«جائزة المغرب للكتاب» تثير جدلا .. بعد حجبها عن «الشعر»

كتاب يتمنون لو أن اللجنة بررت قرارها بضعف الأعمال الشعرية المرشحة

حفل تسليم جائزة المغرب للكتاب برسم سنة 2015 والتي غاب عنها المتوج بـ{جائزة الشعر» بسبب قرار «لجنة الشعر» بحجبها (الشرق الأوسط)
حفل تسليم جائزة المغرب للكتاب برسم سنة 2015 والتي غاب عنها المتوج بـ{جائزة الشعر» بسبب قرار «لجنة الشعر» بحجبها (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة المغرب للكتاب» تثير جدلا .. بعد حجبها عن «الشعر»

حفل تسليم جائزة المغرب للكتاب برسم سنة 2015 والتي غاب عنها المتوج بـ{جائزة الشعر» بسبب قرار «لجنة الشعر» بحجبها (الشرق الأوسط)
حفل تسليم جائزة المغرب للكتاب برسم سنة 2015 والتي غاب عنها المتوج بـ{جائزة الشعر» بسبب قرار «لجنة الشعر» بحجبها (الشرق الأوسط)

خلال حفل تسليم «جائزة المغرب للكتاب»، برسم سنة 2015، الذي جرت مراسيمه، أخيراً، ضمن فعاليات معرض الدار البيضاء الدولي للنشر والكتاب، تم الاحتفاء بالفائزين في «العلوم الإنسانية» و«العلوم الاجتماعية» و«الدراسات الأدبية واللغوية» و«الترجمة» و«السرديات والمحكيات»، فيما حجبت «جائزة الشعر»، بقرار من «لجنة الشعر»، التي ضمت في عضويتها كلا من أحمد عصيد وياسين عدنان وحسن مخافي ومبارك وساط وإدريس بلامين، والتي كانت مطالبة بالفصل بين 31 عملا شعريا مرشحاً.
وتعتبر «جائزة المغرب للكتاب» أرفع الجوائز التي تمنحها وزارة الثقافة للإنتاجات الأدبية والفكرية والإبداعية المغربية؛ ويرى فيها المسؤولون «مناسبة لتكريم النبوغ المغربي وفرصة لإشراك عموم القراء والمهتمين في اختيارات لجن التحكيم والقراءة»؛ لذلك، كان يمكن لحجب «جائزة الشعر» أن يتم تقبله لو أن اللجنة بررت قرارها بضعف الأعمال الشعرية المرشحة، غير أن حيوية المشهد الشعري المغربي الراهن وأسماء الشعراء الفاعلين فيه وقيمة أعمالهم التي تخطت حدود الجغرافية المغربية بفوز عدد منها بجوائز عربية وعالمية، فضلا عن ما أعقب قرار الحجب من تصريحات وبيانات مضادة وبيانات حقيقة، بشأن دواعي اتخاذ هذا القرار وجدواه وتداعياته، بقدر ما أكد أن الشعر المغربي الراهن بخير، أظهر أن المشهد الثقافي المغربي في حاجة إلى القطع مع ممارسات يتشبث بها بعض المثقفين، مع أنها لا تنتصر أو تحتكم للإبداع.
والمثير في أمر حجب «جائزة الشعر» أن عددا من أعضاء «لجنة الشعر»، التي كان ينتظر منها أن تقرر في الفائز بجائزة هذا العام، سيدخل في «قصف» و»قصف مضاد»، خاصة بين أحمد عصيد وحسن مخافي، واتهام الأول للثاني بـ»ـتسريب مداولات اللجنة واعتماد التحيز السافر عوض الحياد الموضوعي»؛ قبل أن يدلي ياسين عدنان بشهادته، التي «ورطت» مخافي و»أنصفت» عصيد.
في شهادته، سيشدد عدنان على أن «أسوأ ما يمكن أن يقوم به شاعر هو أن يدعو إلى حجب جائزة شعرية مُعيدًا قيمتها المادية إلى الدولة عوض أن يستفيد منها أشباهُه الشعراء»، مبرزا أن الحجب «ليس تنقيصًا من قيمة القصيدة المغربية ولا تبخيسًا للدواوين المشاركة، لكن رغبة في الاحتجاج على فساد استشرى بما يكفي ليُطلَّ بعنقه دون خجل أو احتراز من داخل لجنة مسؤولة مُعرِّضًا مجهود أعضائها للتّتفيه وأشغالها للإرباك. لذلك تصوَّرْنا أنّ تجاوُز ما وقع في لجنة الشعر هذه الدورة، والاستمرار في اللعبة كأنَّ شيئًا لم يحدث، يُورّطنا في التواطؤ مع فساد يسهل انتقاده من الخارج فيما المطلوب اليوم محاصرَتُه من الداخل وفضحُه بكل الأساليب، وهذا ما حاولناه».
يعترف عدنان بأن «قرار الحجب كان صعبًا»، غير أنه سيجد المبررات الكافية لهذا القرار، حين قال: «لنكن واضحين قليلًا، إن لجنةً فشلت في أن تحمي مداولاتها لم تعد مؤهلة برأيي للحكم على تجارب الشعراء وتقييمها. هناك ميثاق أخلاقي تمّ هتكُه على نحوٍ سافر. صحيحٌ أن الريح باغتتنا من كوة واحدة، لكنها كانت كافية لتخلط كل الأوراق وتفسد المنهجية وتنقلنا بشكل مؤسف من نقاش الشعر والجماليات إلى درَكٍ لا يليق لا بالشعر ولا بالشعراء. قد نقدّر أن ثمّة من يملكون من القوة والحزم ما يجعلهم يتجاوزون هذه الاختلالات ويلتفُّون عليها. لكننا نحن رفضنا الاستمرار. فضلنا أن نُحرج الجميع ونحتجّ على وضع لا يشرّف أحدًا لكي نتيح للنقاش الجادّ أن يبدأ».
