«الفتنة» الداخلية في «داعش».. إنذار بزوال التنظيم

حرب أهلية وانقسامات وصدام بين «المهاجرين» والمحليين بشأن الاستراتيجية والقيادة

«الفتنة» الداخلية في «داعش».. إنذار بزوال التنظيم
TT

«الفتنة» الداخلية في «داعش».. إنذار بزوال التنظيم

«الفتنة» الداخلية في «داعش».. إنذار بزوال التنظيم

منذ ظهر تنظيم «داعش» في سوريا ثم في غرب العراق وشماله خلال السنوات القليلة الماضية وهو موضع تساؤلات وتخمينات وتحليلات عن الظروف التي أوجدته، والجهات التي يمكن أن تكون قد «ابتكرته» لكي يخدم لها مصالحها الاستراتيجية إقليميا ودوليا، وانتهاء بتركيبته ومصادر تمويله وشبكة العلاقات التي تتيح له التحرك والتوسع داخل بيئة يفترض بها أنها معادية له.
وفي المقالة التالية يلقي الباحث والمحلل السياسي يوسف الديني نظرة فاحصة، تلي مراجعة تاريخية، إلى واقع التنظيم في أعقاب إعلان المجتمع الدولي الحرب عليه، ردا على الفظائع المتنقلة التي ارتكبها حيثما حل. ويركز الباحث على أوضاعه الداخلية وما يتهدده بنيويا من تفسخ وانقسام.

