كابل استخدمت أموالا أميركية لدفع فدية لتنظيم القاعدة للإفراج عن دبلوماسي أفغاني

بن لادن حذر منها خوفا من أن تكون «سي آي إيه» لوثتها بالإشعاع أو بالسم أو ستقوم بتتبعها

مدخل مقر المخابرات الأميركية في لانغلي فرجينيا («الشرق الأوسط»)
مدخل مقر المخابرات الأميركية في لانغلي فرجينيا («الشرق الأوسط»)
TT
20

كابل استخدمت أموالا أميركية لدفع فدية لتنظيم القاعدة للإفراج عن دبلوماسي أفغاني

مدخل مقر المخابرات الأميركية في لانغلي فرجينيا («الشرق الأوسط»)
مدخل مقر المخابرات الأميركية في لانغلي فرجينيا («الشرق الأوسط»)

في ربيع عام 2010، أبرم مسؤولون أفغان اتفاقا يقضي بإطلاق سراح دبلوماسي أفغاني احتجز رهينة لدى تنظيم القاعدة، لكن الثمن كان باهظا، حيث بلغ 5 ملايين دولار. وبذل مسؤولو أمن رفيعي المستوى جهدا من أجل الحصول على المال. في البداية توجهوا إلى أموال سرية كانت الاستخبارات المركزية الأميركية تقدمها نقدا كل شهر إلى القصر الرئاسي في كابل بحسب ما أوضح عدد من المسؤولين الأفغان المطلعين على الأمر. وقالوا إن الحكومة الأفغانية أخذت بالفعل مليون دولار من هذا المبلغ. وفي غضون بضعة أسابيع، تم تسليم ذلك المبلغ إضافة إلى 4 ملايين دولار مقدمة من بلدان أخرى إلى تنظيم القاعدة، وهو ما ملأ خزانة التنظيم بعد ما قضت الهجمات الجوية، التي كانت تنفذها الاستخبارات المركزية في باكستان، على القيادات العليا لذلك التنظيم المسلح. وكتب عطية عبد الرحمن، المدير العام للتنظيم، في خطاب إلى أسامة بن لادن في يونيو (حزيران) عام 2010: «لقد من الله علينا بمبلغ كبير من المال هذا الشهر». مشيرا إلى أن النقود ستستخدم في شراء أسلحة واحتياجات أخرى ضرورية لتنفيذ العمليات. وحذر بن لادن منها خوفا من أن يكون الأميركيون قد عرفوا بأمر المال، وأنهم قد لوثوه بالإشعاع أو بالسم، أو يقومون بتتبعه. وكتب ردا على ذلك الخطاب: «ربما قبلوا دفع تلك الأموال على أساس أنها ستكون تحت الرقابة الجوية».
ولم تكن المساهمة المالية التي قدمتها الاستخبارات المركزية الأميركية إلى تنظيم القاعدة فخا منصوبا بعناية، بل مثالا آخر ضمن قائمة طويلة من الأمثلة التي تدل على قيام الولايات المتحدة في بعض الأحيان بتمويل المسلحين الذين تحاربهم دون قصد، وذلك نظرا لعدم تمتعها ببعد نظر، وعدم وجود قيود صارمة على التمويل.
وفي الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة دفع أي فدية مالية لإطلاق سراح أميركيين تم اختطافهم من قبل تنظيم القاعدة، أو حركة طالبان، أو مؤخرا تنظيم داعش، دفعت مئات المليارات من الدولارات على مدى العشر سنوات الماضية لتمويل الحرب في العراق وأفغانستان، وتسربت بعض تلك الأموال إلى المقاتلين في صفوف الأعداء. وتضمنت المراسلات بين بن لادن، وعبد الرحمن، خطابات عن فدية عام 2010، وقدمها ممثلو الادعاء الفيدرالي كأدلة خلال محاكمة عبيد ناصر، أحد عناصر تنظيم القاعدة في باكستان، في بروكلين والذي تمت إدانته خلال الشهر الحالي بتهمة دعم الإرهاب، والتخطيط لتفجير مركز تسوق بريطاني.
