تشكيل الحكومة اللبنانية يقترب من الحسم... وباريس تضغط لتسريع ولادتها

TT

تشكيل الحكومة اللبنانية يقترب من الحسم... وباريس تضغط لتسريع ولادتها

تترقب الأوساط السياسية المعنية بتأليف الحكومة اللبنانية ما إذا كانت نفحة التفاؤل التي عكسها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي أمام عدد من الذين التقوه أو تواصلوا معه فور انتهاء الجولة الأخيرة من مشاوراته مع الرئيس ميشال عون ستنسحب على اللقاء المرتقب بينهما في الأسبوع المقبل إلا إذا توافقا على عقده خلال عطلة الأسبوع الحالي بعد أن تفاهما على توزيع الحقائب على الطوائف من دون المساس بتوزيع الحقائب السيادية الذي سيبقى على حاله.
وذكرت المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط»، أن الذين التقوا ميقاتي يبنون تفاؤلهم على تفاؤله، خصوصاً أن الاجتماع المرتقب بين ميقاتي وعون سيخصّص لتسمية الوزراء، في حال بقي الأخير على موقفه ولم ينقلب على التوزيع الذي توصلا إليه في لقاء أول من أمس.
وقالت، إنها لا تملك ما تضيفه على تفاؤل ميقاتي وإن كان يعكسه بحذر، ورأت أن تشكيل الحكومة يدخل الآن في مرحلة الولادة ويفترض أن ترى النور في اللقاء المقبل بين الرئيسين، خصوصاً أن الجلسة الأخيرة أتاحت لهما الفرصة للتداول بصورة غير نهائية ببعض الأسماء المرشحة للدخول في الحكومة على أن يستكملا البحث فيها لاحقاً.
وأكدت، أن بعض الذين التقوا ميقاتي كانوا يعتقدون قبل التواصل معه أن الهدف من إشاعة جو التفاؤل هو قطع الطريق على الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار بعد أن أصبح رفع الدعم بحكم الواقع، لكنهم خرجوا بانطباع أن الرئيس المكلف لا يفتعل التفاؤل وإنما يستند إلى المرونة التي أخذ يبديها رئيس الجمهورية على أمل أن يطوّر موقفه باتجاه تسريع تشكيل الحكومة بتقديم التسهيلات المطلوبة، وهذا ما سيكون موضع اختبار لنيّاته في اجتماعهما المرتقب.
وكشفت المصادر نفسها، عن أن عون لم يتعامل بمرونة مع ميقاتي إلا بعدما شعر أن الضغوط الدولية أخذت تحاصره باعتبار أنه وفريقه السياسي يقفان وراء تأخير تشكيل الحكومة بسبب رفضهما رفع الشروط التي ما زالت تعيق تأليفها، وقالت إن باريس دخلت في اليومين الأخيرين بقوة على خط الاتصالات التي بقيت محصورة إلى حد كبير برئيس الجمهورية وفريقه من دون أن تنقطع عن التواصل مع ميقاتي الذي يحظى بدعمها ويراهن على المفاعيل السياسية للضمانات الدولية لإخراج لبنان من أزماته.
واعتبرت أن ترحيل استئناف المشاورات إلى الأسبوع المقبل لا يعني بالضرورة تقيّدهما بهذا الموعد، ويمكنهما تقديمه إلى نهاية هذا الأسبوع، إذا صفت النيّات لدى الفريق المحسوب على عون والذي يتزعّمه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وقالت إن هناك مجموعة مؤشرات دولية تضغط لتهيئة الظروف أمام الإسراع بتشكيل الحكومة بعد أن أدرك المجتمع الدولي أن عدم تدخّله سيأخذ لبنان إلى الانفجار الشامل.
وفي هذا السياق، توقفت المصادر نفسها أمام تدخّل المجتمع الدولي في الوقت المناسب للسيطرة على الوضع في الجنوب في ضوء تبادل القصف بين «حزب الله» وإسرائيل مع أنه بقي محدوداً ومحصوراً في المناطق المفتوحة التي لم تبدّل قواعد الاشتباك المعمول بها منذ حرب يوليو (تموز) 2006، وقالت بأن تدخّله أدى إلى قطع الطريق على إغراق لبنان في الفوضى التي يمكن أن تأخذه إلى المجهول.
ورأت بأن المجتمع الدولي يولي اهتمامه الخاص بالقوى الأمنية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية لمعاناتها من الضائقة المعيشية أسوة بالإدارات الأخرى والسواد الأعظم من اللبنانيين لما لها من دور لمنع الفلتان الأمني، والإبقاء عليها قوة احتياط لإعادة تكوين السلطة باعتبار أنها آخر ما تبقّى من معالم الدولة.
وأكدت أن اهتمام المجتمع الدولي بالقوى الأمنية يتلازم مع تقديم المساعدات للبنانيين من خلال المؤسسات العاملة في المجتمع المدني. لذلك؛ يواكب المجتمع الدولي بحسب المصادر نفسها المحاولات الجارية لإنقاذ تشكيل الحكومة وينظر إلى المشاورات المعقودة بين الرئيسين على أنها الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان.
ويجري ميقاتي مروحة من الاتصالات والمشاورات، بدأها برئيس المجلس النيابي نبيه بري وبرؤساء الحكومات السابقين ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وآخرين ليعود ويلتقي المعاونين السياسيين لرئيس البرلمان نبيه بري وأمين عام «حزب الله» حسين خليل.
وتردّد أن ميقاتي يُبدي ارتياحه للأجواء التي سادت اتصالاته، في حين تتعامل الأوساط السياسية مع الاتصال الذي أجراه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعون على أنه يشكل رافعة لحثه على التعاون مع ميقاتي لتسريع تشكيل الحكومة؛ لأنه لم يعد من مبرر لتأخيرها.
كما تردّد، أنه جرى استعراض أوّلي لعدد من الأسماء المرشحة لدخول الحكومة بعد أن توافق ميقاتي وعون على إسناد حقيبة الشؤون الاجتماعية لشخصية درزية يقترحها جنبلاط على أن تُسند وزارة العدل إلى وزير يقترحه رئيس الجمهورية يحظى بتوافق رئيس الحكومة غير اسم القاضية التي اقترحها عون لتولّي هذه الوزارة لانتمائها إلى «التيار الوطني».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم