أحداث أفغانستان تفجر جدلاً عراقياً

رؤى مختلفة حول أميركا والجيش والولاء الوطني

TT

أحداث أفغانستان تفجر جدلاً عراقياً

دائماً ما تجد النخب العراقية ما تتلهى به من أحداث وحوادث، داخلية كانت أم خارجية، وكثيراً ما يشتد النقاش حد الخلاف والصدام مرة بين النخب الأكاديمية نفسها، ومرة بينها وبين السياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن باب الطرائف أنه حين يقع حادث خطير (مثل انفجار كبير أو حرائق الوزارات أو المستشفيات)، يحتدم النقاش حد الانقسام المذهبي مرة، أو العرقي مرة ثانية، أو المناطقي مرة ثالثة. ولكن الجميع يجدون لحظة يتواطأون فيها بعضهم مع بعض بعد بلوغ الخلافات حد الصدام.
في بلد مثل العراق، تتعدد فيه المشكلات والأزمات، لا يمكن أن يمر يوم أو بضعة أيام دون حدث كبير. فمنذ ما بعد عام 2003، هطل مطر الديمقراطية على الطريقة الأميركية، فيما انحبس المطر الذي ينزل من السماء، حيث لم يعد مناخ العراق مثلما كان في كتب الرحالة والجغرافيين «حار جاف صيفاً، بارد ممطر شتاءً»، بل حار جاف صيفاً وشتاءً، في مفارقة مناخية أثرت على كل شيء في هذا البلد الذي خسر كل شيء بعد الاحتلال الأميركي، ولم يربح إلا ديمقراطية عرجاء تتلاعب فيها القوى والأحزاب والكيانات والميليشيات مثلما تريد بلا حسيب ولا رقيب.
الانتخابات التي تجرى كل 4 سنوات أريد لها دون سند دستوري أن تكون مبكرة، وحين تم تحديد موعدها، وتم غلق باب الانسحابات منها حسب قواعد الديمقراطية، انسحبت قوى وأحزاب لهذا السبب أو ذاك، بينما بقيت مفوضية الانتخابات تضرب أخماساً بأسداس. ولأن الأحداث والحوادث التي كثيراً ما تفجر خلافات أحياناً عميقة تكاد لا تنتهي، فإن حصة أميركا من هذه النقاشات والخلافات في المقدمة دائماً، خصوصاً لجهة الموقف من الوجود الأميركي في البلاد بين رافض بالمطلق (الفصائل المسلحة الموالية لإيران)، ورافض بتحفظ مثل كثير من القوى السياسية الشيعية، وموافق على بقاء الأميركان بالمطلق مثل الأكراد، وموافق بتحفظ نسبي مثل السنة.
ما يحصل في أفغانستان الآن التي كانت قد سقطت قبل بغداد بسنة (سقطت كابل عام 2002، بينما سقطت بغداد عام 2003) فجر منذ يومين جدلاً واسعاً في العراق على مستوى النخب والسياسيين والمراقبين. ومَن يتفحص ردود الفعل الناجمة عن هذا الجدل يجده ينحصر بين مدى إمكانية التعويل على الأميركيين، لا سيما أن الفصائل الموالية لإيران كانت حتى وقت قريب تصر على أن أميركا لن تنسحب من العراق، وبين أهمية بناء دولة قوية بجيش وطني ذي ولاء واحد وهوية مواطنة موحدة، وهو ما يحاول تسويقه العرب السنة نخباً أو سياسيين، بينما ترى كثير من النخب الشيعية أن الجيش العراقي الذي حله الأميركيون عام 2003 لم يتمكن من الصمود عام 2014، على الرغم من إعادة بنائه وتسليحه أميركياً، أمام تنظيم داعش. وتجادل هذه النخب بأنه لولا «الحشد الشعبي» الذي تأسس بناء على فتوى المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق آية الله السيستاني لسقطت بغداد على يد «داعش»، بعد انسحاب 5 فرق عسكرية؛ أي قبل سقوط كابل على يد «طالبان» بسبع سنين.
أما الأكراد الذين هم وحدهم ليس لديهم اعتراض على الوجود الأميركي أو على ثمار الديمقراطية على الطريقة الأميركية، فيجدون أنفسهم أكثر أماناً من باقي مناطق العراق، حيث إنهم يتحصون بقوات البيشمركة ذات الولاء القوي للهوية الكردستانية، كما أنهم يتحصنون بالجبال التي طالما شكلت سياجاً آمناً لهم على مدى عقود طويلة من الزمن كانوا في خصام فيها مع الدولة الوطنية العراقية التي كان يحميها جيش قوي كثيراً ما تستخدمه السلطة في شتى الاتجاهات (حرب فلسطين مرة، أو غزو الكويت مرة، أو في الداخل مرة، حيث يقمع حركات التمرد: الآثوريون عام 1933، أو انتفاضة الشيعة عام 1991، أو الأكراد على طول الخط؛ ومثالها الأبرز الأنفال وحلبجة).
وبما أن العراقيين مختلفون على كل شيء، فإن السيناريو الأفغاني لا ينظر إليه من زاوية عراقية موحدة، تحكمها هوية مواطنة لا تزال مفقودة حتى على مستوى العلم والنشيد الوطني، بل ينظر إليه كل طرف من زاويته هو، وطبقاً لانتمائه الشخصي. فسنياً، تبدو المخاوف أكبر نظراً لعدم وجود قوة عسكرية لدى العرب السنة في المحافظات الغربية، باستثناء الحشد العشائري المرتبط أصلاً بالحشد الشعبي الذي هو بيد الشيعة قيادة وقواعد، الأمر الذي يضخم لدى السنة المخاوف من تكرار السيناريو الأفغاني. ففي عام 2014، عاش السنة تجربة مشابهة حين اجتاح تنظيم داعش محافظاتهم، بينما لم يتمكن الجيش العراقي من منعهم. والذي تصدى لـ«داعش» هو «الحشد الشعبي» الذي اختلفت النظرة إليه فيما بعد، بين رافض ونصف موافق، بسبب ما يعدونه ممارسات ارتكبتها بعض الفصائل المرتبطة بالحشد، بما في ذلك اختطاف وتغييب آلاف المواطنين السنة الذين لا يزال البحث جارياً عنهم بلا جدوى. أما كردياً، فإن الوضع يبدو أفضل نسبياً بسبب قوة شكيمة البيشمركة المتمرسين في القتال.
وشيعياً، يبدو الوضع أكثر تعقيداً. ففيما ترى أوساط كثيرة أنه لولا «الحشد الشعبي» لأسقط «داعش» مدن الشيعة، بما في ذلك المدن المقدسة، الأمر الذي يتطلب تقويته، ترى أوساط شيعية أخرى أن بناء جيش وطني يمكن أن يكون ضمانة ليس فقط لعدم تكرار أي سيناريو مستقبلي، بما في ذلك السيناريو الأفغاني، بل لمنع تقسيم العراق إلى دويلات طائفية، طبقاً لخطة قديمة كان قد تبناها الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن أيام كان سيناتوراً يزور العراق كلما أراد قضاء عطلة نهاية الأسبوع، قبل أن تتغير الأولويات والمعادلات.



السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، وبين مصر والمملكة خصيصاً. وأضاف: «كما يعد المشروع نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي»، موجهاً بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.

جاءت تأكيدات السيسي خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيري الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، والبترول والثروة المعدنية، كريم بدوي. وحسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، الأحد، تناول الاجتماع الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.

وكانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار (الدولار يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية). وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع للحكومة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن خط الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيدخل الخدمة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين. وأضاف أنه من المقرر أن تكون قدرة المرحلة الأولى 1500 ميغاواط.

ويعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية. كما أكد مدبولي، في تصريحات، نهاية الشهر الماضي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض يوليو الماضي (الشرق الأوسط)

فريق عمل

وفي يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، خلال لقائه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الرياض، إن «هناك جهوداً كبيرة من جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصري - السعودي، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية فصل الصيف المقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله لإنهاء أي مشكلة أو عقبة قد تطرأ».

وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية حينها أن اللقاء الذي حضره أيضاً وزير البترول المصري ناقش عدة جوانب، من بينها مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء في البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال في الدولتين، وكذلك تعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، الأحد، فإن اجتماع السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول تضمن متابعة مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة «الضبعة النووية»، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشاملة بمصر، خصوصاً مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد السيسي أهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحركاً أساسياً للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة «الضبعة النووية» وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوى من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.

وتضم محطة الضبعة، التي تقام شمال مصر، 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل مفاعل. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.

جانب من اجتماع حكومي سابق برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

تنويع مصادر الطاقة

وتعهدت الحكومة المصرية في وقت سابق بـ«تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمشروع لإنجازه وفق مخططه الزمني»، وتستهدف مصر من المشروع تنويع مصادرها من الطاقة، وإنتاج الكهرباء، لسد العجز في الاستهلاك المحلي، وتوفير قيمة واردات الغاز والطاقة المستهلكة في تشغيل المحطات الكهربائية.

وعانت مصر من أزمة انقطاع للكهرباء خلال أشهر الصيف، توقفت في نهاية يوليو الماضي بعد توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية. واطلع السيسي خلال الاجتماع، الأحد، على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

ووجه بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، وتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.