تفجير عكار: علاج الصدمة بالوقاحة (تحليل)

موقع انفجار صهريج الوقود في عكار (أ.ف.ب)
موقع انفجار صهريج الوقود في عكار (أ.ف.ب)
TT

تفجير عكار: علاج الصدمة بالوقاحة (تحليل)

موقع انفجار صهريج الوقود في عكار (أ.ف.ب)
موقع انفجار صهريج الوقود في عكار (أ.ف.ب)

بالنسبة للجماعة الحاكمة في لبنان، لم تكن كارثة انفجار صهريج الوقود في عكار (شمال البلاد) سوى فرصة لتصفية الحسابات السياسية، واللعب على وتر الحساسيات الطائفية لحشد المؤيدين. وهذا سلوك نموذجي لانحطاط السلطة وعفنها، واستحالة إقدامها على أي خطوة تُقدم المصلحة العامة على صغائر الممسكين برقاب المواطنين.
أكثر من 25 قتيلاً ومئات الجرحى وعدد غير محدد من المفقودين الذين يقال إن بعضهم «تبخر» من عصف نيران الانفجار ذهبوا ضحايا محاولة الحصول على بنزين كان الجيش قد صادره من مخزن شخص محسوب على تيار سياسي من قوى السلطة، فيما تبادل الاتهامات بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر سبق بدء التحقيق الجنائي الذي لن يفضي إلى شيء، إذا سار على نهج التحقيقات في الجرائم السابقة التي شهدها لبنان منذ بداية انهياره قبل عامين.
التفاصيل التي يوزعها مناصرو التيارين متناقضة بتناقض رغباتهما في تحميل الخصم مسؤولية الكارثة التي تنضم إلى سلسلة طويلة من علامات اضمحلال الدولة، وتحول أجهزتها إلى تشكيلات عصابية متورطة في الفساد وتهريب السلع الأساسية المدعومة من المال العام إلى سوريا لنجدة نظام بشار الأسد. والأخبار الواردة من قرية التليل (أو التلال) التي وقعت الكارثة فيها تتحدث عن تحذيرات وجهها أهالي الضحايا إلى نواب عكار بضرورة تقديم استقالاتهم فوراً، وإلا فإن الأهالي سيقتصون منهم. وكان هؤلاء قد أحرقوا قصر المهرب صاحب الصهريج المنفجر، فيما تسود حالة من الغضب الشديد كل محافظة شمال لبنان.
رئيس الجمهورية ميشال عون الذي دعا إلى عقد اجتماع لمجلس الدفاع الأعلى (بعدما تحول هذا إلى حكومة الأمر الواقع التي يستخدمها عون لتمرير قرارته) غرد على حسابه على «تويتر» محملاً عبء الانفجار والحريق إلى «جماعات متشددة». ولم يكن صعباً أن تُفسر هذه العبارة بأنها إشارة إلى الطائفة السنية التي طالما اتهمها عون واتباعه بـ«التشدد» وتأييد جماعات إسلامية متطرفة.
ولا عجب في تغريدة عون، إذ إن صهره رئيس تياره جبران باسيل كان قد افتتح حملة الاتهامات على تيار المستقبل، قبل أن تنتقل هذه المهمة إلى عدد من النواب والصحافيين العونيين الذين وسعوا إطار الاتهامات لتشمل أعداءهم المفضلين، على غرار أبناء الطائفة السنية واللاجئين السوريين. وبادل «المستقبل» التحية بأحسن منها، بصب غضبه على النائب عن التيار العوني أسعد ضرغام الذي يقال إنه يحمي المهرب مالك الصهريج والأرض التي وقع الانفجار عليها، وإن ابن هذا الأخير هو من أطلق الرصاص على خزان الوقود الذي انفجر ذاك الانفجار الرهيب. وفي المقابل، كرر العونيون أن المهرب يحظى بغطاء النائب وليد البعريني الذي ينتمي إلى كتلة تيار المستقبل النيابية.
المذهل في هذه المهزلة سرعة انطلاقها قبل رفع جثث الضحايا من مكان الجريمة، و«النشاط» الذي أظهره طرفا المهاترة في كيل الاتهامات بعضهما لبعض، علماً بأن سكان المنطقة كانوا في غاية الصراحة في حديثهم إلى وسائل الإعلام التي حضرت إلى قرية التليل، وقالوا إن النائبين المذكورين، من تياري المستقبل والوطني الحر، يعملان في التهريب إلى سوريا، ويشغلان عدداً من المهربين المحترفين، وإن زعيمي الكتلتين يعلمان تمام العلم بنشاط النائبين المخالف للقانون. يضاف إلى ذلك أن الأجهزة الأمنية التي كانت حاضرة لحظة الانفجار توفر الغطاء الرسمي والحماية المسلحة لمواكب المهربين، وفي أحسن الأحوال تغض النظر عن تلك العمليات التي يجري تقاسم أرباحها بين الكتل السياسية وضباط القوى الأمنية المختلفة.
عشرات الضحايا من فقراء لبنان الذين لا توفر العصابة الحاكمة وسيلة لإذلالهم وقتلهم انضموا إلى سابقين من ضحايا تفجير مرفأ بيروت والاغتيالات التي تبعته، ولا شيء يوحي بأن العدالة ستتحقق هذه المرة، كما لم تتحقق في أي من الملفات السياسية والجنائية التي يعج بها تاريخ لبنان.
والسرعة القياسية التي انقضت بها الطبقة السياسية لاستغلال الكارثة علامات شؤم تنذر بأن السياسيين اللبنانيين ما زالوا يديرون البلاد بالأساليب ذاتها التي أوصلتها إلى الهاوية، مستندين بذلك إلى «العصب الطائفي»، وإلى تأييد جمهور لا تحركه إلا صرخات الاستنفار لحرب العدو المفترض. وهكذا، يعيد الحريق الإجرامي في عكار تأكيد أنه لا مخرج قريباً من الدائرة الجهنمية اللبنانية، ذلك أن الطبقة أو العصابة أو الجماعة السياسية اللبنانية لم تجد علاجاً للذهول والصدمة اللذين استيقظ لبنان عليهما صباح الأحد سوى بتصعيد درجة الوقاحة في استغلال المآسي.



