قبل أقل من خمسة أشهر عن انتهاء المدة المحددة لبقاء السلطة التنفيذية في إدارة شؤون ليبيا، لا تزال الملفات الشائكة التي أُسندت إليها تراوح مكانها دون حل، وفي مقدمتها إخراج «المرتزقة» من البلاد، لكن تظل قضية توحيد المؤسسة العسكرية من أهم العقبات التي تواجه هذه السلطة في ظل التجاذب مع قيادة «الجيش الوطني» حول صفة (القائد الأعلى) للقوات المسلحة.
ووفقاً للاتفاق السياسي في جنيف، الذي رعته الأمم المتحدة، فإن المجلس الرئاسي مجتمعاً بقيادة الدكتور محمد المنفي ونائبيه عبد الله اللافي وموسى الكوني هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية، غير أن القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» برئاسة المشير خليفة حفتر، ومقرها مدينة الرجمة (شرق ليبيا)، التي اعترفت مبكراً بأن المجلس الرئاسي الجديد هو القائد الأعلى للجيش الليبي، عادت لتؤكد «عدم الخضوع لأي سلطة»، وهو ما يعد تصعيداً باتجاه تأزم توحيد المؤسسة العسكرية، من وجهة نظر مراقبين لتصاعد الأحداث، على الأقل قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المرتقبة قبل نهاية العام الجاري.
ويرى المراقبون أن الصراع المكتوم بين الجانبين بدأ يخرج إلى العلن، مع إعلان حفتر عن بناء 3 مدن كاملة المرافق في مدينة بنغازي، وتخصص 20 ألف وحدة سكنية لأسر «الشهداء والجرحى»، بالإضافة لتوفير فرص عمل لأبنائهم بعد تأهيلهم، بجانب قيامه بتعيين قادة عسكريين وإعادة تكليفات أول من أمس، الأمر الذي عدوه «صراع صلاحيات».
وأشاروا إلى أن السلطة التنفيذية، التي ربما أضاعت بعض الوقت، دون تكريس جهودها على مسار الانتخابات، سعت لحل كثير من المعضلات مثل إخراج «المرتزقة» والمقاتلين الأجانب من البلاد، لافتين إلى «أحقيتها وفقاً لمخرجات جنيف بإدارة شؤون البلاد، بما في ذلك صفة القائد الأعلى».
وفي إطار ما سماه المجلس الرئاسي «الدفاع عن اختصاصاته»، وجّه مطلع الأسبوع الجاري، تعليمات لجميع الوحدات العسكرية، بالتقيد بتعليماته كقائد أعلى للقوات المسلحة، فيما يخص الترقيات وتشكيل الوحدات العسكرية وتعيين آمري المناطق العسكرية وغيرها من اختصاصاته.
وأكد المجلس، في بيان رسمي، على هذه الاختصاصات، وقال إنها مسندة إليه وفقاً لمخرجات «ملتقى الحوار السياسي»، في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتشمل القيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي، ومضى قائلاً: «لا يجوز مخالفتها مهما كانت الظروف والأسباب».
غير أن طلال الميهوب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي استنكر بيان المجلس الرئاسي بخصوص صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد، واصفاً في تصريح صحافي حديث الرئاسي بـ«المحاولة البائسة» لعرقلة جهود المؤسسة العسكرية وسير عملها.
وقال الميهوب، إن صفة القائد الأعلى «لن تكون إلا لرئيس منتخب من قبل الشعب»، مشيراً إلى أن القوات المسلحة لن ترضخ لكل ما يصدر عن المجلس الرئاسي و«ستكون في الموعد إذا تكررت الاستفزازات».
وسبق للمتحدث باسم «الجيش الوطني» اللواء أحمد المسماري، القول في السادس من فبراير (شباط) الماضي، إن «المجلس الرئاسي الجديد هو القائد الأعلى للجيش الليبي حسب الاتفاق السياسي، تأسيساً على أن الجيش مؤسسة ككل المؤسسات الليبية ستتعامل مع أي سياسي وفقاً للقانون والإعلان الدستوري القائم حاليا، وسيكون هنالك تنسيق بين الجانبين»، لكن المشير حفتر خلال كلمة بمناسبة الذكرى الـ81 لتأسيس الجيش العربي الليبي، أنه (الجيش) «لن يقبل بالخداع باسم المدنية أو غيرها، ولن يكون خاضعاً لأي سلطة»، الموقف الذي انتقده مؤيدون للسلطة التنفيذية ورأوا أنه قد يُعيق مسار الانتخابات، فيما اعتبره عبد الرحمن الشاطر عضو المجلس الأعلى للدولة، تحدياً للمجلس الرئاسي.
وذكّر سعيد أمغيب عضو مجلس النواب، المؤيد لـ«الجيش الوطني»، ببنود مخرجات اتفاق جنيف التي نصت على أن سرت هي العاصمة المؤقتة للبلاد التي يجب أن يمارس منها المجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة الوطنية» عملهم منها ولم ينفذ، وقال في إدارج على صفحته على «فيسبوك»: «اعتبروا صفحة القائد الأعلى بنداً من ضمن البنود التي لم تنفذ».
وفي الخامس من فبراير الماضي، تمكن «ملتقى الحوار السياسي» الليبي الذي انعقد في جنيف، من انتخاب سلطة تنفيذية مؤقتة مكونة من المجلس الرئاسي ورئيس للحكومة تنتهي مهمتها بتوحيد المؤسسات وتهيئة الأجواء في البلاد لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وترى قيادات بـ«الجيش الوطني» أن قواته بذلت الكثير من الدماء خلال الأعوام السبعة الماضية في مواجهة (الجماعات الإرهابية)، قصد تطهير البلاد وإعادة الأمن والاستقرار إليها، وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي بـ«الجيش الوطني» اللواء خالد المحجوب، في تصريح صحافي، إن قوات الجيش لا تزال تتعقب فلول الإرهابيين وخصوصاً في جنوب البلاد، بغية تأمين المواطنين وحماية أرواحهم وممتلكاتهم، مشيراً إلى أن «مهام الجيش ستتواصل لحين تسليم الشعب الليبي زمام الأمور».
ويعول سياسيون ليبيون على دور الوسطاء الإقليميين والدوليين في التقريب بين الرئاسي والقيادة العامة للجيش، منوهين إلى الجهود التي بذلتها القاهرة منذ عام 2017 باتجاه توحيد الجيش الليبي. وقبل يومين ذهب السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، إلى أن حفتر يمكنه المساهمة في توحيد الجيش الليبي في البلاد.
صفة «القائد الأعلى» تفتح الجدل بين «الجيش الوطني» و«الرئاسي»
صفة «القائد الأعلى» تفتح الجدل بين «الجيش الوطني» و«الرئاسي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة