جينات القطط... الأقرب إلى الجينوم البشري

قاسم مشترك آخر بين الإنسان والهررة

جينات القطط... الأقرب إلى الجينوم البشري
TT

جينات القطط... الأقرب إلى الجينوم البشري

جينات القطط... الأقرب إلى الجينوم البشري

أخضع العلماء الفئران إلى أبحاث ودراسات بهدف التوصل إلى علاجات وحلول لمشاكل الإنسان الصحية. ولكن جينوم الفئران يتسم بالفوضى الهيكلية. ففي مرحلة معينة من تاريخها التطوري، جرى خلط جينوم أجداد الفئران كما تخلط أوراق اللعب، ما أدى إلى تطور معمارية أخرى لديه تختلف عن المعمارية التي تجعل جينومات معظم الثديات الأخرى تبدو أنها تنتمي فعلاً للثديات.

جينوم مشوش

يقول بيل مورفي، عالم جيني في جامعة «تكساس إي اند أم»: «لا طالما اعتبرت جينوم الفئران واحدةً من أعظم الحالات الشاذة. فهو يختلف عن كل الجينومات المشيمية الأخرى الموجودة، وكأنه من القمر مقارنةً بكل شيء آخر موجود على الأرض».
لا تزال جينومات الفئران فعالة بشكل مذهل. فبفضل سنوات من العبث الحذر، ورسم الخرائط الدقيقة، وحالات التكاثر الهائلة، نجح الباحثون بفك الشيفرة الجينية للفئران بشكل عميق حتى أصبحوا قادرين على تكبير أو تصغير عمر هذه الحيوانات، وزيادة أو تقليص خطر إصابتها بالسرطان، للتوصل إلى نتائج لها تأثيرات ملحوظة على البشر. ولكن الفوضى الجينية الكبيرة التي تتميز بها الفئران تجعلها أقل ملاءمةً للأبحاث التي قد تساعدنا على فهم ترتيب وتخزين شيفراتنا الجينية البشرية. ولهذا السبب، اتجه الباحثون إلى نماذج دراسية أخرى بصعود درجة واحدة في السلسلة الغذائية.

جينات القطط

وقد تبين أن القطط تملك جينومات شبيهة بجينومات البشر لجهة الشكل والسلوك. تشرح ليسلي ليونز، خبيرة في جينيات القطط في جامعة ميسوري، أنه «عدا عن الرئيسيات، تعتبر مقارنة القط - الإنسان من أقرب المقارنات التي يمكن الحصول عليها».
تعمل كل من ليونز ومورفي، وكلاهما من أهم خبراء العالم في علم جينات القطط، على ترتيب مجالهما البحثي الصغير. فعلاوةً على الهندسة الجينية، تشاركنا القطط منازلنا ونظمنا الغذائية وسلوكياتنا، والكثير من آفاتنا المجهرية، وبعض أمراضنا المزمنة كالسكري ومشاكل القلب، المنتشرة في المجتمعات الغربية. تقول ليونز: «إذا نجحنا في تبيان أسباب حصول هذه الأمور لدى القطط، وليس غيرها من المخلوقات، قد يتمكن البشر والحيوانات التي تنتمي إلى هذه الفصيلة من تشارك بعض المكاسب الصحية أيضاً».
وتضيف ليونز أن «خطط جينومات القطط ترسم اليوم بشكل كامل وبتسلسل شبه مثالي»، لافتةً إلى أن هذه الخطوة طبقها الباحثون على البشر منذ وقت غير بعيد. وتساعد الجينومات المكتملة في صناعة المراجع – على شكل نصوص مكتوبة بدقة – يستخدمها العلماء دون صفحات بيضاء أو أدوات حذف تفسدها.
لا تستطيع القطط إبلاغنا عندما تمرض، ولكن توسيع استثمار جينوماتها قد يمهد الطريق لطب أكثر دقة لهذه الحيوانات، يستطيع البيطريون من خلاله تقييم المخاطر الجينية لأمراض مختلفة، والتدخل مبكراً، ما سيتيح لهم وضع تشخيصات سريعة بحسب ما أفادت إيلينور كارلسون، خبيرة بجينومات الفقاريات في معهد «برود».
ولأن البشر والقطط يبتلون أحياناً ببعض الأمراض المشتركة، يمكن لتحديد تركيبة القطط الجينية أن يساعد الإنسان أيضاً. ولفتت إميلي غراف، اختصاصية في علم الأمراض والجينات البيطريين من جامعة «أوبرن» الانتباه، إلى أن القطط قد تعاني، على سبيل المثال، من اضطراب عصبي شبيه بداء «تاي ساكس Tay - Sachs «وهو مرض خطير قد يسبب الوفاة لدى الأطفال. وتبين أن العلاج الجيني يتمتع بفعالية خارقة ضد هذا المرض لدى القطط، ولهذا السبب، يخطط زملاء غراف لصناعة علاج مشابه ولكن مناسب للأطفال المصابين به.