غروندبرغ يعول على «هدنة غزة» لعودة مسار السلام في اليمن

غروندبرغ يحيط مجلس الأمن بمستجدات الحالة اليمنية (الأمم المتحدة)
غروندبرغ يحيط مجلس الأمن بمستجدات الحالة اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ يعول على «هدنة غزة» لعودة مسار السلام في اليمن

غروندبرغ يحيط مجلس الأمن بمستجدات الحالة اليمنية (الأمم المتحدة)
غروندبرغ يحيط مجلس الأمن بمستجدات الحالة اليمنية (الأمم المتحدة)

حذّر المبعوث الأممي هانس غروندبرغ من مخاطر التصعيد في اليمن، وقال إن ذلك سيؤدي إلى عواقب إنسانية وخيمة، وأبدى أمله في أن يؤدي إبرام «هدنة في غزة» إلى عودة مسار السلام بين الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية.

وكان المبعوث يتحدث قبل الأنباء التي تداولت إعلان الهدنة، إذ جاءت تصريحات المبعوث خلال إحاطته أمام مجلس الأمن، صباح الأربعاء (بتوقيت نيويورك)، وسبقتها نقاشات أجراها ضمن رحلاته المكوكية إلى مسقط وصنعاء وطهران والرياض.

وتأتي التحركات الأممية في إطار مساعي غروندبرغ للحفاظ على التهدئة اليمنية الهشة القائمة، وفي سياق المساعي للضغط على الحوثيين لإطلاق سراح موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية وموظفي البعثات الدبلوماسية.

وإذ أشار المبعوث إلى حملة اعتقالات الحوثيين الجديدة، فإنه قال إن أي تصعيد إضافي قد يؤدي إلى عواقب إنسانية وخيمة.

وحضّ المبعوث على وقف هجمات الجماعة في محافظة البيضاء، في إشارة إلى أعمال التنكيل التي ارتكبوها ضد سكان قرية «حنكة آل مسعود»، كما دعا الجماعة إلى الإطلاق الفوري لجميع الموظفين المحتجزين تعسفياً، وشدّد على الحاجة لخفض التصعيد؛ لأن 40 مليون يمني ينتظرون السلام، وفق تعبيره.

وفي حين أشار غروندبرغ إلى أن الهجمات الحوثية على الملاحة تقوض فرض السلام في اليمن، فإنه جدّد عزمه على مواصلة العمل لتحقيق السلام في اليمن. وقال إن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة سيكون بصيص أمل للوضع في اليمن الذي يشهد تصعيداً بين الطرفين المتحاربين على جبهات كثيرة.

غروندبرغ التقى في الرياض رئيس الحكومة اليمنية أحمد بن مبارك (الأمم المتحدة)

وأضاف أن تصاعد الهجمات والهجمات المضادة في اليمن يقوض آفاق السلم والاستقرار الاقتصادي، مشيراً إلى أن التصعيد يؤكد أن الاستقرار النسبي، وكذلك تحسن الأوضاع الأمنية القائم منذ الهدنة قد يتبددان.

