صفة «القائد الأعلى» تفتح الجدل بين «الجيش الوطني» و«الرئاسي»

المشير حفتر خلال إحياء الذكرى الـ81 لتأسيس الجيش العربي الليبي (موقع القيادة العامة)
المشير حفتر خلال إحياء الذكرى الـ81 لتأسيس الجيش العربي الليبي (موقع القيادة العامة)
TT

صفة «القائد الأعلى» تفتح الجدل بين «الجيش الوطني» و«الرئاسي»

المشير حفتر خلال إحياء الذكرى الـ81 لتأسيس الجيش العربي الليبي (موقع القيادة العامة)
المشير حفتر خلال إحياء الذكرى الـ81 لتأسيس الجيش العربي الليبي (موقع القيادة العامة)

قبل أقل من خمسة أشهر عن انتهاء المدة المحددة لبقاء السلطة التنفيذية في إدارة شؤون ليبيا، لا تزال الملفات الشائكة التي أُسندت إليها تراوح مكانها دون حل، وفي مقدمتها إخراج «المرتزقة» من البلاد، لكن تظل قضية توحيد المؤسسة العسكرية من أهم العقبات التي تواجه هذه السلطة في ظل التجاذب مع قيادة «الجيش الوطني» حول صفة (القائد الأعلى) للقوات المسلحة.
ووفقاً للاتفاق السياسي في جنيف، الذي رعته الأمم المتحدة، فإن المجلس الرئاسي مجتمعاً بقيادة الدكتور محمد المنفي ونائبيه عبد الله اللافي وموسى الكوني هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية، غير أن القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» برئاسة المشير خليفة حفتر، ومقرها مدينة الرجمة (شرق ليبيا)، التي اعترفت مبكراً بأن المجلس الرئاسي الجديد هو القائد الأعلى للجيش الليبي، عادت لتؤكد «عدم الخضوع لأي سلطة»، وهو ما يعد تصعيداً باتجاه تأزم توحيد المؤسسة العسكرية، من وجهة نظر مراقبين لتصاعد الأحداث، على الأقل قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المرتقبة قبل نهاية العام الجاري.
ويرى المراقبون أن الصراع المكتوم بين الجانبين بدأ يخرج إلى العلن، مع إعلان حفتر عن بناء 3 مدن كاملة المرافق في مدينة بنغازي، وتخصص 20 ألف وحدة سكنية لأسر «الشهداء والجرحى»، بالإضافة لتوفير فرص عمل لأبنائهم بعد تأهيلهم، بجانب قيامه بتعيين قادة عسكريين وإعادة تكليفات أول من أمس، الأمر الذي عدوه «صراع صلاحيات».
وأشاروا إلى أن السلطة التنفيذية، التي ربما أضاعت بعض الوقت، دون تكريس جهودها على مسار الانتخابات، سعت لحل كثير من المعضلات مثل إخراج «المرتزقة» والمقاتلين الأجانب من البلاد، لافتين إلى «أحقيتها وفقاً لمخرجات جنيف بإدارة شؤون البلاد، بما في ذلك صفة القائد الأعلى».
وفي إطار ما سماه المجلس الرئاسي «الدفاع عن اختصاصاته»، وجّه مطلع الأسبوع الجاري، تعليمات لجميع الوحدات العسكرية، بالتقيد بتعليماته كقائد أعلى للقوات المسلحة، فيما يخص الترقيات وتشكيل الوحدات العسكرية وتعيين آمري المناطق العسكرية وغيرها من اختصاصاته.
وأكد المجلس، في بيان رسمي، على هذه الاختصاصات، وقال إنها مسندة إليه وفقاً لمخرجات «ملتقى الحوار السياسي»، في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتشمل القيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي، ومضى قائلاً: «لا يجوز مخالفتها مهما كانت الظروف والأسباب».
غير أن طلال الميهوب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي استنكر بيان المجلس الرئاسي بخصوص صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد، واصفاً في تصريح صحافي حديث الرئاسي بـ«المحاولة البائسة» لعرقلة جهود المؤسسة العسكرية وسير عملها.
وقال الميهوب، إن صفة القائد الأعلى «لن تكون إلا لرئيس منتخب من قبل الشعب»، مشيراً إلى أن القوات المسلحة لن ترضخ لكل ما يصدر عن المجلس الرئاسي و«ستكون في الموعد إذا تكررت الاستفزازات».
وسبق للمتحدث باسم «الجيش الوطني» اللواء أحمد المسماري، القول في السادس من فبراير (شباط) الماضي، إن «المجلس الرئاسي الجديد هو القائد الأعلى للجيش الليبي حسب الاتفاق السياسي، تأسيساً على أن الجيش مؤسسة ككل المؤسسات الليبية ستتعامل مع أي سياسي وفقاً للقانون والإعلان الدستوري القائم حاليا، وسيكون هنالك تنسيق بين الجانبين»، لكن المشير حفتر خلال كلمة بمناسبة الذكرى الـ81 لتأسيس الجيش العربي الليبي، أنه (الجيش) «لن يقبل بالخداع باسم المدنية أو غيرها، ولن يكون خاضعاً لأي سلطة»، الموقف الذي انتقده مؤيدون للسلطة التنفيذية ورأوا أنه قد يُعيق مسار الانتخابات، فيما اعتبره عبد الرحمن الشاطر عضو المجلس الأعلى للدولة، تحدياً للمجلس الرئاسي.
وذكّر سعيد أمغيب عضو مجلس النواب، المؤيد لـ«الجيش الوطني»، ببنود مخرجات اتفاق جنيف التي نصت على أن سرت هي العاصمة المؤقتة للبلاد التي يجب أن يمارس منها المجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة الوطنية» عملهم منها ولم ينفذ، وقال في إدارج على صفحته على «فيسبوك»: «اعتبروا صفحة القائد الأعلى بنداً من ضمن البنود التي لم تنفذ».
وفي الخامس من فبراير الماضي، تمكن «ملتقى الحوار السياسي» الليبي الذي انعقد في جنيف، من انتخاب سلطة تنفيذية مؤقتة مكونة من المجلس الرئاسي ورئيس للحكومة تنتهي مهمتها بتوحيد المؤسسات وتهيئة الأجواء في البلاد لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وترى قيادات بـ«الجيش الوطني» أن قواته بذلت الكثير من الدماء خلال الأعوام السبعة الماضية في مواجهة (الجماعات الإرهابية)، قصد تطهير البلاد وإعادة الأمن والاستقرار إليها، وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي بـ«الجيش الوطني» اللواء خالد المحجوب، في تصريح صحافي، إن قوات الجيش لا تزال تتعقب فلول الإرهابيين وخصوصاً في جنوب البلاد، بغية تأمين المواطنين وحماية أرواحهم وممتلكاتهم، مشيراً إلى أن «مهام الجيش ستتواصل لحين تسليم الشعب الليبي زمام الأمور».
ويعول سياسيون ليبيون على دور الوسطاء الإقليميين والدوليين في التقريب بين الرئاسي والقيادة العامة للجيش، منوهين إلى الجهود التي بذلتها القاهرة منذ عام 2017 باتجاه توحيد الجيش الليبي. وقبل يومين ذهب السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، إلى أن حفتر يمكنه المساهمة في توحيد الجيش الليبي في البلاد.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».