هجوم واسع على حاكم «المركزي» اللبناني بعد قرار وقف دعم المحروقات

مصرف لبنان المركزي (رويترز)
مصرف لبنان المركزي (رويترز)
TT

هجوم واسع على حاكم «المركزي» اللبناني بعد قرار وقف دعم المحروقات

مصرف لبنان المركزي (رويترز)
مصرف لبنان المركزي (رويترز)

تمسك «مصرف لبنان المركزي»، أمس، بموقفه القاضي بوقف دعم المحروقات من أموال الاحتياطي الإلزامي في «مصرف لبنان»، مؤكداً أنه لا يمكن المساس بها من غير تدخل تشريعي، وذلك بعدما أثار قراره عاصفة شعبية أشعلت الشارع، ودفعت بالسلطة إلى البحث عن مخارج بموازاة الهجوم على حاكم «المركزي» رياض سلامة.
وبعد أن استدعى الرئيس اللبناني ميشال عون الحاكم رياض سلامة إلى اجتماع في القصر الجمهوري، بموازاة اعتبار رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب قرار رفع الدعم مخالفاً للقانون، قال مصدر وزاري إن ثمة نقاشاً يجري لإعداد مشروع قانون من شأنه أن يتيح لـ«المصرف المركزي» مواصلة دعم المحروقات بعد أن قرر البنك رفع الدعم الذي استنزف خزائنه.
وكان «مصرف لبنان» أعلن أول من أمس أنّه سيقوم بتأمين الاعتمادات اللازمة المتعلقة باستيراد المحروقات باحتساب سعر الدولار على الليرة اللبنانية تبعاً لأسعار السوق. وهاجمت أطراف في الحكم حاكم «مصرف لبنان» بسبب القرار الذي أعلن في وقت متأخر أول من أمس الأربعاء ووصفته بأنه «تحرك أحادي ستكون له عواقب وخيمة في الوقت الذي يعاني فيه لبنان تحت وطأة انهيار اقتصادي».
ويقوم «مصرف لبنان» منذ عام 2019 بتأمين الدولار لاستيراد المواد الأساسية من محروقات وأدوية وطحين على أساس سعر الصرف الرسمي للدولار أي 1500 ليرة لبنانية، ولكن الحكومة اتخذت قراراً مؤخراً بتخفيض دعم المحروقات فرفعت دولار استيراده المدعوم من السعر الرسمي إلى 3900 ليرة بسبب تناقص احتياطي «مصرف لبنان» من العملات الأجنبية.
وشدّد عون خلال الاجتماع الذي جمعه بسلامة وعدد من الوزراء المعنيين، على أن قرار رفع الدعم له تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة تنعكس على الصعد كافة، لا سيما المعيشية منها وحاجات المواطنين اليومية، مطالباً سلامة بالتقيد بالنصوص في أي إجراء يتخذه وبالتنسيق مع السلطة الإجرائية التي أناط بها الدستور وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات. وبحث الاجتماع قانون البطاقة التمويلية وأسبابه الموجبة التي تربط رفع الدعم بإصدار هذه البطاقة وكذلك بالموافقات الاستثنائية عن مجلس الوزراء التي أجازت لـ«مصرف لبنان» استعمال الاحتياطي الإلزامي لفتح اعتمادات لشراء المحروقات ومشتقاتها.
وكان البرلمان اللبناني أقرّ مؤخراً قانون البطاقة التمويلية لمساعدة عشرات آلاف الأسر اللبنانية بمبلغ شهري نحو مائة دولار من المفترض أن تؤمن الحكومة تمويلها بـ566 مليون دولار من قروض البنك الدولي المخصصة لمشاريع غير منجزة.
وكان يفترض أن تكون هذه البطاقة التمويلية بديلاً لخفض برنامج دعم السلع الأساسية الذي يكلف الدولة 6 مليارات دولار سنوياً في وقت تراجع فيه احتياطي المصرف المركزي من العملة الصعبة، ولكن لم يصدر بعد مرسوم آلية تطبيق قانون البطاقة من قِبل الوزراء المعنيين.
وطلب عون من وزير الطاقة ضبط الكميات الموزعة من المحروقات وتلك المخزنة لعدم التلاعب بأسعارها واحتكارها، فيما أكّدت المديرية العامة للنفط أن أسعار الوقود ما زالت سارية وملزمة للشركات ومحطات البترول.
ورأى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أن حاكم «مصرف لبنان» اتخذ قرار رفع الدعم منفرداً، وأن «البلد لا يحتمل التداعيات التي ستطال كل شيء؛ بدءاً من لقمة عيش المواطنين، وصولا إلى مؤسسات الدولة التي ستكون مربكة في التعامل مع واقع جديد هي غير جاهزة له، فضلاً عن الرواتب وحضور الموظفين».
وقال دياب في اجتماع وزاري خصص لمناقشة قرار حاكم «مصرف لبنان» رفع الدعم: «سيكون علينا جميعاً في أي موقع، العمل بكل طاقاتنا من أجل احتواء قرار رفع الدعم وتقليل أضراره الكبيرة».
وكان دياب قبل الاجتماع وجّه كتاباً إلى وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني يطلب فيه إبلاغ حاكم «مصرف لبنان» بأن قراره رفع الدعم عن المحروقات مخالف للقانون الذي صدر عن مجلس النواب بشأن البطاقة التمويلية، ومخالف لسياسة الحكومة ترشيد الدعم.
ورد «مصرف لبنان» مدافعاً عن قراره، مشيراً في بيان إلى أن المصرف راسل الحكومة منذ شهر أغسطس (آب) 2020؛ «أي منذ نحو السنة بأنه لا يمكن قانوناً المساس بالتوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية لديه». وأكّد البيان أن «المساس بهذه التوظيفات يتطلب سن قانون جديد من مجلس النواب». وطالب بـ«الانتقال من دعم السلع التي يستفيد منها التاجر والمحتكر، إلى دعم المواطن مباشرة». وتراجع احتياطي الدولار في «مصرف لبنان» من 32 مليار دولار مع بدء الأزمة إلى ما بين 14 و15 مليار دولار، وفق أرقام صادرة عن مسؤولين.
وأدى قرار سلامة إلى موجة اعتراضات سياسية، رغم أن البعض عدّ أن الخطوة «لا مفرّ منها» على حد تعبير رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، بالنظر إلى أن «القسم الأكبر من المازوت والبنزين المدعوم يتم تهريبه إلى سوريا». واتهم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل سلامة بتنفيذ حرب اقتصادية «تقتل اللبنانيين». وشدّد على أن «سلامة هو حاكم البنك المركزي وليس حاكم الجمهورية اللبنانية ليتصرف وحده بقرارات استراتيجية ومصيرية تمس الأمن الاجتماعي للبلد وحياة المواطنين».
ورفضت كتلة «حزب الله» البرلمانية قرار سلامة، وقالت إنه يتعارض مع السياسات التي يطبقها البرلمان والحكومة. ودعا نواب الكتلة إلى توزيع بطاقات نقدية مدفوعة مسبقاً على الفقراء قبل اتخاذ أي خطوة أخرى لرفع الدعم عن أي سلع أساسية أو تقليصه.
ودعا علي حسن خليل (حركة «أمل») إلى وجوب «تأمين الحد الأدنى للناس كي تصمد، ويجب الإسراع فوراً بوضع البطاقة التموينية موضع التنفيذ كي يستطيع المواطن تأمين أقل حاجياته».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.