ركود الجينات البشرية

يرى ليونز أن جينوم القطط يمكن أن يدعم الأبحاث العلمية الأساسية أيضاً، مثلا للتحقق من نشاط الجينات.
تحتوي جميع خلايا جسدنا على جينومات متطابقة، ولكن نموها ومستقبلها التطوري يختلفان بشكل مذهل. يحاول الباحثون منذ عقود فك تعقيدات آليات هذه العملية التي تتطلب من بعض الخلايا إجبار بعض جيناتها على وقف نشاطها، واستخدام جينات أخرى بشكل مفرط. ويعد صمت واحدة من كروموسومات «إكس» في الخلايا الأنثوية واحداً من أبرز الأمثلة على هذه الظاهرة. يقول سود بيغلاي، عالم جينات في جامعة نيويورك: «لا زلنا لا نملك تفسيراً واضحاً حول كيفية عمل وركود الخلايا. إنه كروموسوم كامل».
يقف شلل الكروموسوم «إكس» خلف تحديد الطبقات اللونية لقطط الكاليكو. هذه القطط، وجميعها تقريباً من الإناث، تشهد طفرات جينية، إذ تحتوي إحدى كروموسومات «إكس» خاصتها على خلية برتقالية فروية وأخرى سوداء، ويحافظ كروموسوم واحد على نشاطه في أي خلية من خلاياها. يتحدد هذا الخيار في مرحلة مبكرة من نمو القطة، فتبقى الخلايا التي انقسمت عن هذه السلالات وفية للون الذي اختارته خلايا آبائها، ما يؤدي إلى ظهور بقع لونية كبيرة. يقول سانديب كالانتري، خبير في ركود الكروموسومات «إكس» في جامعة ميشيغان: «ساعدنا هذا الأمر في فهم أن كروموسومات «إكس» الراكدة كانت مستقرة نسبياً، وظلت مستقرة لجولات انقسام عدة. ولهذا السبب، تملك قطط الكاليكو هذه العلامة الفارقة الناتجة عن توقف نشاط الكرموسوم «إكس».
يمكن للجينومات أن تظهر عناداً شديداً فيما يتعلق بكروموسوم «إكس» ويمكنها أن تحافظ على جذورها حتى بعد نقلها إلى خلايا أخرى. كانت أول القطط المستنسخة «كاربون كوبي»، مطابقة جينياً لقط الكاليكو الأصلي «رينبو». إلا أن المستنسخ ولد مع تدرجات بنية وبيضاء يبدو أنها نتجت عن خلية تحتوي على آثار برتقالية من كروموسوم «إكس» رفض أن يعكس العملية.
لا يزال الكثير من التقلبات الجينية والكروموسومات الصامتة، واستمراريتها أو عدم استمراريتها النسبية في سياقات مختلفة، محط دراسة في أنواع حية مختلفة من قبل باحثين ككلانتري، الذي يعرض موقع مختبره الإلكتروني صورة لقط كاليكو. ولكن العلماء يعرفون منذ زمن طويل أن شكل وهيكل الجينوم، وترتيب الجينات الموجودة فيه، يحمل تفسيراً لكيفية تعبير محتوياتها عن نفسها.

