للناس بالعيش على هذا النحو قبل تفشي الوباء، وكثيرون عاشوا على هذا النحو أثناء انتشار الوباء؛ وهو أمر نتحمله نحن إذا ما كان الناس يعيشون هكذا بعد الوباء».
ماهية الحجر الصحي
يقرن الزوجان «ماناو» و«تويلي» بين تاريخ تفشي الأوبئة القديمة والحديثة (الطاعون الدبلي، والحمى الصفراء، والإيدز، والإيبولا) مع روايات عن تجاربهم البحثية. فمن السفر إلى فينيسيا لفهم كيفية استخدام الحجر الصحي خلال «الموت الأسود»، إلى مراقبة سلوكيات الحجر الصحي «للعناكب الاجتماعية» مع باحث من لوس أنجليس.
وكان أحد خبراء الصحة العامة قد قال للمؤلفين في وقت مبكر: «نحتاج إلى عالم مستقبلي في الحجر الصحي». ويستشهد الكتاب بمسؤولي «ناسا»، ومديري النفايات النووية، والمهندسين المعماريين، وغيرهم الكثير في محاولة لإعادة تصور الحجر الصحي، بالترافق مع طرح القضايا الإنسانية المتعلقة بالعواطف، والتواصل، والمراقبة، التي أصبحنا معتادين عليها كثيراً منذ عام 2020.
ويتنبأ الزوجان قائلين: «إن رسم خرائط العدوى، وتكنولوجيات الوصول المحدود في الوقت الفعلي تعد - أو ربما تهدد - بتحول العالم بأسره إلى (لازارتو)، وهو مرفق الحجر الصحي الافتراضي الذي تحدده اللوائح التي تجبرنا على تجنب مرافقة الآخرين». ويقولان أيضاً: «في الحجر الصحي القادم، سوف تكون قادراً على الذهاب إلى أي مكان، لكنك ستراقب، وستقاس، وستفحص طوال الوقت».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«الجبرتي»... الوجه الآخر لأشهر مؤرخي الحملة الفرنسية

«الجبرتي»... الوجه الآخر لأشهر مؤرخي الحملة الفرنسية
TT

«الجبرتي»... الوجه الآخر لأشهر مؤرخي الحملة الفرنسية

«الجبرتي»... الوجه الآخر لأشهر مؤرخي الحملة الفرنسية

يقدم الكاتب والباحث الراحل صلاح عيسى في كتابه المهم «عبد الرحمن الجبرتي - الإنتلجنسيا المصرية في عصر القومية» رصداً لافتاً لحقبة ملتبسة من التاريخ المصري تتعلق بفترة الحملة الفرنسية على مصر وما قبلها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.

ويعد الكتاب الصادر أخيراً عن دار «الكرمة» بالقاهرة بمثابة قراءة نقدية لسيرة واحد من أشهر المؤرخين المصريين في العصر الحديث عموماً والحملة الفرنسية التي عاصرها بشكل خاص وهو عبد الرحمن الجبرتي (1756 - 1825) صاحب الكتابين الشهيرين «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» و«مظاهر التقديس في زوال دولة الفرنسيس».

يشير عيسى في البداية إلى أن الصعوبات في اكتشاف منهج الجبرتي كمؤرخ تتحدد من خلال عدد من الحقائق، منها أن بعض الباحثين يصنفون الرجل في خانة «الإخباريين» ويرون أن كتابيه مجرد «يوميات» كُتبت في أوانها أو هي «إضمامة» تضم جهد مخبر صحافي غير نشيط.

