«الجامعة اللبنانية» مهددة بالتوقف عن التدريس هذا العام

للمرة الأولى منذ تأسيسها قبل 70 عاماً

TT

«الجامعة اللبنانية» مهددة بالتوقف عن التدريس هذا العام

لن تتمكن «الجامعة اللبنانية» من بدء العام الجديد في حال بقيت الأوضاع على ما هي عليه. لوجيستياً، فمقومات التنقّل والحضور ومتابعة الدروس، جميعها غير مؤمنة، بسبب الظروف القاهرة التي تمر على لبنان. هذا يعني أن عشرات آلاف الطلاب سيحرمون من الدراسة، وسيبقون في بيوتهم، ولن يتمكنوا من متابعة محاضراتهم عن بعد بسبب انقطاع التيار الكهربائي المزمن في البيوت، وضعف خدمة الإنترنت التي تتردى يومياً، لا بل هي مرشحة للتوقف.
وكانت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، قد أعلنت في بيان إثر اجتماع لها قبل أيام أنها قيمت الأوضاع وتبنت توصية تقضي «بعدم بدء عام جامعي جديد، وبوقف كافة الأعمال الأكاديمية ابتداء من الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 لحين تصحيح الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأستاذ الجامعي».
وإذا كانت الرابطة، وهي الهيئة النقابية للأساتذة المتفرغين في الجامعة، قد اتخذت موقفها هذا بسبب تدهور القدرة الشرائية لرواتب الأساتذة التي فقدت 90 في المائة من قيمتها، فإن المشكلة أكبر من ذلك وأعمّ، إذ إن العائق الأهم أمام الأساتذة والطلاب معاً، هو الشلل التام لكافة وسائل المواصلات بسبب انقطاع مادة البنزين، مما يعني استحالة وصولهم إلى الجامعة. والبنزين إن وجد بعد رفع الدعم عنه، ستكون تكاليفه أكبر من قدرة المواطنين على استخدام سياراتهم أو اللجوء لسيارات الأجرة. وطلاب الجامعة اللبنانية يتوافدون من مناطق بعيدة، مما يرتب عليهم تكاليف تنقل لم تعد محتملة.
وكان متوسط راتب الأستاذ الجامعي يوازي ثلاثة آلاف دولار، وانخفض خلال سنة ونصف إلى ما يوازي 200 دولار بعد انهيار سعر صرف الليرة.
ومع ذلك يقول الأساتذة إن المشكلة الرئيسية هي في انعدام القدرة على التنقل لأن الحصول على البنزين أصبح من المستحيلات أحياناً، كما أن التعليم عن بعد في حال قررت إدارة الجامعة ذلك، كما كان يحصل في السنتين السابقتين بسبب الجائحة، لم يعد متاحاً، لأن الكهرباء شحت إلى حدّ أن التغذية لا تتجاوز الساعتين في اليوم فيما المولدات البديلة شبه متوقفة، بسبب انقطاع مادة المازوت.
هكذا يجد المواطن اللبناني نفسه محاصرا، ما إن يفكر بالتغلب على مشكلة حتى تحاصره مشكلات أخرى. وتعلق إحدى الطالبات بالقول: «حتى لو تمكنا من القفز فوق كل العثرات، فإن الطرق تقفل علينا من قبل المحتجين الذين يمنعوننا من الوصول إلى الجامعة».
الدكتورة ريما باز أستاذة متعاقدة مع الجامعة اللبنانية، في الفرع الأول، تدرّس في كليتي الصحة والتربية. وهي ترى استحالة بدء العام الجامعي لأكثر من سبب: «لو وضعنا جانبا الوضع النفسي الذي نعيشه، فنحن عملياً لا يمكننا التدريس حتى عن بعد حين نكون دون كهرباء وخدمة الإنترنت لا تعمل. وإذا توفرت للأستاذ بعض الإمكانات فإن طلابنا منذ العام الماضي كانوا يعانون صعوبات بالغة سواء في دفع أجرة التنقل، أو لأنه ليس بحوزتهم أجهزة محمولة. وعدد لا يستهان به منهم، يدرسون على شاشات تلفوناتهم، وهذا إنسانياً، غير مقبول». الدكتورة باز درّست 340 ساعة خلال سنتين، متوسط أجر الساعة بات يقارب 4 دولارات، بعد انهيار سعر الصرف. وهي لم تحصل على هذه المستحقات القليلة بعد، أسوة بباقي المتعاقدين، الذين لا ينالون أجورهم إلا بعد مضي وقت طويل.
