إصابات أميركا عند أعلى مستوياتها منذ 6 أشهر

ضعف التطعيم في ولايات الجنوب يتسبب في الارتفاع

سيدة تتلقى تطعيماً في مركز بولاية لويزيانا الجنوبية (رويترز)
سيدة تتلقى تطعيماً في مركز بولاية لويزيانا الجنوبية (رويترز)
TT

إصابات أميركا عند أعلى مستوياتها منذ 6 أشهر

سيدة تتلقى تطعيماً في مركز بولاية لويزيانا الجنوبية (رويترز)
سيدة تتلقى تطعيماً في مركز بولاية لويزيانا الجنوبية (رويترز)

تجاوز متوسط عدد الإصابات الجديدة بفيروس «كوفيد - 19» أكثر من 100 ألف حالة يومياً في الولايات المتحدة، ليصل إلى أعلى معدل له منذ ستة أشهر، وفقاً لبيانات جامعة جونز هوبكنز، التي أوضحت أن أكثر المصابين حالياً في ولايات الجنوب، حيث يتردد السكان في تلقي اللقاحات.
وكانت آخر مرة تجاوز فيها المتوسط اليومي في سبعة أيام 100 ألف حالة في 11 فبراير (شباط) الماضي. وسجلت البلاد أدنى مستوى لها عام 2021 من 11299 حالة يومية في 22 يونيو (حزيران) الماضي. وتصاعد الارتفاع في الإصابات، إلى حد كبير بين الأشخاص الذين لم يحصلوا على اللقاحات، مع انتشار متحور «دلتا» من فيروس «كورونا». ونظراً لأن نصف سكان الولايات المتحدة لا يزالون غير محصنين، ارتفع عدد حالات دخول المستشفى والوفيات أيضاً.
كان أكثر من 63250 مريضاً بـ«كوفيد - 19» في المستشفيات الأميركية الجمعة الماضي - وهو رقم مرتفع خلال عام 2021 من 16152 في 29 يونيو، وفقاً لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية. يأتي الارتفاع المزعج في الحالات والاستشفاء في الوقت الذي يعود فيه ملايين الطلاب إلى المدارس شخصياً. والمحادثات حول تفويضات الكمامة في المدارس تعمل مرة أخرى على تشكيل النقاش حول جهود التخفيف بين مسؤولي المدارس الحكومية والمحلية.
وفي فلوريدا، التي لديها أعلى معدل دخول إلى المستشفيات في البلاد بسبب فيروس «كوفيد - 19»، قال مسؤولو المدارس لشبكة «سي إن إن» السبت إنهم يريدون إبقاء طلابهم وموظفيهم في الكمامات. لكنهم قلقون من موقف التفويض المضاد للقناع الذي اتخذه الحاكم الجمهوري رون دوسانتيس، الذي هدد بسحب التمويل من المدارس التي تنفذ هذا الشرط. وقالت رئيسة اتحاد بروارد للمعلمين آنا فوسكو: «رأينا بالفعل أطفالاً مرضى هنا في مقاطعة بروارد. لدينا طالبة في المدرسة الثانوية تكافح من أجل حياتها بسبب (كوفيد)». وأضافت «الطلاب يموتون. والحصول على هذا التفويض بالأموال فوق رؤوسنا إذا مضينا قدماً في ذلك يظهر فقط، حقاً، قيادة ضعيفة لدى محافظنا».
وأصدر دوسانتيس أمراً تنفيذياً الأسبوع الماضي يخبر إدارات الصحة والتعليم بالولاية بوضع قواعد تمنع تفويضات أقنعة المدرسة المحلية. منذ ذلك الحين تم رفع قضيتين مختلفتين ضد الحاكم الجمهوري بسبب الأمر التنفيذي. قال رئيس جمعية فلوريدا التعليمية أندرو سبار إن بعض المناطق تفرض الكمامات، ولكنها تسمح للآباء بإلغاء اشتراك أطفالهم في الالتفاف على أوامر دوسانتيس.
وأعلن المشرف أديسون ديفيس في بيان أن مدارس مقاطعة هيلزبره العامة في تامبا ستتطلب تغطية الوجه عندما تبدأ المدارس، لكن سيكون لدى الآباء خيار الانسحاب. وقال: «في حين أن النتيجة قد تكون هي نفسها سواء جعلنا أغطية الوجه اختيارية أو مطلوبة مع إلغاء الاشتراك، فإننا نعتقد أن هذا القرار يستمر في توضيح أن مدارس مقاطعة هيلزبره العامة تأخذ السلامة العامة على محمل الجد»، مضيفاً أن الأقنعة اختيارية للموظفين.
كما تتبنى مدارس أورانج كاونتي العامة في أورلاندو نفس قاعدة الانسحاب للطلاب، ولكن سيُطلب من الموظفين والزائرين والمتطوعين وأولياء الأمور ارتداء الأقنعة.
وقامت فلوريدا بتطعيم 49.5 في المائة من إجمالي سكانها بشكل كامل، لكن معدل انتقال الفيروس لا يزال مرتفعاً، وفقاً للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها. وبشكل عام، يوصي مركز السيطرة على الأمراض بأن يرتدي الجميع - من الطلاب والمعلمين والموظفين والزوار - أقنعة في المدارس.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