والجبرتي عند هؤلاء صحافي تلك الأيام التي أرخ لها، وبينما يتحفظ بعضهم فيكتفون بإطلاق الحكم مع بعض قيود على كتاب «مظهر التقديس» فيقولون إن الجبرتي كان فيه كاتب مذكرات أكثر منه مؤرخاً، فإن هذا الحكم يشمل عند آخرين «عجائب الآثار» وبلا تحفظات فهو عندهم كتاب ليس من التاريخ في شيء إنما هو مذكرات وروايات قيد المؤلف شواردها بغير ترتيب ولا تنسيق، تصلح أن تكون مادة للمؤرخ مع شيء غير قليل من الصعوبة والعناء. ولأن «الإخباريين» في رأي البعض ليسوا أصحاب منهج أو موقف، فإن البحث في ذلك عند الجبرتي أمر غير وارد.

ويتفرع عن هذه الصعوبة أن الجبرتي كان معاصراً لمرحلة تزيد على خمسة وأربعين عاماً، كما تشكل أكثر من ثلث الزمن الذي أرخ له، فبعض من ترجم لهم كانت تربطه بهم وشائج وصلات بين صديق له وشيخ تلقى عنه العلم، فضلاً عن تلامذة أبيه وأنداده، حتى أن بعض الحوادث التي أرخها كان طرفاً فيها. وهو ما يجعل جهده كمؤرخ معيباً بالمعاصرة، وهي حجاب يحول دون الرؤية الموضوعية وينقله إلى حيث يصبح مجرد «شهادة معاصر» وليس تأريخاً، وبالتالي فلا محل لاكتشاف منهج أو رؤية، إضافة إلى أن الموقف يتعقد لأن الجبرتي نفسه قليل التعليقات ومعظم أخباره صماء لا يتجاوزها إلى مقارنتها أو تحقيقها أو تفسيرها، وهو يصوغ أحكامه غالباً في كلمات مبتسرة تنطوي تحت مظلة الأحكام الأخلاقية، من مثل: هذا التصرف «ظلم» أو «سخافة» أو «خزعبلات»، وهذا الأمر «شنيع جداً». وهذا الشخص «لعين» أو «كافر»، وبعضها عبارات لا تعكس رأياً في الحدث ولكن استكمالاً للخبر.

لكن صلاح عيسى الذي كتب هذا الكتاب في السبعينيات، وينشر لأول مرة بعد وفاته يعود بحسه كمؤرخ ويؤكد أن تصنيف الجبرتي في خانة «الإخباريين» بشكل مطلق هو خطأ بلا جدال، ولكننا مع افتراض صحته لا نرى أن الإخباريين ليسوا أصحاب منهج أو موقف. والواقع أن اختيار أخبار معينة وإهمال غيرها والحرص على الترجمة لأفراد معينين وترك الآخرين، لهو سلوك يعكس بحد ذاته وجهة نظر ضمنية. وعلى سبيل المثال، فإن الجبرتي في «مظهر التقديس» أغفل من حوادث شهر ربيع الأول 1216. وفق التقويم الهجري، وشهر ربيع الثاني من العام نفسه أكثر من نصف حوادثهما. وعاد في كتابه الثاني «عجائب الآثار» فأورد حوادث الشهرين متكاملة بحسب جهده في التجميع.

ويفسر حجب هذه الأخبار ثم إيرادها موقفاً له، فقد كانت كلها تسجيلاً لقبائح وجرائم ارتكبها العثمانيون عندما دخلوا القاهرة مرة أخرى. وبصرف النظر عن دلالة هذا فيما يتعلق بموقفه من العثمانيين، فهو أيضاً يعكس دلالة على أن الخبر ليس دائماً عرضاً لواقع أصم، ولكنه اختيار من هذا الواقع وما يتحكم فيه هو وجهة النظر أو المنهج، بل إن ترتيب بعض مباحث الكتاب نفسها يمكن أن يكون ذا دلالة.

