منح مالية دولية للمؤسسات المتضررة من انفجار مرفأ بيروت

بموازاة تلبية مشاركي مؤتمر باريس للاحتياجات الإنسانية في لبنان

TT

منح مالية دولية للمؤسسات المتضررة من انفجار مرفأ بيروت

تزامناً مع بدء تحرك مكتب الأمم المتحدة في بيروت لتنفيذ خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية بعدما تعهد المانحون في المؤتمر الدولي الافتراضي الذي انعقد في الذكرى السنوية الأولى لكارثة تفجير المرفأ، بضخ نحو 378.5 مليون دولار لتغطية كلفتها، أعلن البنك الدولي عن توقيع اتفاقية المنحة الخاصة بصندوق B5، وهي تتضمن تخصيص تمويل بقيمة 25 مليون دولار لصالح صندوق إعادة بناء مؤسسات الأعمال في بيروت.
وسيقدم الصندوق منحاً مالية إلى نحو 4300 مؤسسة من مؤسسات الأعمال الميكروية والصغيرة لتغطية نفقات تتصل برأس المال العامل، والخدمات الفنية، والمعدات، وأعمال الترميم. وستشكل المؤسسات التي تمتلكها أو تقودها نساء نحو 30 في المائة من مجموع المؤسسات المستفيدة، وستحظى هذه بالدعم المادي والفني لمساعدتها على إعادة البناء على نحو أفضل. كما سيتم بذل الجهد أيضاً لتحديد ومساندة رواد الأعمال ومؤسسات الأعمال الذين أصيبوا بشكل مباشر أو غير مباشر بإعاقة من جراء الانفجار.
وفيما يؤمل أن تسمح التعهدات والمساهمات المقدمة حتى الآن للصندوق الائتماني، والتي يبلغ مجموعها 62.68 مليون دولار، يؤكد ساروج كومار جاه، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي، أن المجتمع الدولي يعمل سوياً لتلبية احتياجات التعافي الاجتماعي والاقتصادي لدعم الشعب اللبناني. وإن صندوق إعادة بناء مؤسسات الأعمال في بيروت على نحو أفضل هو الخطوة العاجلة الأولى لمد مؤسسات الأعمال بالدعم الحيوي وضمان قدرتها على الاستمرار في ظل الأزمات المتعددة التي تعصف بالبلاد. وذلك بفضل الدعم المالي الذي قدمته كندا والدنمارك والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا.
وقد تسبب الانفجار، بحسب معطيات وثقها البنك الدولي، بأضرار مادية كبيرة وخسارة موجودات ومخزونات نحو 10 آلاف مؤسسة أعمال مملوكة ملكية خاصة تقع ضمن 5 كيلومترات من موقع الانفجار. كما أثر الانفجار تأثيراً كبيراً على إنتاجية الشركات وقدرتها على تحقيق الإيرادات وأدى إلى تسريح عدد كبير من العمال وإلى موجات من الإفلاس. بحيث يساعد المشروع جهود الحفاظ على الوظائف في القطاع الخاص والحد من عمليات إغلاق المؤسسات وتسريح العمال.
ويظهر مسح سريع أجرته المؤسسة الدولية على مستوى الشركات، أن نحو 17 في المائة منها قد أغلقت بالفعل إغلاقاً دائماً أو مفترضاً، وأن 79 في المائة من الشركات شهدت تراجعاً في المبيعات بنسبة 69 في المائة كمعدل وسطي، بينما قلصت 61 في المائة من الشركات عدد موظفيها الدائمين بنسبة 43 في المائة. إضافة إلى ذلك، كشف المسح أن قرابة نصف الشركات التي غطاها في نطاق بيروت وأماكن مجاورة قد تضررت من الانفجار بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتجهد مؤسسات الأعمال المتضررة في عدد من القطاعات، لا سيما المؤسسات الميكروية والصغيرة والمتوسطة، لتمويل احتياجاتها لإعادة الإعمار والتعافي، وتجد صعوبة بالغة في استئناف تقديم الخدمات ما لم تحصل على مساعدات مالية عاجلة. في حين كشف الانفجار عن هشاشة القطاع المالي، بما يشمل القطاع المصرفي والتأمين والتمويل الأصغر، حيث تدهورت إمكانية الحصول على التمويل بشكل حاد. فضلاً عن استجابات محدودة للغاية من قِبَل السلطات اللبنانية على صعيد سياسات دعم تعافي القطاع المالي.
ومن اللافت تأكيد البنك الدولي أن تصميم الصندوق تم على صرف الأموال بطريقة شفافة وفي الوقت المناسب بشكل مباشر من خلال مؤسسات متخصصة وذات خبرة سابقة. وستتولى التنفيذ شركة «كفالات» التي تدير حالياً مشروع مساندة الابتكار في مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة الذي يموله البنك الدولي. كما ستكون شركة «كفالات» الجهة المسؤولة عن تنفيذ الأنشطة بوجه عام، والإدارة، واختيار الوسطاء، والرصد والتقييم، على أن تكون المهام والمسؤوليات والأداء الوظيفي ضمن معايير مقبولة من قبل البنك الدولي ومانحي الصندوق.
وفي الجانب الإنساني المتصل بالمؤتمر الدولي، أكدت الأمم المتحدة تعاونها مع المنظمات غير الحكومية للشروع بتنفيذ خطة الاستجابة للطوارئ في لبنان للعامين الحالي والمقبل، والتي توفر الدعم الإنساني المنقذ للحياة لنحو 1.1 مليون من اللبنانيين الأكثر ضعفاً والمهاجرين المتأثرين بالأزمة المستمرة، بعدما تأمنت تغطية التكلفة بمنح ومساعدات قدمها مؤتمر باريس الأخير بقيمة تصل إلى 378.5 مليون دولار.
ونبهت نجاة رشدي، منسقة الأمم المتحدة في بيروت إلى أن «لبنان يواجه تدهوراً خطيراً في الوضع الإنساني. وهو الأمر الذي حفز المشاركين، في المؤتمر الافتراضي الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ذكرى كارثة انفجار المرفأ، «الى تجديد دعمهم الجماعي لتلبية الاحتياجات الحرجة للفئات الأكثر ضعفاً بين اللبنانيين والمهاجرين المتضررين من الأزمة من خلال تقديم المساعدة المباشرة للنساء والأطفال والرجال الذين هم بأمس الحاجة إلى مساعدتنا، مع الحث على إيجاد حلول مستدامة للحد من انهيار البلاد».
وستكون مفاعيل الخطة مكملة لبرامج الأونروا وخطة لبنان للاستجابة للأزمة السورية بما فيها اللاجئون السوريون والفلسطينيون والمجتمعات المضيفة. علماً بأنه تم تطويرها كخطة طوارئ لمدة 12 شهراً تحت قيادة منسقة من قبل مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان وهيئات داعمة. وبذلك فهي خطة إنسانية محددة زمنياً تعنى بإنقاذ الأرواح ومساعدة المحتاجين. كما تهدف إلى تخفيف التوترات القائمة بين المجتمعات المختلفة في لبنان.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.