وتم اكتشاف الخطابات على مجموعة من أجهزة الكومبيوتر، والوثائق، التي حصلت عليها القوات الخاصة الأميركية أثناء عملية الهجوم على بن لادن، والتي أسفرت عن مقتله في أبوت آباد عام 2011، وتم الإبقاء على سريتها إلى أن تم تقديمها كأدلة في المحاكمة. وتم اكتشاف تفاصيل المساهمات المالية السرية التي قدمتها الاستخبارات المركزية الأميركية كجزء من الفدية التي طلبها تنظيم القاعدة من الخطابات وبعض المقابلات مع مسؤولين أفغان وغربيين تحدثوا عن الأمر شريطة عدم ذكر أسمائهم لحساسية الموضوع. ورفضت الاستخبارات المركزية الأميركية التعليق على الأمر.
وكان الدبلوماسي، الذي تم إطلاق سراحه مقابل المال، هو عبد الخالق فرحي الذي كان يعمل كقنصل عام أفغاني في بيشاور بباكستان عندما تم اختطافه في سبتمبر (أيلول) عام 2008 وهو في طريقه إلى العمل. وكان لا يفصله عن تولي مهام منصبه الجديد كسفير لأفغانستان لدى باكستان سوى بضعة أسابيع.
واختطف متمردون أفغان وباكستانيون فرحي، لكنهم سلموه بعد بضعة أيام إلى أفراد في تنظيم القاعدة، حيث ظل في أيدي التنظيم لأكثر من عامين ونصف. ولم تتصل الحكومة الأفغانية مباشرا بـ«القاعدة»، وكانت تعرقل المفاوضات إلى أن تدخلت شبكة حقاني الأفغانية المتمردة والتي تربطها صلة وثيقة بتنظيم القاعدة. وأراد قادة «القاعدة» إطلاق سراح بعض المسلحين المقبوض عليهم، ويبدو بحسب ما تكشفه الخطابات أنهم تراجعوا عن هذا الطلب، واكتفوا بالمطالبة بإطلاق سراح رجال معتقلين من قبل السلطات الأفغانية، لا من يعتقلهم الأميركيون، الذين كانوا سيرفضون الطلب تطبيقا للسياسة الأميركية المتبعة. مع ذلك رفض الأفغان إطلاق المعتقلين لديهم، وكتب عبد الرحمن في خطابه: «لذا قررنا عقد صفقة للتبادل مقابل المال. وكان المبلغ الذي اتفقنا عليه 5 ملايين دولار».
وتم تقديم أول مليوني دولار قبل فترة قصيرة من كتابة الخطاب. وسأل عبد الرحمن بن لادن في الخطاب ما إذا كان بحاجة إلى المال، وقال: «لقد حصلنا على مبلغ جيد من المال لدعم التنظيم عسكريا من خلال الحصول على أسلحة جيدة». الجدير بالذكر أن أسماء قادة «القاعدة»، الذين جاء ذكرهم في الخطابات، مستعارة، فعلى سبيل المثال بن لادن كان يوقع الخطابات باسم زامري، في حين أن عبد الرحمن، الذي قتل في غارة جوية في باكستان خلال شهر أغسطس (آب) عام 2011، كان يطلق على نفسه اسم محمود. كذلك تم التخطيط لاستخدام الأموال في مساعدة عائلات عناصر «القاعدة» المعتقلين في أفغانستان، وتم منح جزء من النقود إلى أيمن الظواهري، خليفة بن لادن في قيادة التنظيم، والذي كان اسمه في الخطابات أبو محمد، على حد قول عبد الرحمن.