ليس أبو بكر البغدادي أبا الحسن الصبّاح ليمزج لأتباعه الداعشيين خمرًا ومخدرات ثم يأمرهم بقتل أنفسهم بعد إصابة العدو، كما أن أتباع «داعش» يبحثون عن مغانم كثيرة أولها خلافة تجمع شتاتهم عبر العالم لتضعهم في أتون حرب واحدة وجودية لا عودة فيها، وهو الأمر الذي جعل المهاجرين (كل من جاء من خارج مناطق التوتر) يصطدمون بالسكان المحليين المنضمين لـ«داعش» لأسباب تختلف عن قياداته ورموزه وكوادره الآتية من أماكن نائية وبعيدة.
شرارة البدء في الخلاف كانت منذ ما قبل تشكل التنظيم على ما آل إليه الآن من فوضى عارمة، حيث مزيج من منشقي «القاعدة» وقيادات بعثية وفارّين من العدالة ومجموعات وأسراب من شباب يبحثون عن شيء مختلف لكل واحد منهم طريقته الخاصة في الخلاص الدموي، فأول خلاف بين «داعش» تعود جذوره إلى مصعب الزرقاوي الذي كان منشقًا بالمعنى العملي عن «القاعدة» في أوج شهرتها وسلطتها، لكنه كان ينتمي لها على مستوى «المرجعية الجهادية» العامة قبل أن تتراجع «القاعدة» بعد رحيل رمزها الأول لتتحول إلى تنظيمات محلّية صغيرة بمرجعية «القاعدة» في جزيرة العرب عاصمة القاعديين صوب جنوب اليمن.
لاحقًا، حدثت انقسامات كثيرة إلى أن جاء لحظة الاعتداء على مجلة «شارلي إيبدو» التي أعادت بها «القاعدة» وجهها وحضورها في ساحة العمل المسلح، وتزامن ذلك مع تعاطف كبير في الشارع الإسلامي بسبب تداخل موضوع احترام المقدسات ورموز الأديان مع استهداف المجلة، وإذا كان استهداف المجلة قد جوبه باستنكار كبير دولي وإقليمي من الدول والتنظيمات الإسلامية الرسمية وعدد من رموز القيادات الشرعية إلا أن الكتلة الأساسية المتعاطفة مع «القاعدة» باركت العمل بأساليب مختلفة في حين أن استنكار «داعش» وغضبها من الحادثة كان يعبر عن حسد تنظيمي أكثر منه موقفًا شرعيًا.
في البداية، حاولت «داعش» تبني الهجوم على المجلة، وجاء ذلك في إعلان خطباء «داعش» في الجمعة التي تلت الحادثة في مساجدهم على الشريط الحدودي وداخل مناطقهم بالعراق وسوريا، ومنهم الشيخ أبو سعد الأنصاري الذي يعمل كوزير أوقاف مسؤول عن خطباء التنظيم.
كما أن جمهور «داعش» على شبكات الإنترنت كان مباركًا للعمل على الرغم من استنكار القيادات، وهو ما جعل الكثيرين يرون في نقد «داعش» لـ«القاعدة» بحثًا عن هيمنة وسلطة «المجموعات المتشددة» أكثر من كونه خلافًا على أسلوب العمل، وهو الأمر الذي تنتقده «القاعدة» وشيوخها من أبو قتادة الفلسطيني وحتى أبو محمد المقدسي، المفرج عنه أخيرًا في الأردن، والذي ساهم في عودة عدد كبير من القاعديين عن تأييد «داعش» لما يملكه من ثقل «شرعي» عند الحركات العنفية بشكل عام.
تاريخيًا، أول انشقاق لـ«داعش» كان في ٢٠١٣ بعد أن انشقت جبهة النصرة التابعة لـ«القاعدة» عن قيادات وتنظيمات العراق المؤسسة لـ«داعش» وحدثت معارك طويلة كانت بمعزل عن الإعلام استمرت حتى بدايات ٢٠١٤، ومن هنا يمكن فهم تحولات «داعش» على مستوى المظلة التنظيمية فمن جماعة «التوحيد والجهاد» (مرحلة ما قبل الزرقاوي) إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين (مرحلة أبو مصعب) في ٢٠٠٤ والذي بايع أسامة بن لادن وتبعته مجموعات عراقية كثيرة إلى الحد الذي كان ٢٠٠٧ عام دخول «المتشددين» أفواجًا في أحضان «القاعدة»، وكان إعلان أبو عمر عبد الله البغدادي البيعة العامة لمجاهدي العراق بمن فيهم الزرقاوي لابن لادن قبل أن تأتي مرحلة أبو حمزة المهاجر أحد أهم العلامات الحركية والأسماء الفاعلة في التنظيمات المتشددة، والذي أعلن عن «مجلس بيعة جديد وحل مجلس شورى المجاهدين» بعد مقتل الزرقاوي، مستغلاً الفراغ الكبير الذي خلفه، وهنا ولدت فكرة تنظيم «دولة العراق الإسلامية» الذي أنشئ أولاً بغرض تحرير العراق، لكن البغدادي وأبو حمزة المهاجر كانا يريان في هذا التغيير تمهيدًا لدولة خلافة، لكن أبو عمر البغدادي بايع آنذاك بن لادن، وهو الأمر الذي يؤكد انهيار جزء كبير من سلطة «القاعدة» بعد رحيل رمزها، وهو الأمر الذي ما فتئت «داعش» تنخر من خلاله في جسد «القاعدة»، معتبرة أن الظواهري لا يعبّر عن تعاليم بن لادن ولا يصدر عنها، وكان أول انشقاق لأسباب جيوسياسية وليس حرب أفكار أو شرعية كما كان يروج للأتباع، فالظواهري يرفع مبدأ ترك أهل الثغور على حالهم، بلغة «غير جهادية» وانحصار «العمل الجهادي» في مناطق التوتر على السكان الأصليين والتفرغ للقيادة والتدريب والتوجيه، وهو ما ترجمه إلى أتباعه بمنحه الشرعية لجبهة النصرة واعتبار أي تنظيم آخر لا يعبر عن «القاعدة».
نظرة «القاعدة» كانت عالمية، حيث يتحول التنظيم إلى شركة عابرة للقارات تفتتح فروعها في كل بلدان العالم، لكن زوال أي منها لا يعني زوال جسد التنظيم، في حين أن «داعش» يسعى إلى إقامة مركز للمتطرفين على الأرض يستقطب الكوادر من كل بلدان العالم، وهو ما أثر بالطبع على تنظيمات القاعدة في بلاد المغرب وليبيا والمهجر وأوروبا، بينما حظي تنظيم القاعدة بجماهيريته التقليدية في القرن الأفريقي واليمن وباقي الدول العربية، وبقيت تنظيمات مستقلة على موقعها كما هو الحال في الحركة العنفية بسيناء وليبيا ومالي.
استطاع الداعشيون ضم مجموعات قتالية شرسة أسهمت في ترجيح كفته، حيث انضم إلى تنظيم جند الخليفة الجزائري وأنصار بيت المقدس في سيناء عدا نشوء مجموعات وخلايا جديدة في أوروبا بدأت مشوارها العنفي عبر «داعش»، وهو ما يفسر حجم الانشقاقات بين «القاعدة» و«داعش»، فالأولى خرجت منها مجموعات كثيرة بسبب تحول مشروع «داعش» إلى خلافة، بينما المنشقون عن «داعش» كانوا أقل لأن أغلب الكوادر تعيش تجربتها العنفية الأولى.
العدو القريب والبعيد مفتاح فهم استراتيجية «القاعدة» بات لغزًا فيما يخص «داعش» فهي تحارب العدو «الأقرب»، حيث أكبر ضحايا «داعش» هم من أتباع التنظيمات الأخرى، حيث شن التنظيم حربا وجودية قاسية ساهمت في بعثرة عناصر «القاعدة» وعودة الكثير منهم لبلدانهم الأصلية وانحسار شعبية التنظيم داخل أوساط الإسلاميين قبل أن تعود الشعبية بعد إعلان الخلافة مرة أخرى.
المستقبل لـ«داعش» على المستوى الداخلي غامض جدًا، فمن يتابع الجدل في منتديات المتطرفين يدرك ارتفاع حدة الخلاف بين المقاتلين الأجانب الذين يملكون مواقع متقدمة وسلطة مؤثرة ومفاصل التنظيم المالية، بينما السواد الأكبر للمقاتلين من الداخل الذين لا يرون أي هدف غير تحرير الأرض وإن كانوا يعيشون حلم الخلافة بدرجة أقل، وهناك الكثير من التقارير من الداخل تتحدث عن انحسار ضم مقاتلين جدد وهو الأمر الذي يفسر العودة إلى استقطاب عناصر جديدة من الخارج وعبر شبكات التواصل الاجتماعي.
التمييز بين «المهاجرين والأنصار» هو الاتهام الأول الذي يواجهه قادة «داعش»، فالمقاتلون الأجانب محظيون، بينما كوادر التنظيم الداخلية تعاني من اضطهاد، وعادة ما يتم اختيارها للعمليات الانتحارية أو المرابطة في المناطق النائية والبعيدة، بل وفي المناطق الأكثر تعرضًا لهجمات التحالف.
وهناك على المستوى المعيشي تحديات كبيرة الآن بعد تراجع مدخولات «داعش» مقارنة بمصروفاتها، يمكن أن تقرأ في منشورات «داعش» والأخبار والتقارير المتناقلة الشكوى من الظروف المعيشية والخلاف على الأموال والمناصب وحتى المرجعيات الشرعية، كما أن ثقة الأهالي في المناطق المسيطر عليها من قبل أتباع التنظيم تراجعت إلى حدها الأقل بعد تحول جرائم «داعش» إلى صرعة وموضة بشاعة عالمية تملأ الشاشات وأقنية الإعلام.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».