لهذا تقول دكتورة باز: «عندي حالياً عرض عمل في سويسرا، وأتمنى أن أنال هذا العمل وأسافر. فأنا لن أبقى هنا، حفاظاً على حياة أولادي وعلى مستواهم التعليمي، ولأني أفكر أن الجامعات الخاصة التي يتعلمون فيها لن تكون أفضل من الجامعة اللبنانية، فمشكلة المواصلات والكهرباء والإنترنت، هي نفسها للجميع».
الدكتورة باز ليست وحدها من ستغادر الجامعة اللبنانية، فعدد الأساتذة المستقيلين يتصاعد، وخاصة بين المتعاقدين. فالنزف بين الأساتذة الجامعيين، شبيه بما يحدث بين الأطباء والممرضين والمهندسين، مما يتسبب بأزمة إضافية، في ظل صعوبة توظيف أساتذة جدد أو إقناع الأساتذة الموجودين بسد النقص عن زملائهم المستقيلين.
وتعتقد الأستاذة في كلية العلوم الدكتورة ميرفت بلوط أن العودة إلى الدراسة غير ممكنة. فمنذ العام الماضي والمختبرات في شحّ، وبالكاد كانت المواد اللازمة متوفرة. الأمر أصبح أسوأ من ذي قبل. وموضوع «الجامعة اللبنانية» بحاجة إلى معالجة جادة. وهي تعتقد «أن الأمر على مستوى من الخطورة بحيث يحتاج لقاء يجمع الرؤساء الثلاثة للجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب، مع رئيس الجامعة البروفسور فؤاد أيوب، إضافة إلى وزيري التربية والمالية، لمعالجة جدية وجذرية، للوصول إلى حلول لأننا ذاهبون إلى طريق مسدود». والجامعة اللبنانية هي المؤسسة الرسمية الجامعية الوحيدة المتاحة لذوي الدخل المحدود، وتضم غالبية الطلاب الجامعيين، ويبلغ عددهم 80 ألف طالب في مختلف الاختصاصات، يتوزعون على فروعها الخمسة الموجودة في بيروت والمناطق.
وفي حال بقيت الأمور كما هي اليوم، سيحرم الطلاب من التعليم الفعلي للسنة الثالثة على التوالي. فقد بدأ التعليم عن بعد، بسبب جائحة «كورونا» عام 2019. وامتد على مدى العام الحالي، لكن العام المقبل سيكون أسوأ، إذا توقف التعليم كلياً. فمشكلة فقدان المحروقات ستتمدد لتنال كل مجال.
وفوجئ الطلاب قبل أيام بتوقف المنصة الإلكترونية للإدارة المركزية للجامعة اللبنانية، وهي المرجع الرئيسي لهم وللبيانات، ليتبين أن السبب هو عدم توفر مادة الفيول. ما يؤشر إلى أن تداعيات إضافية منتظرة. وبذلك تتعرض الجامعة الوطنية لأخطر أزمة منذ تأسيسها عام 1951، إذ لم تتوقف خلال الحرب الأهلية بل على العكس ازدهرت وافتتحت لها فروعاً وأقساماً، وما يحدث حالياً ليس له سابقة.
وإذا كانت الجامعة اللبنانية تثير قلقاً كبيراً لدى الأهالي والأساتذة، والطلاب أنفسهم، بسبب أعدادهم الكبيرة، فإن الصعوبات نفسها ستكون سبباً في تعثر كل أشكال التعليم على الأراضي اللبنانية.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.