جينات منظمة

يعتقد أن الجينوم البشري بمعظمه عبارة عن حواشي وتجميلات تحدد شكل قراءة ما تبقى منه، إذ يمكن لمقتطفات من الحمض النووي أن تدور وتنحني وتقطع مسافات طويلة لتشكيل بعضها البعض. يعد هذا واحداً من أبرز المجالات التي يمكننا فيها الاستعانة بالقطط، بحسب ليونز التي أضافت أنه «إذا كانت جينات القطط منظمة كجيناتنا، لعلها طريقة ترتيبها تكون نفسها أيضاً. وهنا، يمكننا الاستفادة من القطط أيضاً».
قد يشعر البعض بنوع من عدم الراحة لفكرة دراسة القطط في المختبرات، ولكن مورفي تؤكد أن الكثير من العمل الجيني يمكن أن يحصل دون أذى. فقد طور فريقها مهارات عالية في سحب كتل حمض نووي من خلايا وجنات القطط باستخدام فرش سلكية صغيرة يدخلونها إلى فم الحيوان.
توجد أيضاً حيل كثيرة للعمل مع الحيوانات الأليفة المحبوبة خصوصاً وأن الناس يحرصون غالباً على المساهمة، مباشرةً أو عبر الأطباء البيطريين الذين يعملون معهم، في هذا المجال. وعندما تمرض القطط، يستطيع الباحثون أخذ عينات منها، وفي حالات كثيرة، يساعدونها على استعادة عافيتها. تقول مورفي إن «حوالي 90 في المائة من الدراسات على القطط حصلت على نماذج أصيبت بالمرض بشكل طبيعي». وتجدر الإشارة إلى أن القطط المستخدمة في الأبحاث التي تجرى في مختبر ليونز في ميسوري، تذهب للتبني بعد تقاعدها من مهنتها العلمية.
تعتبر الفئران خياراً سهلاً وغير مكلف لناحية التربية في المختبرات، دون أن ننسى أن لها باعا طويلا في البحث العلمي، لذا من غير المرجح أن تتمكن القطط من التفوق عليها في هذا المجال، حتى أنها قد لا تنجح في تجاوز الكلاب التي تعمل مع البشر التي قدمت خدمات ومساهمات كبيرة في مجالات كثيرة، على حد تعبير جيتا غناناديسيكان، باحثة متخصصة بالكلاب في جامعة أريزونا. وكمتطوعين للأبحاث العلمية، تبدو القطط أكثر عناداً وتحفظاً. (الكلاب أيضاً لها جوانبها السلبية في هذا المجال. نعلم الكثير عن جينوماتها ولكن تربيتها وتكاثرها يتسم باختلاف جيني كبير يجعلها قليلة التنوع، ونموذج غير مناسب للبشر، على حد تعبير كارلسون).
ولكن الخبراء يشددون على أن القطط تتمتع بمكانة خاصة كعضو في نوع حي كامل قد يستفيد منه البشر لتكوين مفاهيم أفضل. وأخيراً، تختم غناناديسيكان: «في علم الجينات، يوجد هذا السؤال الضاغط: هل تحاولون معرفة كل شيء تستطيعون معرفته حول عدد صغير من الكائنات الحية، أو تتوسعون في البحث وتحاولون معرفة القليل حول عدد كبير من الأنواع الحية؟ أظن أن واحدةً من الإجابات هي فقط... نعم».
* «ذي أتلانتيك»،
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

من الرياض... مبادرة من 15 دولة لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت»

الخليج «منتدى حوكمة الإنترنت» التابع للأمم المتحدة تستضيفه السعودية بدءاً من اليوم الأحد وحتى 19 من الشهر الجاري (الشرق الأوسط)

من الرياض... مبادرة من 15 دولة لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت»

صادقت 15 دولة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الرقمي، على إطلاق مبادرة استراتيجية متعددة الأطراف لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت».

