مختبرات إبداعية تدرس مستقبل البناء

برامج العمارة الرقمية تسهّل إنتاج تركيبات معقدة وسريعة

مختبرات إبداعية تدرس مستقبل البناء
TT

مختبرات إبداعية تدرس مستقبل البناء

مختبرات إبداعية تدرس مستقبل البناء

عندما بدأت أعمال ترميم مقرّ جمعية «واي إم سي إيه» الذي أنشئ قبل نحو 100 عام في بيفرلي، ولاية ماساتشوستس، كشف مسح الليزر الذي أُجري للبناء عن تحدٍّ واحد، وهو أن جميع أسقف المبنى تقريباً كانت غير متساوية، أي إنّ إعادة تأطير جدرانه ستتطلّب مئات الألواح من مختلف الأحجام، وسيكون بناؤها في موقع المبنى بمثابة الكابوس. لهذا السبب، سعت شركة «ويندوفر كونستراكشن» المسؤولة عن المشروع، إلى اعتماد حلٍّ تقني، فأخذت بالتعاون مع الشركة الصناعية النيوزيلندية «هويك»، بإدخال بيانات مسح الليزر في آلة لصناعة الإطارات المعدنية، وأنتجت الألواح المعدنية الخفيفة التي يحتاج إليها ترميم المبنى بمنتهى الدقّة. كما أضافت الآلة عاملاً واحداً أساسياً: لقد أصبحت الألواح قابلة للتداخل، أي تتقلّص لتسهيل نقلها إلى موقع التجديد وفي الأماكن الضيّقة في المبنى التاريخي، ومن ثمّ تعود وتتمدّد كستارة الحمّام عند وضعها في مكانها.
ويرى عمر رفعت، نائب رئيس «ويندوفر كونستراكشن» أنّ «هذه التقنية تُحدث تحوّلاً في طريقة العمل في المباني القائمة والقديمة».
تُعدّ هذه الألواح القابلة للتداخل من ابتكارات عدّة مرتبطة بالبناء مطوّرة في برنامجٍ حديث ومتعدّد الاختصاصات تديره شركة «أوتوديسك» المتخصصة ببرامج العمارة الرقمية، وصانعة أداة التصميم المعماري الشهيرة «أوتوكاد». عملت الشركة، عبر ما تسمّيها مراكزها التقنية، على تطوير برنامج سكني للشركات العاملة في استخدام تقنيات جديدة في حلّ مشكلات التصميم والبناء. التقت شركتا «ويندوفر» و«هويك» من خلال البرنامج، ولاحظتا أنّ إحداهما تملك تقنية قادرة على حلّ مشكلة تعاني منها الأخرى.
تشبه مراكز التقنية هذه التي عممتها شركة «أوتوديسك» في مكاتبها في سان فرنسيسكو وبوسطن وتورونتو وبرمنغهام، مختبرات صناعية كبيرة، حيث يمكن للشركات والباحثين أن يبتكروا أدواتٍ صناعية جديدة تعالج التحدّيات التي تواجهها صناعة البناء. انطلقت هذه المراكز عام 2018، وتحتوي على أجهزة كومبيوتر بأنظمة رقمية للتحكّم في صناعة المعدّات المعدنية، وطابعات ثلاثية الأبعاد، وأنظمة تقطيع تعمل بنفث الماء، وخمسة أذرع آلية محورية، ومختبرات لاستخدام المواد المركّبة والزجاج والسيراميك في ابتكار أجزاء وأدوات جديدة. تقدّم «أوتوديسك» برامج إقامة تتراوح مدّتها بين أسبوعين وسنتين، لتمنح الشركات الناشئة والأكاديميين واللاعبين البارزين في صناعة البناء المساحة والأدوات لاختبار أفكار جديدة والخروج بمقاربات إبداعية للتصميم والبناء.
* «فاست كومباني»
- خدمات «تريبيون ميديا»



جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages
TT

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages

أثار التغيير الأخير في إرشادات البحث الصحي الوطنية بجنوب أفريقيا الذي صدر في مايو (أيار) 2024 موجة من الجدل الأخلاقي، إذ يبدو أنه يفتح الطريق أمام استخدام تقنية تحرير الجينوم لإنجاب أطفال معدلين وراثياً مما يجعل جنوب أفريقيا أول دولة تتبنى هذ ا التوجه بشكل علني.