وعلى النقيض من آمال غروندبرغ في إحياء عملية السلام في اليمن بعد «هدنة غزة»، تسود مخاوف يمنية من أن الحوثيين يعدون لتفجير الحرب ضد الحكومة اليمنية، مستغلين التعاطف الشعبي مع فلسطين الذي مكّنهم من تجنيد عشرات الآلاف خلال العام الماضي.

ولعل هذه المخاوف هي التي دفعت غروندبرغ للقول إنه يشعر بالقلق من أن الأطراف «قد تعيد تقييم خياراتها للسلام، وترتكب حسابات خاطئة بناءً على افتراضات خاطئة». في إشارة إلى إمكانية عودة الحرب على نطاق واسع.

الحديث عن التصعيد والمعتقلين

وتطرق إلى أضرار التصعيد الحوثي والضربات الإسرائيلية والغربية، وقال: «لقد ألحقت الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة أضراراً بالبنية التحتية المدنية الحيوية، بما في ذلك ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي»، وأشار إلى الضرر الذي لحق بالميناء، والقوارب القاطرة العاملة في تفريغ المساعدات الإنسانية.

وأوضح أنه كرر دعواته خلال زيارته صنعاء للإفراج فوراً ودون قيد أو شرط عن جميع الموظفين المعتقلين تعسفياً من الأمم المتحدة والمنظمات الوطنية والدولية والبعثات الدبلوماسية والقطاع الخاص.

كما حضّ الجماعة على إطلاق سراح سفينة «غالاكسي ليدر» وطاقمها المكون من 25 فرداً، الذين تم احتجازهم بشكل غير قانوني لأكثر من عام الآن.

المبعوث الأممي إلى اليمن طلب من إيران الدعم لإطلاق سراح المعتقلين لدى الحوثيين (الأمم المتحدة)

وأبدى المبعوث قلقه إزاء التقارير التي تفيد بموجة جديدة من الاعتقالات الحوثية، وتحدّث عن التصعيد على طول كثير من الخطوط الأمامية، وقال: «يجب على الأطراف اتخاذ خطوات ملموسة بشكل عاجل نحو تحقيق اتفاق وقف إطلاق النار على مستوى البلاد».

وتحدث غروندبرغ عن جهود مكتبه بشأن القضايا الاقتصادية والعسكرية، وقال: «استكشفنا كيف يمكن للتعاون بين الطرفين أن يفتح الباب أمام تحقيق مكاسب السلام الحاسمة. ويشمل ذلك توحيد البنك المركزي، واستئناف صادرات الوقود الأحفوري، والدفع الكامل لرواتب القطاع العام».

وكان المبعوث قبل إحاطته التقى مسؤولين عمانيين في مسقط، وقادة الجماعة الحوثية في صنعاء، قبل أن يلتقي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك، ووزير الخارجية شائع الزنداني.

يُشار إلى أن اليمنيين كانوا مستبشرين في نهاية 2023 بالبدء في تنفيذ خريطة طريق للسلام توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن انخراط الجماعة الحوثية في الصراع الإقليمي ضمن ما يسمى «محور المقاومة» بقيادة إيران، وشنّ الهجمات على السفن أدى إلى جمود هذه المساعي حتى الآن.

وخلال جلسة إحاطة غروندبرغ، تحدثت ممثلة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، وقالت إنه حان الوقت للرد على تهديدات الحوثيين، مؤكدة وجوب مساءلة إيران عن هجماتهم على الملاحة.
وأشارت المندوبة الأميركية إلى حملات الحوثيين لاعتقال الموظفين الأمميين، وموظفي البعثات الدبلوماسية، داعيةً لحرمان الجماعة من مواردها المالية المستخدمة في شن الهجمات، وتسليط الضوء على علاقتها مع حركة «الشباب» الصومالية، والتخادم معها في تهريب الأسلحة.
وفي الجلسة نفسها، أكد المندوب اليمني عبد الله السعدي، أن الوضع الإنساني والاقتصادي في بلاده لا يحتمل، وقال إن الحكومة حريصة على التعاطي مع كل الجهود للتوصل إلى تسوية سياسة، داعياً مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته لتطبيق قراراته بما يكفل إنهاء الانقلاب الحوثي وفق المرجعيات الدولية المتفق عليها.
وحمّل السعدي المجتمع الدولي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في اليمن، وأوضح أن غياب الإرادة الدولية إزاء الحوثيين هي التي ساعدت في تحويل الحديدة إلى قاعدة لتهديد الملاحة والأمن الإقليمي.