ولم ينس عدنان أن يتحدث عن قيمة الأعمال التي دخلت غمار المنافسة وسعادته بتميز عدد كبير منها: «فزتُ شخصيا بسياحة مذهلة في حدائق الشعر المغربي. غنًى في الأصوات وتنوّعٌ في الحساسيات مُدهش. محمد بنطلحة كالعادة كان متألقا. ديوانه الفاتن (أخسر السماء وأربح الأرض) دليلٌ قاطعٌ على أن الشعر المغربي يحتل مكانه البارز في ساحة الشعر العربي. أحببت (أرض الكنغر) لعبد القادر الجموسي و(لا أشرك بالعزلة أحدًا) لمحمد ميلود غرافي. وداد بنموسى كانت (خفقة قلب) هذه الدورة فنالت تعاطف اللجنة بالتوتر الوجودي الذي طبع ديوانها الأخير، أما عائشة البصري فاستثمرت تجربة المرض في ديوانها بشفافية عالية. يونس الحيول كان صوتا مفاجئا. فالرجل مروّضٌ محترفٌ للندم. خالد بودريف أسعدنا بديوان يعود بقارئه إلى الشطرية والتفعيلة لكن بلغة مشرقة جميلة ورشاقة لا يستطيعها إلا الشعراء المطبوعون. مصطفى الشليح أفحَمنا بوصاياه وبفخامة لغته أيضًا. (الوصايا) أول ديوان أقرأه له أنا الذي تلقّيتُه دائمًا من خلال العلم الثقافي. لست أدري لماذا أحسستُ وأنا أقرأه أنني عثرتُ فيه على ندٍّ للرّاحل محمد الطوبي. أحمد لمسيَّح في (قتلتني القصيدة) يواصل مساره الشعري بثبات. فالرجل صار معنيّا بالكتابة كأفق وليس برصف الكلام الفطري الموزون والمرصّع الذي كانَهُ الزجل قبل أن يبعث الله في المغاربة لمسيّح ومراد القادري. ومَن أيضًا؟ نبيل منصر بلُغَته الثرية وتجربته المنحازة بشكل تامّ إلى قصيدة النثر. ثم حسن مكوار الشاعر المغربي الكبير الذي أصدرت له جامعة محمد الخامس ديوانا شعريا ضخما من جزأين باللغة الانجليزية في 700 صفحة تقريبا يضمّ الأعمال الشعرية التي كتبها ما بين 1969 و2013.
أعرف أن وزارة الثقافة اختارتني لعضوية اللجنة أيضا لأنني ابن الأدب الإنجليزي. لهذا وجدت مسؤوليتي مضاعفةً واللجنة تستأمنني على ديوان حسن مكوار بالذات. من قال إن الشعر المغربي ليس بخير؟». ثم يمضي عدنان، في شهادته، قائلا: «المتن متنوّع، وحساسيات أعضاء اللجنة متباينة»، وبعد «نقاش حرّ مفتوح، لكن جدّيٍّ ومسؤول، انتخبنا على إثره ثلاثة دواوين: (أخسر السماء، وأربح الأرض) لمحمد بنطلحة، (ألهو بهذا العمر) لوداد بنموسى، و(وصايا.. لا تُلزِم أحدًا) لمصطفى الشليح». لكن، «حينما وصَلَنا، ونحن نستعد للذهاب إلى لقائنا الثالث الحاسم، إيميل من وزارة الثقافة يتضمّن رسالةً من رئيس الجمعية التي طبعت ديوان بنطلحة في فاس يلتمس فيها - لاعتبارات موضوعية (؟) - سحْب الديوان، أُسقِط في أيدينا ... ومع ذلك، يبقى قرار الحجب مؤسفًا ... الحجب نقمةٌ ما في ذلك شكّ. أما النّعمة التي في طيِّها فهي ما نرجوه من تحصين للجائزة في المستقبل ... لَأَنْ نقلب الطاولة كما فعَلْنا أفضلُ بكثير من أن نقدّم للشعر المغربي جائزة ملفّقة من بقايا زجاج مكسور».
ولم يبق الجدل حول حجب «جائزة الشعر» حبيس أعضاء اللجنة، إما بتبادل الاتهامات أو الخروج بشهادات توضح كرونولوجيا الأحداث التي سبقت القرار، بل ستتسع الدائرة لتشمل شعراء ونقادا ومهتمين بالشأن الثقافي المغربي، فيما أصدر «اتحاد كتاب المغرب» بيانا سجل فيه «بارتياح» أن قرار حجب «جائزة الشعر» لاعلاقة له، لا بقيمة النصوص الشعرية المرشحة، ولا بضعف المنجز الشعري بالمغرب، مطالبا الوزارة الوصية بــ»رد الاعتبار لـ «جائزة الشعر»، التي تم حجبها هذه السنة، درءا لكل التأويلات المعاكسة للصواب، والتي «قد تشكك في قيمة منتوج المشهد الشعري المغربي؛ بما راكمه من إنتاج إبداعي متميز، بأسمائه الكبيرة والوازنة، والمشهود لها وطنيا وعربيا ودوليا، بريادتها وحضورها وامتدادها في المشهد الشعري العام». كما دعا الاتحاد الوزارة إلى «مراجعة النصوص القانونية المنظمة للجائزة، بما في ذلك إعادة النظر في مسطرة تعيين لجانها»، مع مطالبتها بـ»الإسراع بإحداث جائزة أخرى كبرى»، هي «جائزة الدولة التقديرية»، تكريما لرموز الفكر والثقافة والأدب والفن، ممن «يتم تجاهلهم اليوم في وطنهم، في الوقت الذي يتم فيه الاعتراف بهم خارجه».