القصّ الجيني

ويعود السبب في الخلاف الحاد حول تحرير الجينوم البشري الوراثي (الفصّ الجيني) إلى تأثيراته الاجتماعية وإمكانياته المتعلقة بالانتقاء الجيني، ويعدُّ هذا التوجه مثيراً للاستغراب نظراً للمخاطر العالية التي تحيط بهذه التقنية.

وقد لفتت الانتباه إلى أن جنوب أفريقيا بصدد تسهيل هذا النوع من الأبحاث، كما ذكرت كاتي هاسون المديرة المساعدة في مركز علم الوراثة والمجتمع المشاركة في تأليف مقالة نشرت في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مجلة The Conversation.

وكان عام 2018 شهد قضية عالم صيني قام بتعديل جينات أطفال باستخدام تقنية «كريسبر» CRISPR لحمايتهم من فيروس نقص المناعة البشرية، مما أثار استنكاراً عالمياً وانتقادات من العلماء والمجتمع الدولي الذين رأوا أن هذا الاستخدام غير مبرر. وانتقد البعض سرية الطريقة، في حين شدد آخرون على ضرورة توفير رقابة عامة صارمة حول هذه التقنية ذات الأثر الاجتماعي الكبير.

معايير جديدة

ومع ذلك يبدو أن جنوب أفريقيا قد عدلت توجيهاتها للأبحاث في الصحة لتشمل معايير محددة لأبحاث تحرير الجينوم الوراثي لكنها تفتقر إلى قواعد صارمة تتعلق بالموافقة المجتمعية رغم أن التوجيهات تنص على ضرورة تبرير البحث من الناحية العلمية والطبية مع وضع ضوابط أخلاقية صارمة وضمان السلامة والفعالية. إلا أن هذه المعايير ما زالت أقل تشدداً من توصيات منظمة الصحة العالمية.

* التوافق مع القانون. وتأتي هذه الخطوة وسط انقسام في القانون بجنوب أفريقيا حيث يحظر قانون الصحة الوطني لعام 2004 التلاعب بالمواد الوراثية في الأجنة لأغراض الاستنساخ البشري. ورغم أن القانون لا يذكر تقنيات تعديل الجينات الحديثة مثل «كريسبر» فإن نصوصه تشمل منع تعديل المادة الوراثية البشرية ما يُلقي بتساؤلات حول التوافق بين القانون والتوجيهات الأخلاقية.

* المخاوف الأخلاقية. ويثير هذا التطور مخاوف واسعة بما في ذلك تأثيرات تقنية كريسبر على النساء والآباء المستقبليين والأطفال والمجتمع والنظام الجيني البشري ككل. وأثيرت تساؤلات حول إمكانية أن تكون جنوب أفريقيا مهيأة لاستقطاب «سياحة علمية»، حيث قد تنجذب مختبرات علمية من دول أخرى للاستفادة من قوانينها الميسرة.

استخدام تقنية «كريسبر»

وفي سابقة هي الأولى من نوعها في العالم وافقت الجهات التنظيمية الطبية في المملكة المتحدة العام الماضي على علاج جيني لاضطرابين في الدم.

