مواجهة «مسرحية» جديدة وهاجس الطرفين المحافظة على قواعد الاشتباك

TT

مواجهة «مسرحية» جديدة وهاجس الطرفين المحافظة على قواعد الاشتباك

انصب اهتمام المراقبين في لبنان على معرفة الوسيلة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي للرد على صواريخ «حزب الله» التي أطلقت صباح أمس نحو «مناطق مفتوحة» في مزارع شبعا المتنازع عليها، والتي بررها «حزب الله» بأنها أتت رداً على غارتين إسرائيليتين نفذتا فجر أول من أمس رداً على صواريخ مجهولة المصدر أطلقت باتجاه مناطق في شمال إسرائيل ولم تصب أهدافها.
وكان مهماً للجميع معرفة إذا كانت الطائرات الإسرائيلية شاركت في القصف، لمعرفة الرابح في عملية تحديد قواعد الاشتباك، بين الحزب وإسرائيل، التي يرى الحزب ضرورة المحافظة عليها، حتى لو خاطر بنشوب حرب لا يريدها الآن مع إسرائيل، حتى أن الحزب أصدر بياناً رسمياً في أعقاب عمليات الأمس ينفي فيه مشاركة الطائرات الإسرائيلية في القصف الذي استهدف أراض لبنانية غير مأهولة.
و«المواجهة الافتراضية» الأخيرة بين إسرائيل و«حزب الله» هي حلقة من مسلسل بين الطرفين منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000 على الأقل، والتي تحولت من بعدها «الحرب المفتوحة» بينهما إلى ما يشبه «رقصة التانغو» وباتت تحركاتهما محكومة بقواعد غير مكتوبة وغير معلنة اصطلح على تسميتها بـ«قواعد الاشتباك».
وحتى في خضم حرب لبنان الثالثة في عام 2006، كانت قواعد الاشتباك سارية المفعول، فالإسرائيلي رسم لنفسه مناطق محددة في بيروت وضواحيها، ولم يتخطها في عمليات القصف إلا نادراً، وكان معروفاً خلالها أن الطيران الإسرائيلي يقصف الجهة الغربية من شارع ما ولا يقصف الجهة الشرقية مثلاً، رغم أن المنطقتين تعتبران من مناطق نفوذ «حزب الله».
ويقول رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث العميد المتقاعد هشام جابر أن الطرفين يتفقان على احترام قواعد الاشتباك التي أرسياها في السنوات الماضية، والتي يبدو أن الخط الأحمر فيها هو عدم اندلاع الحرب بينهما، وهو ما يحاول الطرفان تجنبه بالممارسة، وإذا تمادى أحدهما «يذكره» الآخر بما يمكن أن تؤدي إليه، على غرار ما حصل في الجنوب خلال اليومين الماضيين. فرئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بنيت اختار أن يوجه رسالة إلى شعبه، بأنه مختلف عن سابقه بنيامين نتنياهو، فأوعز بغارة جوية على مناطق غير مأهولة في لبنان رداً على الصواريخ التي أطلقتها على الأرجح تنظيمات فلسطينية، وأتى رد «حزب الله» بالطريقة نفسها فاستهدف مناطق غير مأهولة، ورد بصواريخ دقيقة لا تصيب أهدافاً. واللافت في رد «حزب الله» أنه اختار أيضاً منطقة متنازعاً على ملكيتها، فلبنان يعتبرها أرضاً له، والإسرائيلي يعتبرها أرضاً سورية يحتلها، وبالتالي يتم تخفيف الحرج على الطرفين. وأتى الرد الإسرائيلي على رد «حزب الله» في الإطار نفسه مستهدفاً مناطق غير مأهولة في تلال بلدة كفر شوبا اللبنانية التي اعتاد الإسرائيلي أن «يفش بها خلقه» عند كل هجمة لـ«حزب الله».
ورغم أنه لا أهمية استراتيجية للقصف الجوي الإسرائيلي الذي استهدف الأراضي اللبنانية فجر أول من أمس، فإن الحزب أصر على الرد عليها، لعدم التسليم بحق إسرائيل في استخدام سلاح الجو في هذه المواجهات. ويقول العميد عبد القادر إن الحزب اضطر للرد للحفاظ على هيبته أمام بيئته الحاضنة، وللحفاظ على معنويات عناصره.
ومنذ البداية سعى الحزب إلى رسم قواعد اشتباك خاصة، فاعتبر أن مزارع شبعا لبنانية محتلة، وركز عمله العسكري فيها، محيداً المناطق الأخرى التي يشملها الترسيم الحدودي الذي جرى في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي في عام 2000، وحتى في خضم مواجهاته مع إسرائيل عام 2006 حاول الحزب فرض معادلة بقصف حيفا مقابل الضاحية الجنوبية لبيروت، وقصف تل أبيب مقابل بيروت.
وبعد مقتل 6 عناصر من «حزب الله»، من بينهم جهاد مغنية وقيادي عسكري إيراني في غارة إسرائيلية على الجولان السوري في 18 يناير (كانون الثاني) 2015، قام الحزب بعد 10 أيام باستهداف دورية إسرائيلية في مزارع شبعا. وبعد قصف إسرائيلي استهدف مبنى في بلدة جرمانا السورية أدى إلى مقتل القيادي في «حزب الله» سمير القنطار في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2015، رد الحزب في 4 يناير 2016 بعملية استهدفت آلية إسرائيلية على طريق بمزارع شبعا.
وبعد هجوم فاشل بطائرتين مسيرتين في ضاحية بيروت الجنوبية في 25 أغسطس (آب)2019، رد الحزب في الأول من سبتمبر (أيلول) بعملية عسكرية استهدفت آلية عسكرية في مستوطنة أفيميم أعقبها قصف إسرائيلي لمناطق حدودية. وقام الجيش الإسرائيلي آنذاك بـ«مسرحية» تمثلت بوضع دمى في سيارات مسيرة عن بعد تم تسييرها للسماح للحزب باستهدافها، فيخرج الطرفان راضيين من المواجهة.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.