لن نسمح بعد الآن لأحد أن يسرق الحلم منا

علياء خاشوق
علياء خاشوق
TT

لن نسمح بعد الآن لأحد أن يسرق الحلم منا

علياء خاشوق
علياء خاشوق

«يسقط الطاغية (الثلج) الآن في مونتريال، والأشجار وقوفاً كالأشجار».

كانت هذه جملتي المفضلة التي أكررها في أغلب منشوراتي على «فيسبوك»، طيلة ثلاثة عشر عاماً منذ بداية الثورة السورية. كنت أدرّب نفسي، أو لنقل، أستعد لكتابة الجملة المشتهاة في اللحظة المشتهاة:

«يسقط الطاغية بشار الأسد الآن في دمشق، والسوريون وقوفاً كالأشجار».

ويا للهول، أتت اللحظة الفاصلة (اللحظة المعجزة)، تحررت سوريا من هذا العبء الثقيل. سقط النظام السوري المجرم، وأصبحت سوريا، ونحن السوريين معها، بخفة ريشة تتطاير في الهواء. نمسك الحلم (حلمنا) بأيدينا، ونخشى أن يتخلى عنا مرّة أخرى. لا لن يفعل، لن ندعه يفعل، لن نعطيه هذه الفرصة.

ولذا، عُدنا إلى تبني مفهوم التفاؤل، بعد أن غاب عنا عمراً طويلاً أمضيناه نلوك المرارة تلو المرارة، مجزرة تلو المجزرة. نموت بالآلاف، أشلاءً تحت وطأة البراميل المتفجرة. نغرق في بحار البلدان المجاورة ونحن نبحث عن أرض آمنة. تنجرح أصواتنا ونحن نطالب بمعتقلينا في سجون النظام. نخبر الله والعالم أجمع عما يحل بنا ثم نخبو في آخر اليوم، كل يوم، نتكور على أنفسنا مهزومين، نلوك الوجع، ويموت التفاؤل فينا مع كل غياب شمس، أكثر من سابقه.

