الميليشيات الشيعية الأفغانية.. «الجهاد» بصبغة «الإرهاب»

جهود إيران لم تقنع بعد المرجع آية الله العظمى آصف محسني للإفتاء بوجوب القتال في سوريا

الميليشيات الشيعية الأفغانية.. «الجهاد» بصبغة «الإرهاب»
TT

الميليشيات الشيعية الأفغانية.. «الجهاد» بصبغة «الإرهاب»

الميليشيات الشيعية الأفغانية.. «الجهاد» بصبغة «الإرهاب»

ظهرت على السطح من جديد مجموعة من المؤشّرات الدالة على «تطييف» إيران للحرب الدائرة في سوريا. إذ نقلت وكالات أنباء الجمهورية الإسلامية وعدة مواقع وصحف مقتل سبعة أفراد من الميليشيات الأفغانية الموالية لطهران في جبهات سوريا؛ ولقد شيع جثمان علي رضا توسلي قائد «لواء فاطميون» ورفاقه مساء الثلاثاء 3 مارس (آذار) الحالي في مدينة مشهد الشيعية المقدسة شمال شرقي إيران.
ويبدو أن إقحام الشيعة الأفغان – وجلّهم من الهزّارة – في آتون القتال السوري لم يحظَ بعد بالدراسة والتحقيق اللازمين. ومن هنا سنحاول رصد هذه القضية بشكل أوّلي، مع ربطها بمنهج «التشبيك» الذي يعتمده «فيلق القدس» - ذراع الحرس الثوري الإيراني - في كل من سوريا والعراق واليمن. إذ لم يعد خافيا أن «فيلق القدس» زجّ برجاله في أكثر من معركة ومنطقة عربية، مستندا في ذلك إلى دعم ديني جارف من المراجع الشيعية المعتمدة.

وكانت بعض المصادر الإعلامية الإيرانية يوم 28 فبراير (شباط) 2015م قد أعلنت عن مقتل توسّلي، القائد الفعلي المعيّن من طرف قاسم سليماني لقيادته «لواء فاطميون» بعد انفصاله عن ميليشيا «أبو الفضل العباس»، الذي كان يتشكل أساسا من عناصر «الباسيج» الإيراني والشيعة العراقيين. بينما يتكون «لواء فاطميون» من عناصر قوميّة الهزارة الشيعية في أفغانستان التي تتكلم الفارسية، ويتلقى أبناؤها التدريب والتسليح على يد «فيلق القدس» الإيراني للتدخل في المنطقة.
هذه العملية التي وقعت في معركة تل القرين، بمحافظة درعا في جنوب سوريا، أسفرت عن مقتل 6 أفغان من «لواء فاطميون»، بالإضافة لتوسّلي الملقب بـ«أبو حامد» هم: نعمة ‌الله نجفي وقاسم سادات ومحمود حكیمي وجاوید یوسفي وحسین حسیني ورضا بخشي الملقب بـ«فاتح»، والذي يعتبر المعاون الأول لتوسّلي.
وإذا كانت نتائج معركة تل القرين قد سلّطت الضوء على الميليشيات الشيعية الأفغانية، فإنها لم تكن الأولى على التراب السوري. ذلك أنه منذ دخول «فيلق القدس» عام 2011م لمساندة نظام بشار الأسد، توالت المعارك التي شارك فيها الأفغان الشيعة، خاصةً، عندما تمكن توسّلي عام 2012م من تكوين ميليشيا «لواء فاطميون»، معلنا بذلك الاستقلال عن لواء «أبو الفضل العباس».
هذا، وقد بدأت تقارير وسائل الإعلام تتحدّث عن جنائز المجنّدين الأفغان الذين قتلوا في سوريا في الظهور منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2014م. ويبدو أن هذا الموضوع بدأ يستأثر بمزيد من الاهتمام في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية، خاصة مع تزايد عدد القتلى الأفغان في الجبهات السورية. فيوم 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2014 وحده شيّع عشرة عناصر من الميليشيات الشيعية اﻷفغانية في مدينتَي قُم ومشهد الإيرانيتين، في أعقاب مقتلهم إبان المواجهات التي جرت في بلدة حندرات ومحلة الملاح، شمال غربي مدينة حلب، وريف حماه ضمن المعركة التي أطلق الأفغان عليها «المهدي المخلّص». واليوم، يمكن تقسيم الميليشيات الشيعية الأفغانية المقاتلة في سوريا إلى ثلاث مجموعات:
ـ المجموعة الأولى، كانت موجودة في سوريا قبل الثورة، وكان عناصرها يقيمون بجوار ضريح السيدة زينب، بجنوب العاصمة دمشق؛ ولقد انخرطت في القتال إلى جانب النظام السوري بُعيد اندلاع الثورة مباشرة.
ـ المجموعة الثانية، تتكون من اللاجئين الذين خضعوا للتدريب في إيران وهم الأكثر عددا، وتأثيرا في الحرب، خاصةً بعد اندماجهم مع المجموعة الأولى تحت اسم «فيلق فاطميون».
ـ أما المجموعة الثالثة، فتضم بعض الأفغان الشيعة الذين كانوا يعيشون في دول مختلفة، واستقطبوا على أساس مذهبي من أجل «الجهاد» في سوريا.
هذا، واستطاع «الحرس الثوري الإيراني» بالفعل جلب وتجنيد الآلاف من الشباب الشيعي الأفغاني من المجموعات الثلاث؛ وإخضاعهم للتدريب والتسليح. كما قدم لهم إغراءات تتصل بوضعيتهم المادية والقانونية. فالواحد من هؤلاء يقاتل مقابل 500 دولار في الشهر، وتوفير الإقامة لهم ولأسرهم. وما زال الشيعة الأفغان الذين ينحدرون من ولاية هراة الأفغانية يشكلون الغالبية من المقاتلين.
وحسب وكالة الأمم المتحدة، فإن إيران تستقبل على أراضيها مليون لاجئ أفغاني مسجل، إضافة إلى نحو مليوني مهاجر غير مسجّل، وفقا لمنظمة «هيومان رايتس ووتش». وأن نحو 800 شخص من الأفغان يحاولون يوميا عبور الحدود بطريقة غير مشروعة بأمل إيجاد فرص للعمل داخل إيران.

