ماكرون ينجح في «تعبئة دولية» لدعم اللبنانيين وينتقد رهان السياسيين على «تهرّؤ الوضع»

وزير الخارجية السعودي: هيمنة «حزب الله» السبب الرئيسي لمشكلات لبنان

الرئيس ماكرون متحدثاً في المؤتمر أمس (إ.ب.أ)
الرئيس ماكرون متحدثاً في المؤتمر أمس (إ.ب.أ)
TT
20

ماكرون ينجح في «تعبئة دولية» لدعم اللبنانيين وينتقد رهان السياسيين على «تهرّؤ الوضع»

الرئيس ماكرون متحدثاً في المؤتمر أمس (إ.ب.أ)
الرئيس ماكرون متحدثاً في المؤتمر أمس (إ.ب.أ)

أسفر «المؤتمر الدولي الثالث لدعم الشعب اللبناني» الذي دعت إليه فرنسا ورعته الأمم المتحدة عبر تقنية «الفيديو كونفرنس» عن توفير وعود بمساعدات للبنان بلغت قيمتها 370 مليون دولار، وهي تتخطى الاحتياجات التي قدرتها المنظمة الدولية بـ357 مليون دولار. ونجح الرئيس إيمانويل ماكرون في «تعبئة دولية واسعة» من أجل لبنان، ضمت 40 دولة ومنظمة إقليمية ودولية، وحققت الأهداف التي حددتها الأمم المتحدة وفرنسا.
وحرص البيان الختامي للمؤتمر على الإشارة إلى أن المشاركين شددوا على طبيعة المساعدة «الإضافية» التي «لا تشكل الحل الدائم للصعوبات التي يواجهها لبنان؛ بل فقط لإنقاذ حياة الأشخاص المعرضين» للخطر. وعدّ البيان أن «المسؤولية تقع على عاتق القادة السياسيين في لبنان الذين عجزوا (حتى اليوم) عن تشكيل حكومة جديدة قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة لتشكيل حكومة»، وتضمن البيان ترحيباً بتكليف الرئيس نجيب ميقاتي «لغرض إنقاذ البلاد» بحيث تكون «مهمة الحكومة المباشرة التفاوض مع صندوق النقد الدولي والتحضير للانتخابات التي يتعين أن تجرى في موعدها وأن تحدث بشكل شفاف وحيادي».
وشكل المؤتمر «مضبطة اتهام» للطبقة السياسية اللبنانية. وهاجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المسؤولين والسياسيين. وأعلن وقوف فرنسا الدائم إلى جانب اللبنانيين وتوفير 100 مليون يورو للأشهر الـ12 المقبلة، إضافة إلى تقديم 500 ألف لقاح ضد «كوفيد19». إلا إنه أكد على أن المساعدة ستذهب مباشرة إلى الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني وفق الآلية التي أقرتها الأمم المتحدة. وأكد ماكرون على ضرورة توفير «الشفافية» وهي الكلمة التي استخدمها 10 مرات. وقال: «نحن مستمرون على السهر كي يذهب دعمنا مباشرة إلى الشعب اللبناني بشكل شفاف ويمكن التأكد منه وفق آلية متابعة كافية».
وفي السياق عينه، شدد ماكرون على ضرورة التزام «الشفافية والحياد» في سبل استخدام قرض الـ246 مليون دولار الذي يمكن أن يحصل عليه لبنان من البنك الدولي لبناء شبكة «أمان اجتماعي» في ظل غياب الدولة... «والأمر نفسه يتعين أن ينسحب على استخدام الـ860 مليون دولار التي سيحصل عليها من صندوق النقد الدولي من خلال ما تسمى (حقوق السحب الخاصة)». وأصر ماكرون على أن يتم استخدامها تماشياً مع «توجهات مجموعتي (السبع) و(العشرين)» دون توفير مزيد من الإيضاحات. ودعت مديرة صندوق النقد، كريستالينا جيورجيفا، إلى استخدام هذا المبلغ الذي «لا يستهان به» بـ«شكل مسؤول وحصيف»، فيما يمر لبنان بمرحلة «حرجة».