غازي الحارثي (الرياض)
يوميات الشرق الجهاز الجديد يتميز بقدرته على العمل ميدانياً مباشرة في المواقع الزراعية (جامعة ستانفورد)

جهاز مبتكر ينتِج من الهواء مكوناً أساسياً في الأسمدة

أعلن فريق بحثي مشترك من جامعتَي «ستانفورد» الأميركية، و«الملك فهد للبترول والمعادن» السعودية، عن ابتكار جهاز لإنتاج الأمونيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)

«نيويورك تايمز» تتحدث عن محنة العلماء الفلسطينيين

صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
TT

«نيويورك تايمز» تتحدث عن محنة العلماء الفلسطينيين

صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية

لعقود من الزمن كان السعي وراء مهنة علمية في الأراضي الفلسطينية محفوفاً بالمخاطر. ثم هاجمت «حماس» إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مما أشعل حرباً في قطاع غزة مستمرة منذ أكثر من عام.

حوار مع علماء فلسطينيين

ومع قصف إسرائيل وغزو غزة في حملة للقضاء على «حماس»، تم تدمير المدارس واضطر الطلاب إلى مواصلة دراستهم عن بُعد أو وقفها تماماً. أما الأطباء فقد عملوا في ظروف متدهورة على نحو متزايد. وشعر الفلسطينيون خارج المنطقة أيضاً بآثار الحرب.

وقد تحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أربعة فلسطينيين يعيشون في غزة والضفة الغربية والخارج، حول الصراع الذي يَلوح في الأفق بشأن أبحاثهم العلمية وعملهم الطبي: كما كتبت كاترينا ميلر(*).

د. أسيد السر

من فلسطين الداخل... نحو هارفارد

* أسيد السر (32 عاماً): في عام 1948، انتقلت عائلة الدكتور أسيد السر إلى غزة من حمامة، وهي قرية على أرض أصبحت الآن جزءاً من إسرائيل. وقال السر، وهو طبيب مقيم في الجراحة العامة وباحث في تكساس، إنه أكمل دراسته في كلية الطب في غزة عام 2016، ودرس في جامعة أكسفورد لبعض الوقت، ثم انتقل إلى جامعة هارفارد عام 2019 لإجراء بحث حول جراحة الصدمات الطارئة.

وقال إن الدراسة في أوروبا والولايات المتحدة تختلف عن الدراسة في غزة. فالوصول غير المحدود إلى الكهرباء والمياه والإنترنت أمر مفروغ منه، والسفر، في الغالب، غير مقيد. وقال: «كان هذا صادماً بالنسبة لي».

في غزة، اختار والدا السر مكان العيش بناءً على المكان الذي سيكون لديهم فيه وصول ثابت إلى الإنترنت، حتى يتمكن هو وإخوته من متابعة دراستهم. بالنسبة إلى الكهرباء، كان لديهم مولد للطاقة. وإذا نفد غازه، كانوا يعتمدون على الألواح الشمسية والشموع والبطاريات.

وتوفر الدراسة في الخارج مزيداً من الفرص. لفعل ذلك، كان على السر التقدم بطلب للحصول على تصاريح من الحكومات في إسرائيل ومصر والأردن وغزة. وقال إن العملية قد تستغرق شهوراً. واستغرق الأمر منه ثلاث محاولات للحصول على القبول في أكسفورد. تقدم بطلب للحصول على ما يقرب من 20 منحة دراسية وفاز بواحدة. ومع هارفارد، استمر في التقديم. وقال السر إن هذه المثابرة شيء تعلمه من العيش في غزة.

كان السر في تكساس في 7 أكتوبر 2023. لكنَّ عائلته عادت إلى منزلها في غزة، وتعيش بالقرب من مستشفى الشفاء. في العام الماضي، داهمت إسرائيل مستشفى الشفاء. ثم انتقلت عائلة السر المباشرة منذ ذلك الحين إلى الجنوب، ودُمرت منازلهم في غزة، كما قال، فيما كان يواصل تدريبه الطبي في تكساس.

د. وفاء خاطر

فيزيائية بجامعة بيرزيت

* وفاء خاطر (49 عاماً). نشأت وفاء خاطر في الضفة الغربية، وهي منطقة تقع غرب نهر الأردن تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. ثم انتقلت إلى النرويج لمتابعة دراستها للدكتوراه في الفيزياء بجامعة بيرغن.