وقد سمعت جماعات مسلحة أخرى بأمر الفدية وبدأت تمد أيديها، حيث ذكر عبد الرحمن في الخطاب: «كما تعلم من الصعب الإبقاء على سرية الأخبار. إنهم يطلبون مننا مال، فليعيننا الله».
مع ذلك كان من الواضح أن بن لادن قلق من أن تكون الأموال خدعة يحاول من خلالها الأميركيون اكتشاف مواقع قيادات تنظيم القاعدة، حيث كتب: «يبدو هذا غريبا لأنهم عادة لا يدفعون مثل هذه الأموال من أجل تحرير واحد من رجالهم في دولة مثل أفغانستان». وسأل: «هل أحد من أقربائه مسؤول رفيع الشأن؟» في إشارة إلى فرحي. وكان هذا السؤال في محله تماما، فزوج ابنة فرحي كان مستشارا للرئيس الأفغاني الأسبق حميد كرزاي آنذاك.
ونصح بن لادن عبد الرحمن بتحويل تلك النقود إلى عملة أخرى من خلال أحد المصارف، ثم تحويلها مرة أخرى إلى أي عملة يفضلها. وكتب بن لادن: «السبب وراء ذلك هو ضمان سلامتنا في حال كانت تلك النقود تحتوي على أي مواد مشعة أو ضارة». ولم يبد أن أيا من الرجلين يعلمان بمصدر هذا المال. وبعيدا عن أموال الاستخبارات المركزية، قال مسؤولون أفغان إن «باكستان أسهمت بنحو نصف مبلغ الفدية في محاولة لوضع حد لما رأته أمرا عارضا تافها معرقلا في علاقاتها بأفغانستان. أما الجزء الباقي من المبلغ فتكفلت به إيران ودول الخليج العربي، الذين أسهموا أيضا في الأموال السرية المدفوعة للرئيس الأفغاني. وفي خطاب بتاريخ 23 نوفمبر (تشرين الثاني)، أوضح عبد الرحمن لبن لادن أنه تم الحصول على الثلاثة ملايين دولار المتبقية وأنه تم إطلاق سراح فرحي.
على الجانب الآخر، استمرت الاستخبارات الأميركية، في توصيل حقائب النقود، التي كانت تحمل في المرة الواحدة ما يتراوح بين بضعة مئات الآلاف من الدولارات وبين مليون دولار أو يزيد، إلى القصر الرئاسي شهريا حتى العام الماضي عندما غادر كرزاي منصبه. وتم استخدام الأموال في شراء ولاء أمراء الحروب، والمشرعين، وشخصيات أفغانية أخرى بارزة أو مثيرة للشغب، وكمساعدة للقصر الرئاسي في تمويل شبكة من الذين يدعمون سلطة كرزاي. كذلك تم استخدام الأموال في تغطية نفقات لم يتم تدوينها في السجلات المالية، مثل الرحلات الدبلوماسية السرية، ونفقات مادية أخرى تشمل إيجارات منازل ضيافة أقام بها بعض المسؤولين رفيعي المستوى.
وتراجع تدفق النقود منذ تولي الرئيس الجديد أشرف غني المنصب في سبتمبر (أيلول)، على حد قول مسؤولين أفغان دون ذكر تفاصيل. مع ذلك أضافوا أن النقود لا تزال تتدفق، وأنه من غير الواضح مدى صرامة القيود الأميركية حاليا. وقال مسؤول أمن أفغاني سابق: «إنها نقود. وبمجرد دخولها القصر، لا يمكنهم التحكم في طريقة إنفاقها».