وتوجه ماكرون إلى الرئيس ميشال عون وعبره إلى كل المسؤولين لتقريعهم والتأكيد على أن أزمة لبنان «ليست قضاءً وقدراً؛ إنما إفلاس فردي وجماعي وتعطيل (للمؤسسات) لا يمكن تبريره، وتهرّؤ نموذج (للحكم) أشاح بوجهه عن خدمة الشأن العام». واستطرد ماكرون قائلاً إن «مجمل الطبقة السياسية ساهم في تعميق الأزمة من خلال تقديم مصالحه الفردية والحزبية على مصالح الشعب اللبناني» ليصل إلى اتهام السياسيين بـ«المراهنة على تهرّؤ الوضع»، ووصف ذلك بـ«الخطأ التاريخي والأخلاقي». وكما في كل مرة؛ حث الرئيس الفرنسي الطبقة السياسية على تشكيل الحكومة الموعودة فهو «أولوية الأولويات» من أجل القيام بالإصلاحات المطلوبة التي «ستتيح للأسرة الدولية أن تدعم لبنان بشكل أوسع». واتهم السياسيين بالإخلال بالتزاماتهم وبتبديد فرصة الاستفادة مما قرره مؤتمر «سيدر» والمليارات الـ11 التي وعدت بها بيروت مقابل الإصلاحات، عادّاً أن لبنان «يستحق وضعاً أفضل من الذي يعيش فيه معولاً على تضامن الأسرة الدولية».
ونبه ماكرون «المسؤولين اللبنانيين» إلى أن باريس ومعها العواصم الأوروبية وغير الأوروبية (الأميركية) ستكون «حازمة» في التعاطي معهم، مذكراً بأنها فرضت عقوبات على سياسيين فيما الاتحاد الأوروبي أقر «نظام عقوبات خاصاً بلبنان». ونوه ماكرون بأن فرنسا والدول الأخرى «وفرت ما تمتلكه من معلومات، وهي جاهزة لتقديم أي مساعدة تقنية»، وبأن «من حق الشعب اللبناني أن يعرف حقيقة ما حدث بكل شفافية». ورسالته الأخرى للسياسيين أن النظام السياسي اللبناني «لن يعطى أي شيك على بياض» مما يعني ضمناً تأكيد اتهامات الفساد واستغلال المال العام.
وترأس الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، وفد المملكة المشارك في المؤتمر عبر الاتصال المرئي، بمشاركة المستشار بالديوان الملكي المشرف العام على «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الربيعة. وعبر الأمير فيصل بن فرحان عن تضامن السعودية المستمر مع الشعب اللبناني في أوقات الأزمات والتحديات، مؤكداً محافظة المملكة على مساهماتها المستمرة لإعادة إعمار لبنان وتنميته.
وقال وزير الخارجية السعودي: «المملكة من أوائل الدول التي استجابت لتقديم المساعدات الإنسانية للبنان بعد الانفجار المروع الذي وقع قبل عام تحديداً، في مرفأ بيروت، من خلال (مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية)، الذي يواصل تنفيذ برامجه في بيروت حتى يومنا هذا».
وأوضح أن إصرار «حزب الله» على فرض هيمنته على الدولة اللبنانية هو السبب الرئيسي لمشكلات لبنان، وحث السياسيين اللبنانيين من جميع الأطراف على «تأدية واجبهم الوطني لمواجهة هذا السلوك، تحقيقاً لإرادة الشعب اللبناني في مكافحة الفساد وتنفيذ الإصلاحات اللازمة».
وجدد تأكيد المملكة على أن أي مساعدة تقدم إلى الحكومة اللبنانية الحالية أو المستقبلية «تعتمد على قيامها بإصلاحات جادة وملموسة، مع ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، وتجنب أي آلية تمكن الفاسدين من السيطرة على مصير لبنان». وأضاف: «يقلقنا أن التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت لم تسفر بعد عن أي نتائج ملموسة».
