«اللجنة العسكرية المشتركة» تناقش آلية لإخراج «المرتزقة» من ليبيا

اتصالات أميركية ـ تركية لدعم الاستحقاق الانتخابي

قوات تركية تشرف على تدريب جنود ليبيين في طرابلس (الشرق الأوسط)
قوات تركية تشرف على تدريب جنود ليبيين في طرابلس (الشرق الأوسط)
TT

«اللجنة العسكرية المشتركة» تناقش آلية لإخراج «المرتزقة» من ليبيا

قوات تركية تشرف على تدريب جنود ليبيين في طرابلس (الشرق الأوسط)
قوات تركية تشرف على تدريب جنود ليبيين في طرابلس (الشرق الأوسط)

ناقشت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، التي تضم طرفي الصراع الليبي، خلال اجتماعها السابع أمس بمدينة سرت، بحضور وفد بعثة الأمم المتحدة، تعيين وزير دفاع، ووكيلين له بحكومة «الوحدة الوطنية»، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، بالإضافة إلى ملف تبادل المحتجزين بين الطرفين، وأوضاع «المرتزقة».
وقالت مصادر باللجنة المكونة من ممثلي «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، والقوات الموالية للحكومة، إنها بحثت في اجتماعها بمقرها الدائم وسط سرت، تأمين الطريق الساحلي بين وسط وغرب البلاد، بالإضافة إلى مناقشة وضع آلية لخروج «المرتزقة» والقوات الأجنبية، مشيرة إلى أن وفد قوات الحكومة طرح استمرار احتفاظ رئيسها الدبيبة بمنصب وزير الدفاع، مع الاكتفاء بتعيين وكيلين عن المنطقتين الغربية والشرقية.
ونجحت اللجنة، التي ستنهي أعمالها اليوم، خلال الشهر الماضي، في إعادة افتتاح الطريق الساحلي الرابط بين مدينتي مصراتة وسرت، بعد نحو عامين على إغلاقه.
في غضون ذلك، نفى محمد عون، وزير النفط والغاز بحكومة «الوحدة» الوطنية، وجود عناصر من «المرتزقة» الأجانب داخل الحقول النفطية، أو تلقيهم عائدات من النفط المصدر نظير تأمينهم له، وأوضح أن التقارير التي تأتيه من الموانئ النفطية تؤكد عدم وجودهم. وقال، في تصريحات تلفزيونية، مساء أول من أمس، إنه زار بنفسه عدة حقول نفطية في الآونة الأخيرة لكنه لم يلحظ أي وجود لعناصر أجنبية. وتزامن ذلك مع زيارة قام بها رئيس الحكومة، مساء أول من أمس، إلى مواقع تدريب إدارة العمليات الأمنية، التابعة لوزارة الداخلية بمنطقة النقازة، رفقة بعض مسؤولي حكومته، واستمع إلى البرامج التدريبية المنفذة وطبيعة المستهدفين بالتدريب والصعوبات التي تواجههم، والتعاون التدريبي مع بريطانيا وتركيا.
في شأن آخر، قال سفير أميركا ومبعوثها الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، إنه أجرى في العاصمة التركية أنقرة على مدى اليومين الماضيين ما وصفه بـ«مشاورات مثمرة» مع كبار المسؤولين الأتراك، تعزيزاً للجهود الأميركية من أجل دعم الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وأوضحت السفارة الأميركية، في بيان لها، مساء أول من أمس، أن رحلة نورلاند ركزت على الضرورة الملحة لوضع الأساس الدستوري، والإطار القانوني اللازمين للانتخابات، مؤكدة أن الولايات المتحدة تدعم حق الشعب الليبي في اختيار قادته، من خلال عملية ديمقراطية مفتوحة وخالية من الضغوط الخارجية. كما دعت الشخصيات الرئيسية لاستخدام تأثيرها في هذه المرحلة الحرجة «لفعل ما هو أفضل لجميع الليبيين».
وأكد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، جوي هود، خلال اتصال هاتفي مع موسى الكوني، عضو المجلس الرئاسي الليبي، دعم بلاده لجهود المجلس لتحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية، وتوحيد الجيش، والالتزام بموعد استحقاق الانتخابات كموعد نهائي رغم العوائق، معرباً عن أمله في أن يتمكن الشعب من انتخاب مَن يمثله ويحكمه.
وكانت الخارجية الأميركية قد حذرت من تهديدات خطيرة للاستقرار الإقليمي والتجارة العالمية تشكلها الجهات الأجنبية التي تستغل الصراع في ليبيا.
من جهة أخرى، سيعقد مجلس النواب غداً بمقره في مدينة طبرق بأقصى شرق البلاد، جلسته الاعتيادية بهدف استكمال مناقشة بنود جدول الأعمال، خاصة مشروعي الميزانية المقترحة من الحكومة، وانتخاب الرئيس.
ويرفض المجلس منذ تولي الحكومة السلطة في شهر مارس (آذار) الماضي، تمرير الميزانية المقترحة، والمقدرة بنحو مائة مليار دينار.
وكان رئيس المجلس، عقيلة صالح، قد اعتبر في تصريحات تلفزيونية، مساء أول من أمس، أن انتخاب رئيس جديد «أمر مهم جداً لأنه سيعمل على إعادة اللحمة الوطنية، وتوحيد مؤسسات الدولة والقوات المسلحة»، لافتاً إلى أن الاتفاقية المثيرة للجدل التي أبرمتها حكومة «الوفاق» السابقة، برئاسة فائز السراج ستزول.
وبعدما قال إن دور البعثة الأممية «غير واضح، وهي لا تملك من أمرها شيئاً»، عبّر صالح عن رفضه لتصريحات رئيس البعثة يان كوبيش، بشأن مشاركة مجلس الدولة في إصدار القوانين، التي قال إنها حق أصيل للسلطة التشريعية فقط، كاشفاً النقاب عن مبادرة جاهزة سيتم طرحها في حال فشل إجراء الانتخابات في موعدها، كما تعهد بالتدخل إذا عجزت الحكومة عن أداء مهامها.
وانتقد صالح ادعاء وزير دفاع تركيا بأن جيشها في ليبيا ليس أجنبياً، واتهم تركيا بمحاولة خلط الأوراق للحصول على مكاسب. وقال إنه يصر على إجراء الانتخابات في موعدها، باعتبارها المخرج الوحيد للأزمة الليبية، موضحاً أنه سيتم إصدار قانون الانتخابات في الأيام القليلة المقبلة لتجهيز القواعد القانونية والتشريعية للانتخابات، التي حثّ على أن تكون «حرة ونزيهة بمراقبة دولية»، وطالب بمعاقبة معرقليها محلياً ودولياً.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.