قرار الصدر القطعي بمقاطعة الانتخابات يضرب صميم الديمقراطية الهشة في العراق

TT

قرار الصدر القطعي بمقاطعة الانتخابات يضرب صميم الديمقراطية الهشة في العراق

في الوقت الذي كانت الأوساط السياسية العراقية المؤيدة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أو المناوئة له تراهن على أن انسحاب الصدر من الانتخابات ليس نهائياً وإن المرجح هو خيار عودته، أعلن المستشار السياسي له حسن العذاري مساء أول من أمس أن «قرار المقاطعة الذي اتخذه السيد مقتدى الصدر قطعي ولا رجعة عنه». العذاري أضاف أنه «لا يسمح لأي من أفراد التيار الصدري الترويج لأي من المرشحين».
الأسباب التي كانت تجعل المؤيدين للصدر يرجحون عودته هي حجم الضغوط التي مارستها ولا تزال تمارسها قيادات وزعامات سنية وكردية وشيعية معتدلة عليه لكي يعدل عن قراره، يضاف إلى ذلك أن مفوضية الانتخابات أعلنت أن أيا من القوى السياسية التي انسحبت لم تقدم أي طلب رسمي لسحب أوراق ترشيحها.
يذكر أن عدداً من الكتل السياسية أعلنت انسحابها بعد قرار الصدر كان في المقدمة منها الحزب الشيوعي العراقي، و«الوطنية» بزعامة إياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق، وجبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلك، نائب رئيس الوزراء الأسبق، وقوى أخرى أقل تأثيراً في الشارع.
وبالنسبة لمناوئي الصدر، سواء السياسيين منهم داخل البيت الشيعي أو خصومه العقائديين ممن كانوا في سنوات سابقة جزءاً من تياره قبل أن ينشقوا عنه، فإنهم حاولوا استفزاز الصدر في مسعى لحمله على عدم العودة تماماً. فهذه الجهات تقول سواء في تصريحات معلنة لبعض قواها أو عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي تمتلكها وتسمى في العراق «الجيوش الإلكترونية» إنه سبق لزعيم التيار الصدري أن أعلن في أوقات سابقة قرارات من هذا النوع ومن ثم تراجع عنها، وهي بذلك تريد أن تقول إن قراره الأخير لن يختلف عن قراراته السابقة وإنه مجرد مناورة سياسية. لكن المفاجأة الأكبر هي الإعلان أن القرار قطعي وهو ما يعني أن الجميع الآن في غياب الصدر وقعوا في ورطة سياسية نظراً للجمهور الكبير المطيع تماماً للصدر وإن كان هناك من يرى أن جمهور كل الأحزاب السياسية تغيرت قناعاته كثيراً ولم يعد يطيع مثلما كان عليه الأمر سابقاً بعد أن شعر هذا الجمهور أن كل القيادات في البلاد فشلت في تأمين الحد الأدنى من الأمان والعيش له.
أزمة أخرى سوف تفرض نفسها وهي اللعبة الديمقراطية الهشة أصلاً في العراق والتي لم يحترمها أحد برغم إعلان الجميع شكل الاحتكام إليها. ففي الوقت الذي أكملت فيه جميع القوى السياسية إجراءات تسجيلها الأصولية لدى مفوضية الانتخابات الأمر الذي دعاها إلى غلق باب الانسحابات منذ 20 يونيو (حزيران) الماضي فإن قرار زعيم التيار الصدري الانسحاب بعد غلق الباب رسمياً، مثل أول قدح في الديمقراطية العراقية التي اعتمدت صيغة التوافق والترضيات أكثر من التمسك بقواعد اللعبة الديمقراطية.
وفيما حاولت المفوضية تبرير انسحاب الصدر بوصفه لا يشمل الكتلة المسجلة لديها والتي سوف تخوض الانتخابات فإن سلسلة الانسحابات الأخرى التي تلت انسحاب الصدر وإعلانه الصريح أول من أمس عدم دعم أي مرشح كان بمثابة شرخ آخر في جدار هذه الديمقراطية الهشة.
في مقابل ذلك وبالتزامن مع تأكيد الصدر مقاطعته وانسحاب الكتل الأخرى فإن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي يعد الصدر أحد داعميه الكبار، التقى أمس قادة الكتل السياسية بحضور رئيسي البرلمان محمد الحلبوسي ومجلس القضاء الأعلى فائق زيدان ونائب ممثلة الأمم المتحدة في العراق. اللافت في الأمر أن الاجتماع أكد على الموعد المقرر لإجراء الانتخابات وهو ما يعني أنه نسف فرضية التأجيل التي كان يرجحها الكثيرون بعد انسحاب الصدر من منطلق أنه يصعب تغييب جمهور كبير مثل الجمهور الصدري، وهو ما يعني طبقاً لما يتخوف منه بعض المراقبين إمكانية حصول احتكاك شيعي - شيعي في المناطق التي تتقاسمها الأحزاب والفصائل المسلحة مع جماهير الصدر.
من جهته، يقول الرئيس الأسبق للدائرة الانتخابية في العراق مقداد الشريفي لـ«الشرق الأوسط» إن «الانتخابات المقبلة تبدو في وضع بالغ الصعوبة حيث إنه في الوقت يصعب إجراؤها في موعدها فإن التأجيل هو الآخر مشكلة بحد ذاته إن لم يكن كارثة». وحول كيفية الانسحاب بعد المصادقة على الأسماء، يقول الشريفي إن «الانسحاب بعد المصادقة على أسماء المرشحين لا يرتب أي أثر لأن أسماءهم تمت طباعتها في ورقة الاقتراع بما في ذلك الكتلة الصدرية». ورداً على سؤال حول كيفية إجراء الانتخابات في ظل غياب الجمهور الصدري، يقول الشريفي إن «جمهور التيار الصدري كان منذ البداية غير متحمس لإجراء الانتخابات وهو ما انعكس على وضع الكتلة والمرشحين». وبشأن شرعية الانتخابات في ظل العزوف الجماهيري المتوقع، يقول الشريفي إن «الانتخابات سوف يطعن فيها مع أن العزوف لا يقدح من الجانب القانوني والدستوري لكن يؤثر عليها من قبل المجتمع الدولي حيث سيكون هناك عدم ثقة من قبل المجتمع الدولي بالعملية الديمقراطية في البلاد».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.