ثم يأتي يوم الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، يأتي على هيئة بابا نويل، مرتدياً العلم السوري الأخضر. يهبط بعربته في أرض الشام. يفتح جعبته ويوزع الهدايا على كل سوري، صغيراً كان أم كبيراً.

بابا نويل يمسك بنا (نحن) الخِفاف كالريشة التي صرناها ويقترح علينا مصالحات. مصالحات مع المرارة، الهزيمة، الانتظار، اللاأمل، مع موتنا وأشلائنا، مع غرقنا، مع أصواتنا المجروحة ومع زمننا المقبل، الزمن السوري المقبل. جاء بابا نويل هذا (8 ديسمبر)، وتحت إبطه عقد لصفقة كبيرة تدعى «التفاؤل».

قال له السوريون: «أيها السيد المحترم بابا نويل، إنها صفقة رابحة ونحن اشترينا. كل ما نتمناه ألا تكون بضاعتك مغشوشة».

وقّعنا، بسرعة فرح الأطفال، عقد التفاؤل هذا ثم رقصنا وغنّينا وحوّلنا ساحات المدن (كل المدن التي تبعثرنا فيها منفيين ومهجرين)، حوّلناها إلى منصات لاحتفال حاشد واحد، نحمل فيه علمنا الأخضر وندور في شوارع العالم، معلنين حريتنا الغالية الثمن، وسوريتنا وطناً مسترداً من أيدي الطاغية.

يا للهول، يا للحظة المعجزة!

يا للهول، يا للبضاعة المغشوشة أيها البابا نويل المحترم! تفاؤلنا مخلوط بكمية هائلة من الحذر ومعقود على خوف، خوف من زمننا السوري المقبل.

الخوف؟ الحذر؟

ربما لأننا أبناء إمبراطورية الخوف... سوريا.

تقول صديقة كندية: الثلج هو وطني.

ترد صديقتي السورية: الخوف هو وطني، أنا أخاف من أن يمر يوم لا أخاف فيه.

يقف الآن زمننا السوري المقبل بمواجهتنا في مرآتنا. يسألنا عن نفسه فينا، يمد لنا يده، «فماذا أنتم فاعلون؟».

نطبطب على كتف التفاؤل، نحابي الحذر، نتجرأ على الخوف، ونعلن للعالم كله بصوت واحد: «طوبى لمن يشهد قيامة شعبه».

تبدأ المبادرات والدعوات لسوريا الدولة المدنية، سوريا دولة القانون، تمتلئ صدور السوريين بطاقة إيجابية للبناء وإعادة الإعمار، للمصالحات بين زمننا الماضي بكل ما فيه، وزمننا المقبل بكل تحدياته.

تعود إلينا سوريا محطمة، مسروقة، مريضة، مكسورة النفس، تشبه أولادها الذين خرجوا أخيراً من سجون النظام، يحملون تعذيبهم على أكتافهم، ويتركون ذاكرتهم وراءهم بعيداً بعيداً في معتقلاتهم.

كل الصور والأخبار التي يراها العالم اليوم، والذي وقف لمدة خمسة عقود ونيف، متفرجاً على آلام طريق الجلجلة السورية، كلها تعقد الألسن، تفتح أبواباً ونوافذ للحذر من مآلات التغيير، وترفع مسؤولية السوري إلى أعلى مستوياتها تجاه هذا الوطن الذي نسترده الآن حراً من الطغيان الأسدي.

يتصدر المشهد مجموعة ثوار إسلامويين، قطفوا اللحظة (المعجزة)، ويصدرون الوعود الإيجابية بسوريا جديدة لكل أهلها على اختلاف مشاربهم.

ينتظر العالم بأسره كيف سيتعامل هؤلاء الإسلامويون مع بابا نويل سوريا؟

السوريون هم الوحيدون مَن لن ينتظر بعد ذلك. لقد بدأوا بكتابة تاريخهم الجديد، ولن يسمحوا بعد الآن لأي هيئة أو جماعة أن تسرق الحلم.

نعم أيها التفاؤل، إنك صفقة رابحة، حتى ولو كانت مغشوشة.

* سينمائية سورية