ويعد علاج مرض «فقر الدم المنجلي» و«بيتا ثلاسيميا» أول علاج يتم ترخيصه باستخدام أداة تحرير الجينات المعروفة باسم كريسبر. ويعد هذا تقدماً ثورياً لعلاج حالتين وراثيتين في الدم وكلاهما ناتج عن أخطاء في جين الهيموغلوبين، حيث ينتج الأشخاص المصابون بمرض فقر الدم المنجلي خلايا دم حمراء ذات شكل غير عادي يمكن أن تسبب مشكلات لأنها لا تعيش طويلاً مثل خلايا الدم السليمة، ويمكن أن تسد الأوعية الدموية مما يسبب الألم والالتهابات التي تهدد الحياة.

وفي حالة المصابين ببيتا ثلاسيميا فإنهم لا ينتجون ما يكفي من الهيموغلوبين الذي تستخدمه خلايا الدم الحمراء لحمل الأكسجين في جميع أنحاء الجسم، وغالباً ما يحتاج مرضى بيتا ثلاسيميا إلى نقل دم كل بضعة أسابيع طوال حياتهم

علاج واعد لاضطرابات الدم

الموافقة عليه أخيراً في المملكة المتحدة على تحرير الجينات باستخدام طريقة مطورة من تقنية «كريسبر - كاس 9» CRISPR - Cas 9 لعلاج مرض فقر الدم المنجلي ومرض بيتا ثلاسيميا، من خلال تعديل الحمض النووي «دي إن إيه» بدقة حيث يتم أخذ الخلايا الجذعية من نخاع العظم وهي الخلايا المكونة للدم في الجسم من دم المريض.

ويتم تحرير الجينات باستخدام مقصات «كريسبر» الجزيئية بإجراء قطع دقيقة في الحمض النووي لهذه الخلايا المستخرجة واستهداف الجين المعيب المسؤول عن إنتاج الهيموغلوبين المعيب. ويؤدي هذا إلى تعطيل «الجين - المشكلة» وإزالة مصدر الاضطراب بشكل فعال ثم يعاد إدخال الخلايا المعدلة إلى مجرى دم المريض. ومع اندماج هذه الخلايا الجذعية المعدلة في نخاع العظم تبدأ في إنتاج خلايا الدم الحمراء الصحية القادرة على العمل بشكل طبيعي حيث يصبح الجسم الآن قادراً على توليد الهيموغلوبين المناسب.

وقد أظهرت هذه العملية نتائج واعدة في التجارب السريرية فقد تم تخفيف الألم الشديد لدى جميع مرضى فقر الدم المنجلي تقريباً (28 من 29 مريضاً) ولم يعد 93 في المائة من مرضى ثلاسيميا بيتا (39 من 42 مريضاً) بحاجة إلى نقل الدم لمدة عام على الأقل. ويشعر الخبراء بالتفاؤل بأن هذا قد يوفرعلاجاً طويل الأمد وربما مدى الحياة.

ويقود البروفسور جوسو دي لا فوينتي من مؤسسة إمبريال كوليدج للرعاية الصحية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، التجارب في المملكة المتحدة لهذا العلاج لكل من البالغين والأطفال، ويصفه بأنه اختراق تحويلي مع وجود نحو 15 ألف شخص في المملكة المتحدة مصابين بمرض فقر الدم المنجلي ونحو ألف مصابين بالثلاسيميا، إذ يمكن أن يحسن «كاسجيفي» نوعية الحياة بشكل كبير، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يواجهون نطاق علاج محدود.

وتُعد «كريسبر - كاس 9» واحدة من الابتكارات الرائدة التي أحدثت تحولاً في الأبحاث الطبية والأدوية رغم أن استخدامها يثير جدلاً أخلاقياً، نظراً لاحتمالية تأثير تعديل الجينات على الأجيال المقبلة. وقد مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020 لجنيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه لمساهمتهما الأساسية في اكتشاف طريقة فعالة لتحرير الجينات، أي التدخل الدقيق الذي يسمح بإدخال التعديلات المطلوبة داخل الحمض النووي بطريقة بسيطة بكفاءة وسريعة واقتصادية.