المعارضة الموريتانية تقدم شروطها للدخول في حوار مع الحكومة

أبرزها عدم المساس بالدستور وتصريح الرئيس بممتلكاته

المعارضة الموريتانية تقدم شروطها للدخول في حوار مع الحكومة
TT

المعارضة الموريتانية تقدم شروطها للدخول في حوار مع الحكومة

المعارضة الموريتانية تقدم شروطها للدخول في حوار مع الحكومة

طرح المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، الذي يعد أكبر تشكيل سياسي معارض في موريتانيا، وثيقة جديدة تضمنت شروطه للدخول في حوار سياسي جديد مع الحكومة.
وتعد الوثيقة الجديدة ردا على وثيقة مماثلة، سبق أن قدمتها الحكومة للمعارضة تدعوها للدخول في «حوار سياسي من دون أي خطوط حمراء». لكن الحوار الجديد يواجه صعوبات كبيرة، بسبب ما يقول مراقبون إنه «أزمة ثقة» متواصلة بين الحكومة والمعارضة الراديكالية، ممثلة في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وذلك ما بدا جليا في تأخر رد منتدى المعارضة على دعوة الحكومة للحوار، نتيجة لخلافات داخلية بين أطراف المعارضة حول الضمانات والشروط التي يجب أن تطرح قبل الشروع في الحوار.
وبحسب ما كشف عنه مصدر داخل منتدى المعارضة لـ«الشرق الأوسط» فإن الوثيقة الجديدة، التي لم يعلن عنها بشكل رسمي، تضمنت عدة محاور، وفي مقدمتها «محور الممهدات»، ثم محور آخر يتحدث عن «اتفاق الإطار»، قبل أن تختم الوثيقة بمحور يتناول القضايا التي سيتم نقاشها على طاولة الحوار.
وبحسب المصدر نفسها، الذي فضل حجب هويته، فإن محور الممهدات شمل 10 نقاط يجب على الحكومة تطبيقها «لإعادة بناء الثقة بين الطرفين»، وفي مقدمة هذه النقاط هناك عدم المساس بالدستور الموريتاني، وقضية تصريح الرئيس بممتلكاته أمام الرأي العام، وخفض الأسعار، خاصة أسعار المحروقات، وكذا تسوية وضعية كتيبة الحرس الرئاسي من خلال دمجها في الجيش الوطني، بالإضافة إلى فتح وسائل الإعلام العمومية أمام جميع الفرقاء السياسيين.
في غضون ذلك، شمل محور «الممهدات» نقاطا تتعلق بالاحتجاجات والإضرابات التي تشهدها موريتانيا منذ أكثر من شهر، حيث تشترط الوثيقة تسوية أزمة إضراب عمال الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) قبل الدخول في أي حوار سياسي مع الحكومة، بالإضافة إلى التراجع عن قرار طرد عدد من طلاب كلية الطب بجامعة نواكشوط بسبب إضراب نظموه الشهر الماضي.
ويشير مراقبون إلى أن الممهدات التي تطالب بها المعارضة تضمنت نقاطا «تعجيزية» للنظام، خاصة تلك المتعلقة بوضعية كتيبة الحرس الرئاسي، وتصريح الرئيس بممتلكاته أمام الرأي العام، فيما تثير نقطة عدم المساس بالدستور خلافا داخل المعارضة نفسها، إذ إن هناك أطرافا في المعارضة تسعى إلى تغيير الدستور من أجل رفع سن الترشح للانتخابات الرئاسية حتى تتمكن بعض قيادات المعارضة من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة (2019).
وتضمن المحور الثاني من وثيقة منتدى المعارضة نقاطا موجهة إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بشكل شخصي للتوقيع عليها، ومن أبرزها تشكيل حكومة توافقية ذات صلاحيات واسعة لتطبيق النتائج التي سيسفر عنها الحوار المرتقب، وهو المطلب الذي ظل إلى وقت قريب محل رفض من طرف الرئيس، فيما أكد منتدى المعارضة التزامه بدعم هذه الحكومة التوافقية إلى أن تكمل مهمتها.
من جهة أخرى، تدعو الوثيقة في محورها الثاني رئيس الجمهورية إلى الالتزام بالوقوف المسافة نفسها من جميع الفرقاء السياسيين، وبناء نظام قضائي مستقل، وتعيين شخصيات توافقية على المؤسسات الإعلامية العمومية. وفي المحور الأخير من وثيقة منتدى المعارضة يستعرض الأخير ما يقول إنها محاور الحوار المرتقب، وفي مقدمتها «ملف الوحدة الوطنية»، بالإضافة إلى ملفات أخرى ترتبط بما يقول المنتدى إنها «قضايا فساد» تورطت فيها الحكومة، لكن المنتدى يؤكد في وثيقته أن مناقشة هذه النقاط مرتبطة بتنفيذ جميع الالتزامات الواردة في المحورين الأول والثاني، قبل أن يقول في وثيقته: «إن أي إخلال بهذه الالتزامات يعطي الطرف الآخر حق التنصل من التزاماته تجاه الحوار».
ومن المنتظر أن تسلم الوثيقة، التي وقعت عليها أطراف المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، أمس، في غضون أيام إلى الحكومة الموريتانية، ممثلة في الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية مولاي ولد محمد لقظف، وهو الوزير المكلف إجراء الاتصالات مع المعارضة بخصوص الحوار المرتقب. وقد سبق للناطق الرسمي باسم الحكومة إيزيد بيه ولد محمد محمود أن أكد في تصريحات صحافية، مساء أول من أمس، أن الحكومة «تفتح الباب على مصراعيه أمام الحوار مع المعارضة، ومن دون أي خطوط حمراء، لكنها لن تقبل بوضع أي شروط استباقية للحوار، أما الضمانات فلا مانع من القبول بها لخلق جو من الثقة».
وأضاف ولد محمد محمود أن الحكومة قدمت وثيقة متكاملة حول الحوار إلى المعارضة قبل شهرين، مضيفا أن «الكرة الآن أصبحت في مرمى المعارضة، والحكومة تنتظر الرد»، وفق تعبيره.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.