* «واشنطن بوست» خاص بـ {الشرق الأوسط}



شريف يزور المنطقة التي خطف بها مسلحون قطاراً في باكستان

وصل مسؤولون أمنيون باكستانيون إلى محطة ماخ للسكك الحديدية بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» (أ.ب.أ)
وصل مسؤولون أمنيون باكستانيون إلى محطة ماخ للسكك الحديدية بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» (أ.ب.أ)
TT
20

شريف يزور المنطقة التي خطف بها مسلحون قطاراً في باكستان

وصل مسؤولون أمنيون باكستانيون إلى محطة ماخ للسكك الحديدية بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» (أ.ب.أ)
وصل مسؤولون أمنيون باكستانيون إلى محطة ماخ للسكك الحديدية بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» (أ.ب.أ)

زار رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إقليم بلوشستان، الخميس، تزامناً مع وصول عشرات الأشخاص الذين تم إنقاذهم من قطار خطفه مسلحون انفصاليون في جنوب غربي باكستان إلى مدينة كويتا بعد ساعات من قتل قوات الأمن جميع المهاجمين وعددهم 33 لإنهاء مواجهة استمرت يوماً كاملاً.

مسؤولو الأمن الباكستانيون يؤمّنون محطة قطار ماخ بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» (أ.ب.أ)
مسؤولو الأمن الباكستانيون يؤمّنون محطة قطار ماخ بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» (أ.ب.أ)

وجاءت زيارة شريف في وقت نفت فيه جماعة «جيش تحرير بلوشستان»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، ادعاء الجيش بانتهاء المواجهة، مؤكدة أن «المعركة» مستمرة وأن رهائن لا يزالون محتجزين لديها.

وفجَّر المسلحون خطوط السكك الحديدية وفتحوا النار على قطار «جعفر إكسبريس» بينما كان في طريقه من كويتا عاصمة إقليم بلوشستان الغني بالمعادن إلى بيشاور في إقليم خيبر بختون خوا واحتجزوا رهائن عدة من بين 440 راكباً كانوا على متنه.

ويخوض المسلحون تمرداً مستمراً منذ عقود من أجل انفصال الإقليم الواقع في جنوب غربي البلاد والذي يضم مشروعات كبرى تقودها الصين مثل ميناء ومنجم للذهب والنحاس.

ووفقاً للجيش، قُتل ما مجموعه 21 رهينة وأربعة من رجال الأمن في المواجهة، لكن جيش تحرير بلوشستان، أكبر الجماعات العرقية المسلحة التي تقاتل الحكومة في بلوشستان، قال إنه جرى إعدام 50 رهينة.

مسؤولو الأمن الباكستانيون يؤمّنون محطة قطار ماخ بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» وهو قطار ركاب متجه من كويتا إلى بيشاور (أ.ب.أ)
مسؤولو الأمن الباكستانيون يؤمّنون محطة قطار ماخ بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» وهو قطار ركاب متجه من كويتا إلى بيشاور (أ.ب.أ)

وأعلنت الحكومة أن رئيس الوزراء في زيارة ليوم واحد إلى كويتا، حيث سيطلع خلالها على الوضع الأمني ​​في المنطقة.

وندد شريف بالهجوم في منشور على منصة «إكس»، الأربعاء، قائلاً إن «مثل هذه الأعمال الجبانة لن تهز عزم باكستان من أجل السلام».

وقالت السلطات إن 25 جثة نُقلت إلى محطة قطار محلية، ومنها إلى كويتا في سيارات إسعاف.

وأكدت حركة تحرير بلوشستان أن الأشخاص الذين «زعمت» باكستان إنقاذهم قد أطلقت الجماعة نفسها سراحهم.

وقال جياند بلوش، المتحدث باسم الجماعة، في بيان، الخميس: «الآن وقد تخلت الدولة عن رهائنها للموت، فإنها ستتحمل أيضاً مسؤولية مقتلهم».

وهددت جماعة جيش تحرير بلوشستان بالبدء في قتل الرهائن إذا لم تطلق السلطات سراح سجناء سياسيين ونشطاء ومفقودين من البلوش الذين قالت إنهم اختُطفوا على يد الجيش، وذلك خلال مهلة 48 ساعة.

وقال أرسلان يوسف، أحد الذين وصلوا إلى كويتا برفقة قوات الأمن، إن رجالاً مسلحين بقاذفات صواريخ وبنادق وأسلحة أخرى اقتحموا القطار الثلاثاء وبدأوا في إطلاق النار على الناس.

وأضاف يوسف أن المسلحين قسموا الركاب مجموعات على أساس المنطقة التي ينحدرون منها.

وتابع أنه «في بعض الأحيان أخذوا جنوداً وأعدموهم»، مشيراً إلى ركاب من جنود الجيش الباكستاني وأفراد قوات الأمن الأخرى الذين كانوا يسافرون على القطار في عطلة.

وأردف يوسف: «في أوقات أخرى، استهدفوا أفراداً بعينهم. وإذا كان لديهم ضغينة ضد شخص ما، كانوا يطلقون النار عليه على الفور».

وقال محمد تنوير، راكب آخر، إن الرهائن كانوا يتغذون على الماء فقط في أثناء احتجازهم.

وأظهرت لقطات مصورة لـ«رويترز» الرهائن الذين تم إنقاذهم يتلقون الإسعافات الأولية في محطة سكة حديد كويتا.