ويرى صلاح عيسى أنه برغم أن معاصرة المؤلف للحقبة التي يرويها عنصر له تأثيره، فإن هذا التأثير يقل كثيراً هنا، لأننا نعلم أن الجبرتي لم يسجل أخباره هكذا في حينها تاركاً إياها مادة خام دون تنسيق أو تعديل. لافتاً إلى أن الدافع للجبرتي على كتابة تاريخه معروف فقد كلفه أستاذه الزبيدي في عام 1779 حين كان الجبرتي في الخامسة والعشرين من عمره بمساعدته في الترجمة لأعلام المائة المنصرمة من مصريين وحجازيين، والمراحل التي مر بها تاريخ القرن الثالث عشر الهجري، ثم دوّن بعد ذلك يوميات للمراحل التي عاصرها. المهم في هذا كله ّأن النص الذي تركه لنا الجبرتي ليس هو نص تدويناته اليومية التي كان يسجلها، ولكنه عمل تفرغ له فيما بعد لإعادة تنسيق ما كتب وتبويبه وكان وقتها قد جاوز الخمسين من عمره.

كما أن بعض الظواهر التاريخية كانت قد استكملت ملامحها، وهو بالقطع ما أتاح للجبرتي فرصة للتخلص من تأثير المعاصرة في حدودها الضيقة ومكنه من استخلاص نتائج ربما لم تكن واضحة أمامه وهو يسجل الأحداث اليومية وقت حدوثها ونقل عمله بدرجة محدودة من إطار الأخبار الأصم إلى أفق أكثر رحابة.

ولأن التاريخ عند الجبرتي هو تحقيق لإرادة عليا لا يملك الإنسان الفكاك منها وكل ما حدث له من مظالم هو «انتقام سماوي» لخروجه عن الناموس، فقد كان طبيعياً أن ينظر إلى التكوين الاجتماعي باعتباره خاضعاً لتركيب طبقي حديدي يخضع فيه الصغير للكبير والدنيء للشريف والأدنى للأعلى. في هذا الصدد يبدو الجبرتي أكثر تزمتاً من أي شيء آخر، فكل شيء لا يداني عنده الإخلال بالتصميم الاجتماعي المستقر، فعلى المماليك وهم القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية المتنامية والقادمة من خلفية العبودية والرق أن يتبعوا التقاليد تجاه أمرائهم، فإذا ما خرجوا عنها أثاروا غضبهم. ومن ثم يرى الجبرتي أن من الأحداث التي تستحق الرواية أن المماليك قد تزوجوا وصار لهم بيوت وخدم ويركبون ويغدون ويروحون ويشربون وفي أيديهم شبكات الدخان من غير إنكار وهم في الرق ولا يخطر ببالهم خروجهم عن الأدب لعدم إنكار أسيادهم وترخيصهم لهم في الأمور.

لم يكن غريباً أن يكون من أعمال «هيئة الديوان»، التي كان الجبرتي من أعضائها على عهد قيادة الجنرال مينو للحملة الفرنسية، أن يحذر القائد الفرنسي الذي خلف نابليون بونابرت من الثورة الشعبية، وأن يصوغ تحذيره في أن الثورة يقوم بها الدهماء فلا يخسرون شيئاً، وإنما يخسر الذين يملكون المال أو النفوذ، فقد ذكر أن أعضاء الديوان المذكور دعوا مشايخ الحارات والأخطاط وحذروهم مما يترتب على قيام المفسدين وجهل الجاهلين، وأن مشايخ الحارات هم المأخوذون بذلك كما أن من فوقهم مأخوذ عنهم، فالعاقل يشتغل بما يعنيه.

ومع ذلك، لا يبدو الجبرتي في تأريخه لثورة 1805 التي قام بها المصريون ضد الاحتلال الفرنسي للبلاد، معارضاً لها، بل إننا نستشعر روحاً من التعاطف في روايته لأحداثها، فقد خلت عباراته من أوصاف «الأشرار» و«أوباش الناس» في وصف الجماهير. وفي كل المناقشات التي دارت بين قادة الثورة والوالي العثماني والتي كان الثوار فيها يستندون إلى أن من حقهم بمقتضى الشريعة أن يعزلوا ولي الأمر إذا سار فيهم بالظلم، بدا الجبرتي موافقاً على هذا الرأي ووصف رفض الوالي له بأنه «خلاف وعناد».