* دور المرجعيات الدينية
* لم ينحصر دور المرجعيات الدينية الشيعية في الدعوة لـ«القتال المقدس» في العراق، بل أصدرت فتاوى تحضّ على تشكيل فيلق عسكري بحجة الدفاع عن مرقد السيدة زينب. ومن ذلك ما ذهب إليه المرجع الديني الشيخ قاسم الطائي حينما قال: «إن الفكرة بدأت من النجف الأشرف من خلال مجموعة من الشباب استأذنونا في تشكيل (لواء أبو الفضل العباس)، وأرسلت لهم فيما بعد رسالة واضحة، أخذت على أيديهم وباركت لهم العمل لأنه يمثل قضية أساسية بالنسبة للمذهب الشيعي».
ويبدو أن الجهود الإيرانية لم تقنع حتى الآن المرجع الأفغاني البارز آية الله العظمى الشيخ محمد آصف محسني، للإفتاء بوجوب القتال في سوريا. وكان المرجع الشيعي الأفغاني المقيم في قُم قد أجاب الشبان الأفغان الذين أرسلوا يسألونه عن وجوب القتال، فاعتبر الوجوب مقتصرا على الدفاع عن المراقد الشيعية. ويمكن أن تكون هذه المرجعية الأفغانية غير راضية على طريقة الاستغلال العسكري الذي يقوم به «الحرس الثوري» فيما يخص الزج بالشباب الأفغاني المتشيّع في آتون الحرب السورية.
مع هذا تواصل إيران جهودها الرامية لكسب مزيد من النفوذ داخل أفغانستان. فمنذ الغزو الأميركي لهذا البلد 2001م، تسارعت وتيرة النشاط الديني والاستخباراتي الإيراني هناك. وأعلنت طهران في مارس 2015م أنها بدأت بالعمل على تأسيس حوزة «فاطمة الزهراء»، لتكون أول حوزة شيعية في العاصمة الأفغانية كابل. وقال موقع «شيعة أونلاين» إنها ستكون أكبر مركز شيعي في أفغانستان.
وفي حين تبرّر إيران هذه الخطوة بنشر علوم «أهل البيت» وإبلاغ رسالتهم إلى الشعب الأفغاني الذي تم تغييبه عن فضائل أهل البيت؛ بسبب نشاط المؤسسات السنّية، كما تقول، فإن ذلك في الحقيقة يندرج ضمن الاستراتيجية التوسعية، التي تستعمل فيها طهران الجانب الديني المذهبي، والجانب الأمني العسكري، لبناء نفوذها في محيطها الإقليمي.

* الجسر الجوي في خدمة القتال
* في السياق نفسه، أقامت إيران جسرا جويا يربطها بالعاصمة السورية دمشق بمعدل أربع رحلات جوية يوميا. ووفق كلام أحمد رمضان، عضو «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، لـ«الشرق الأوسط»: فإن «هذه الخطوة استهدفت نقل المقاتلين العراقيين والأفغان عن طريق بغداد إلى اللاذقية ليتلقوا تدريبات عبر الحرس الثوري للقتال مع قوات بشار الأسد في منطقة حوران السورية». وأكد رمضان أن المقاتلين الشيعة الأجانب أصبحوا يشكلون 80 في المائة من عدد المقاتلين المؤيدين للنظام على جبهات حوران. ويرى رمضان إمكانية توجيه «الائتلاف» رسالة إلى حكومة أفغانستان لوقف تدفق مقاتلين من الهزارة الشيعة في أفغانستان على جبهات سوريا.
أخيرا، وبصفة عامة، تبقى قضية الميليشيات الأفغانية في سوريا قضية استغلال للدين والطائفية لأغراض عسكرية. ويبدو أن الاستراتيجية الإيرانية منذ الغزو الأميركي لأفغانستان تقوم على دمج الشيعة الأفغان ضمن خريطة المجال «الحيوي الإيراني الجديد»؛ وفيها تستعمل إيران «الحرس الثوري» والتحالفات الطائفية لتكريسه وحمايته، غير آبهة بما تخلفه هذه الاستراتيجية من نشر للإرهاب والعنف السياسي في الشرق الأوسط. ولذا لم يكن غريبا أن تعمل على تعميم تجربتها فيما يخص وحدات «الباسيج»، وتنقلها للعراق وسوريا واليمن. بينما تخضع الشيعة الأفغان لتجربة مريرة في سوريا في أفق بناء ميليشيات شيعية أكثر قوة على الأراضي الأفغانية، تلعب دور حماية المصالح القومية والحوزة الدينية.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد السادس بالمغرب



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