متاحف مصرية تُحيي الذكرى الـ 172 لرحيل محمد علي باشا

عبر عرض مقتنياته وقطع توثق حكم أسرته

TT

متاحف مصرية تُحيي الذكرى الـ 172 لرحيل محمد علي باشا

تحيي متاحف مصرية متخصصة في حقبة الأسرة العلوية، خلال الشهر الحالي ذكرى مرور 172 عاماً على رحيل محمد علي باشا مؤسس الأسرة، عبر عرض أبرز مقتنياته الشخصية النادرة، بينها ساعة جيب خاصة به، وعلبة «نشوق» وأوسمة ونياشين ولوحات زيتية (بورتريه) توثق لفترة حكمه التي استمرت من عام 1805 حتى عام 1848 ميلادية، بينما تولى أولاده وأحفاده من بعده مقاليد الحكم حتى عام 1952. وضمن أنشطة إحياء ذكرى مؤسس الأسرة العلوية وصل معرض «مهرجان التاج الفوتوغرافي»، الذي تبرز بعض أعماله تأثير الأسرة في النهوض بفنون العمارة بمدينة الإسكندرية إلى محطة عرضه الثالثة بمتحف جاير أندرسون بالقاهرة.
وبدأت فاعليات إحياء ذكرى رحيل محمد علي باشا في 2 أغسطس (آب) الذي يوافق تاريخ وفاته عام 1849 ميلادية، ويستمر حتى نهاية الشهر، ويعرض متحف المركبات الملكية بحي بولاق (وسط القاهرة)، أحد أهم نياشين المملكة المصرية، وهو نيشان محمد علي، ويتكون من وشاح ووسام ورصيعة، وأيضاً لوحة زيتية نادرة تعود إلى عام 1811 ويظهر مؤسس الأسرة العلوية في اللوحة ممتطياً جواده، وهي لوحة «أمر برسمها إبراهيم باشا نجل محمد علي تخليداً لانتصاره على المماليك في مذبحة القلعة»، وفق أحمد الصباغ مدير عام متحف المركبات الملكية، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «إحياء ذكرى رحيل محمد علي باشا هو احتفاء بحقبة مهمة في تاريخ مصر، وهي فترة حكم الأسرة العلوية، حيث نسعى إلى ربط مقتنيات المتحف بالتاريخ والجمهور».
وولد محمد علي باشا في 4 مارس (آذار) عام 1796 ميلادية، وتولى حكم مصر من عام 1805، وتتوزع مقتنيات الأسرة العلوية التي توثق لفترة مهمة من التاريخ المصري على العديد من المتاحف، بينها متحف المركبات الملكية، ومتحف قصر المنيل (جنوب القاهرة) ومتحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية، الذي يعرض قطعاً متنوعة من مقتنيات محمد على باشا ومتعلقاته الشخصية في ذكرى وفاته.
وفي السياق نفسه، وصل معرض «مهرجان التاج الفوتوغرافي» إلى محطة عرضه الثالثة بمتحف جاير أندرسون جنوب القاهرة، ضمن جولاته بالمتاحف المصرية، وبدأ العرض الأول لأعمال المهرجان في أبريل (نيسان) الماضي بمتحف المجوهرات الملكية الذي يتشارك تنظيمه مع «نادي عدسة لفنون الفوتوغرافيا»، ثم انتقل إلى العرض في دورته الثانية بمتحف المركبات الملكية بوسط القاهرة في يوليو (تموز) الماضي، ويستمر عرضه خلال الدورة الثالثة بمتحف جاير أندرسون حتى نهاية أغسطس الحالي، ويشارك في المعرض 56 فناناً، ويضم 136 صورة تبرز جماليات المعالم الأثرية والقصور الملكية التي أنشئت في عهد أسرة محمد علي بمدينة الإسكندرية، وكذلك إبراز جماليات مقتنيات متحف المجوهرات الملكية التي تعود للأسرة العلوية، ومن بين الأعمال التي يسلط المتحف الضوء عليها في ذكرى وفاة محمد على باشا، صورة لميدان المنشية بالإسكندرية، الذي يتوسطه تمثال مؤسس الأسرة العلوية، وأخرى تبرز جماليات فن النحت للتمثال، وصورتان برؤى فنية مختلفة لبورتريه خاص به معروض على جدران المتحف، حيث تخلق الرؤية الفنية الفوتوغرافية تفاعلاً بين اللوحة الزيتية المذهبة (البورتريه) والمقتنيات الأخرى.
وتقول ريهام شعبان، مدير متحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية لـ«الشرق الأوسط»، إن «جولات معرض التاج الفوتوغرافي بالمتاحف المصرية تهدف إلى وصوله إلى أكبر عدد من الجماهير، حيث تتضمن الأعمال المشاركة رؤية فنية حداثية لجماليات فنون العمارة والقصور الملكية التي أنشئت في فترة حكم الأسرة العلوية، وكذلك مقتنيات المتحف بما توثقه من تاريخ هذه الفترة، كما نركز خلال دورة العرض الحالية على الأعمال المتعلقة بمحمد علي باشا في ذكرى وفاته».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».