توقعات غربية بعدم تغيّر الدبلوماسية الإيرانية بعد رحيل ظريف

المرشح لوزارة الخارجية معروف لدى واشنطن

حسين أمير عبد اللهيان (مهر)
حسين أمير عبد اللهيان (مهر)
TT

توقعات غربية بعدم تغيّر الدبلوماسية الإيرانية بعد رحيل ظريف

حسين أمير عبد اللهيان (مهر)
حسين أمير عبد اللهيان (مهر)

قبل أربعة أشهر، وبّخ المرشح لوزارة الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، الدول الأوروبية واتهمها بأن لديها «ألف وجه»، بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ثماني شخصيات وثلاثة كيانات إيرانية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لانتقاد القرار في وقت كانت فيه بريطانيا وفرنسا وألمانيا تتوسط في المحادثات بين إيران والولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الذي وقّعت عليه طهران مع القوى العالمية.
والآن، من المقرر أن يصبح عبد اللهيان، المقرب من الحرس الثوري الإيراني، المحاور الرئيسي مع الغرب بعد ترشيحه هذا الأسبوع كوزير لخارجية إيران ليحل محل محمد جواد ظريف، الدبلوماسي المخضرم الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة والذي استخدم مزيجاً من المراوغة والمهارات التي صُقلت على مدى عقد من الزمان لوصفه واجهة للدبلوماسية الإيرانية في تعامله مع القوى الغربية. وكان ظريف أحد المؤيدين الرئيسيين للاتفاق النووي الذي ساعد على إبرامه، ثم حاول المحافظة عليه مع تصاعد التوترات مع الغرب بعد أن تخلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عن الاتفاق النووي قبل ثلاث سنوات.
ويتساءل المحللون الإيرانيون ما إذا كان عبد اللهيان، وهو خريج جامعي إيراني يبلغ من العمر 57 عاماً وينتمي إلى خلفية متواضعة، قادراً على إحياء الاتفاق وتحقيق نتائج دبلوماسية أكثر استدامة. ويشير البعض إلى صلاته بالفصائل المتشددة القوية في قلب النظام التي قد تمنحه نفوذاً محلياً أكبر من ظريف الذي اعترف بأن الحرس الثوري كان يقوّض جهوده.
لكن صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية نقلت عن المحلل الإيراني المحافظ محمد مهاجري، قوله: «لن نشهد أي تحول كبير في السياسة الخارجية. إن النتائج بدلاً من الاقتراب سوف تكون متماثلة على نحو أو آخر في ظل وجود عبد اللهيان أو جواد ظريف».
وكان الرئيس إبراهيم رئيسي، قد قال إن حكومته سوف تواصل المحادثات لإحياء الاتفاق النووي. ولكن مع سيطرة المتشددين على جميع مراكز السلطة في النظام، يتوقع البعض في طهران أن يتخذ الرئيس الجديد موقفاً أكثر صرامة من سلفه حسن روحاني، المهندس الآخر للاتفاق. وقد رأى المسؤولون الأوروبيون ظريف نظيراً مهماً في النظام، ودبلوماسياً يمكنهم إجراء مناقشات هادفة معه. ولكنهم اعترفوا أيضاً بأن المحادثات النووية والعلاقة مع إيران لا تعتمد على شخصية وزير الخارجية، بل على سلطة عليا في البلاد.
ونقلت «فاينانشيال تايمز» أيضاً عن علي فائز، مدير الملف الإيراني لدى «مجموعة الأزمات الدولية»، المؤسسة البحثية، قوله إن تعيين عبد اللهيان «يمثل الدولة العميقة على الساحة الدولية». وعلى الرغم من أن علاقات عبد اللهيان مع الغرب كانت محدودة، فقد قالت شخصية على اتصال مع مسؤولين أميركيين إن عبد اللهيان معروف من شخصيات بارزة في إدارة الرئيس جو بايدن. وكان روب مالي، مبعوث بايدن إلى إيران، وجون فينر، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، كلاهما قد عمل معه في الشؤون السورية خلال إدارة أوباما.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي آخر في طهران قوله إن تأمين اتفاق لرفع العقوبات الأميركية هي أولوية أساسية بالنسبة لرئيسي، مضيفاً أنه «قد خفّض بالفعل من حدة خطابه العدائي حتى لا يعرّض عملية (التفاوض مع الغرب) للخطر». وقال أيضاً إن «الأمر غير الواضح هو متى ستكون إيران مستعدة لاستئناف المفاوضات النووية؟ وماذا سيكون نهج إيران الجديد؟ ومن سيكون المفاوضون؟».
كما أن عبد اللهيان ليس غريباً على المحادثات النووية، ففي عام 2013 شارك في مناقشات سرية أدت إلى عقد اجتماعات سرية مع الأميركيين والأوروبيين التي كانت تمهيداً لاتفاق عام 2015، وشغل أيضاً منصب نائب وزير الخارجية السابق للشؤون العربية والأفريقية، وكان دبلوماسياً في العراق وسوريا والبحرين.
وقال أحد المطلعين على مجريات النظام إن طهران «ليس لديها خيار سوى تحسين العلاقات مع الدول الإقليمية»، إذ دخلت في حرب ظل مع إسرائيل حيث يتهم كل من البلدين الآخر بشن هجمات مؤخراً على شحناتهما وأهداف أخرى. وأضاف: «كلما كانت علاقاتنا مع دول المنطقة أكثر عدائية أصبحت إسرائيل أكثر قوة».



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.