أتيحت لها الفرصة للبقاء في النرويج بشكل دائم، لكنها عادت إلى الضفة الغربية للتدريس في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية ضد الاحتلال الإسرائيلي. تتذكر قائلةً: «قال لي جميع زملائي النرويجيين في ذلك الوقت: هل أنتِ مجنونة؟ لكنني قلت لهم: «هذا هو الوطن، وأنا في مهمة».

والآن، تعمل خاطر أستاذة في جامعة بيرزيت، وهي من أوائل الفلسطينيين الذين مارسوا مهنة دراسة طبيعة وسلوك الجسيمات دون الذرية. وقالت: «لم يتخيل كثير من الناس أبداً أن هناك علوماً توجد في فلسطين».

وأضافت أن غياب مجتمع بحثي صحي في الضفة الغربية المحتلة يحد من فرصها للتعاون العلمي، لذا فقد سعت إلى بناء شبكة. وقد دعت زملاء أوروبيين للتحدث في جامعات الضفة الغربية، ودفعت طلاب الفيزياء الفلسطينيين لحضور برامج بحثية صيفية في الخارج.

وقالت إن البحث النظري يمكن أن يزدهر في الضفة الغربية، لكنَّ «الفيزياء التجريبية ليست لها أي فرصة تقريباً». وأوضحت أن الجامعات تكافح لدفع ثمن المعدات والبنية الأساسية للمختبرات، وتعتمد على التبرعات.

مرصد جامعة بيرزيت

وقد افتُتح في عام 2015، وهو أحد المرافق الفلكية القليلة في الضفة الغربية. موَّله رامز حكيم، رجل أعمال فلسطيني - أمريكي. وقالت خاطر: «كانت هذه هي المرة الأولى التي يمكن فيها لطلابنا رؤية تلسكوب والنظر إلى السماء».

حتى عندما يتم تأمين التمويل، قد يكون من الصعب استيراد الأدوات التجريبية إلى الضفة الغربية وغزة، لأن بعض المعدات اللازمة للبحث يمكن استخدامها أيضاً لأغراض عسكرية. تصنف إسرائيل مثل هذه السلع على أنها «استخدام مزدوج» وتتطلب إذناً للمدنيين في الأراضي الفلسطينية لشرائها.

التدريس عن بُعد في الضفة الغربية

بعد هجوم 7 أكتوبر، بدأت خاطر وأعضاء هيئة التدريس الآخرون في جامعتها التدريس عن بُعد. وقالت إن زيادة نقاط التفتيش في الضفة الغربية، نتيجة للوجود العسكري الإسرائيلي المتزايد بعد هجوم «حماس»، جعلت من الصعب على الطلاب والأساتذة حضور الفصول الدراسية شخصياً. استؤنفت التدريس وجهاً لوجه بشكل محدود في الربيع الماضي. ولكن بعد ذلك في أكتوبر، بعد وقت قصير من شن إيران هجوماً صاروخياً على إسرائيل تسبب في سقوط الشظايا على الضفة الغربية، أعلنت بيرزيت أن واجبات التدريس والإدارة ستنتقل عبر الإنترنت من أجل السلامة.

أمضت خاطر الصيف في تدريس دورة فيزياء عبر الإنترنت للطلاب في قطاع غزة. وقالت إن تسعة عشر طالباً سجلوا، لكن أكثر من نصفهم تركوا الدراسة لأنهم يفتقرون إلى الكهرباء المستقرة أو الوصول إلى الإنترنت.

د. ضحى البرغوثي

طبيبة وابنة عالم في الفيزياء الفلكية

ضحى البرغوثي (25 عاماً). درست الدكتورة ضحى البرغوثي، وهي طبيبة باطنية في الضفة الغربية، الطب لمدة ست سنوات في جامعة القدس. أنهت عامها التدريبي أو التدريب بعد التخرج في أكتوبر من العام الماضي، قبل أسبوع واحد من اندلاع الحرب.

كان مستشفى «المقاصد» في القدس، حيث تدربت البرغوثي، على بُعد بضع دقائق فقط سيراً على الأقدام من منزلها. ولكن حتى قبل الحرب، كان عليها أن تغادر مبكراً لساعات للتنقل عبر نقاط التفتيش المطلوبة للوصول إلى العمل في الوقت المحدد. بعد 7 أكتوبر 2023، داهم جنود إسرائيليون مستشفى «المقاصد»، واعتقلوا المرضى من غزة وأقاربهم.

في أكتوبر الماضي، اعتُقل والد ضحى، عماد البرغوثي، وهو عالم فيزياء فلكية في جامعة القدس، ووُضع قيد الاعتقال الإداري، وهي ممارسة تُستخدم لاحتجاز الفلسطينيين دون توجيه اتهامات رسمية، للمرة الرابعة.

بعد اعتقاله الأول في عام 2015، منعته السلطات الإسرائيلية من مغادرة الضفة الغربية، وهو ما قالت ضحى البرغوثي إنه قيَّد فرصه في التعاون العلمي.

في بيان لصحيفة «نيويورك تايمز»، قال الجيش الإسرائيلي إن عماد البرغوثي اعتُقل بسبب شكوك في «العضوية والنشاط في جمعية غير قانونية، والتحريض والمشاركة في أنشطة تُعرِّض الأمن الإقليمي للخطر». فيما صرّح عالم الفيزياء الفلكية بأنه ليس منتمياً أو مؤيداً لـ«حماس».

بعد ستة أشهر من الاعتقال، أُطلق سراح والدها فيما وصفته البرغوثي بـ«ظروف صحية مروعة»، بما في ذلك فقدان الوزن الشديد، والاشتباه في كسر الأضلاع وتلف الأعصاب في أصابعه.

د. رامي مرجان (الى اليسار)

مركّبات جديدة مضادة للسرطان

* رامي مرجان (50 عاماً). وصف رامي مرجان، الكيميائي العضوي في الجامعة الإسلامية في غزة، حياته المهنية بأنها طريق مليء بالعقبات، حيث قضى سنوات في محاولة إنشاء مجموعة بحثية وقليل من الأدوات العلمية أو المواد الكيميائية التي يمكن استخدامها لإجراء تجارب متطورة. وكتب في نص لصحيفة «التايمز»: «ليست لدينا بنية أساسية للبحث».

يركز مرجان على إنشاء مركَّبات جديدة ذات تطبيقات محتملة في الأدوية المضادة للبكتيريا والفطريات والسرطان. وهو يستخدم التخليق متعدد الخطوات، وهي تقنية تخضع فيها المركّبات المبدئية لسلسلة من التفاعلات الكيميائية لتحويلها إلى المنتج النهائي المطلوب. تتطلب هذه العملية استخدام المذيبات والأجهزة لتحديد التركيب الكيميائي للمركب في كل خطوة، ولكن لأن كثيراً من هذه الأدوات تعدها إسرائيل معدات ذات استخدام مزدوج، فإن مرجان وزملاءه غير قادرين على أداء ذلك بشكل صحيح.

«غزة أجمل مكان في وطني»

تمكن مرجان من نشر بعض أعماله في المجلات الأكاديمية. لكنه قال إن نقص الموارد في غزة حدَّ من إنتاجه البحثي مقارنةً بأبحاث زملائه في الخارج.

وقد حصل على الدكتوراه من جامعة مانشستر في عام 2004، ثم عاد إلى غزة. وقال: «أردت أن أنقل الخبرة والمعرفة إلى شعبي». أجبره العنف على إخلاء منزله في مدينة غزة والانتقال إلى دير البلح، وهي مدينة في الجزء الأوسط من غزة تعرضت لإطلاق النار حيث استهدف الجيش الإسرائيلي ما قال إنها «مراكز قيادة وسيطرة» لـ«حماس» هناك.

واعترف مرجان بأن قراره العودة إلى القطاع منعه من تحقيق أحلامه في مهنة علمية. لكنه لم يندم على ذلك، وقال: «غزة هي أجمل مكان، وهي جزء صغير من وطني».

* خدمة «نيويورك تايمز»

اقرأ أيضاً