وشارك الرئيس الأميركي جو بايدن عبر تسجيل فيديو نبه فيه إلى أن «كل هذه المساعدات الخارجية لن تكون كافية إذا لم يلتزم القادة اللبنانيون بالقيام بالعمل الصعب؛ إنما الضروري، لإجراء الإصلاحات الاقتصادية ومكافحة الفساد». وشدد بايدن على ضرورة «قيام حكومة بشكل سريع، للعمل على أولوية وضع لبنان على طريق النهوض، وإذا اختار القادة اللبنانيون هذا الخيار، فسيجدون الولايات المتحدة إلى جانبهم في كل خطوة لبناء مستقبل واعد أقوى، وليس هناك وقت لإضاعته. ونحن هنا لمساعدتكم إذا التزمتم بتعهداتكم». وأعلن بايدن عن تقديم مساعدة بـ100 مليون دولار للبنان تضاف إلى الـ560 مليون دولار التي سبق لواشنطن أن قدمتها. ولم تعرف المدة الزمنية التي يغطيها المبلغ المذكور.
وكرر الرئيس ميشال عون التزامه بأن «يذهب القضاء إلى النهاية في التحقيق والمحاكمات حتى تبيان الحقائق وتحقيق العدالة المنشودة». وعدّ عون أن لبنان «لم يعد بإمكانه انتظار الحلول الإقليمية ولا الكبرى». وفي إشارته إلى الأزمة الحكومية، قال عون إن «البلاد غرقت لأشهر خلت في أزمة سياسية طغت فيها للأسف تفاصيل التشكيل على المشروع الإنقاذي للحكومة». ورداً على تحذيرات ماكرون وجيورجيفا، سعى إلى الطمأنة لجهة كيفية استخدام المبلغ العائد للبنان من حقوق السحب الخاصة، واعداً بتوظيفه بـ«أفضل طريقة لمواجهة الانهيار وبدء الإصلاحات».
وحذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بأنه «لا يمكن لنا الانتظار ورؤية اللبنانيين يقتربون من الهاوية، ويجب أن نقدم المساعدات الإنسانية والصحية والغذائية، ولا يجب أن ننسى أيضاً أن اللبنانيين يستضيفون أيضاً لاجئين يعيشون بدورهم في ظروف صعبة». كذلك شدد على أهمية المؤسسات اللبنانية من أجل توفير الاستقرار ودعم القوى الأمنية، لافتاً إلى الحاجة لـ«مساعدة دولية منسقة تتخطى الحدود الجغرافية للبنان لتصل إلى المنطقة بأكملها».
وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن «أيادي مصر ممدودة إلى المجتمع الدولي للتكاتف وتسخير كافة إمكاناتنا لدعم لبنان، وبناء مستقبل أفضل لشعبه». وأضاف أن «لبنان ما زال قادراً بعزيمة أبنائه على النهوض من الكبوة الحالية». وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، أمس، إن «الرئيس السيسي وجّه رسالة للشعب اللبناني بأن لبنان الذي كان دائماً منارة للثقافة والفن والفكر، ورافداً مهماً من روافد الإبداع العربي، ما زال قادراً بعزيمة أبنائه على النهوض من الكبوة الحالية، والعودة مجدداً ليكون مزدهراً وفريداً كما نحب أن نراه».



كيف سترد إدارة ترمب على الحوثيين هذه المرة؟

زعيم الحوثيين استغل أحداث غزة لتجنيد آلاف اليمنيين (أ.ف.ب)
زعيم الحوثيين استغل أحداث غزة لتجنيد آلاف اليمنيين (أ.ف.ب)
TT
20

كيف سترد إدارة ترمب على الحوثيين هذه المرة؟

زعيم الحوثيين استغل أحداث غزة لتجنيد آلاف اليمنيين (أ.ف.ب)
زعيم الحوثيين استغل أحداث غزة لتجنيد آلاف اليمنيين (أ.ف.ب)

غداة التهديد الحوثي الأخير بعودة الهجمات الحوثية المزعومة ضد إسرائيل، تصاعدت التساؤلات اليمنية عن الطريقة التي ستتخذها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد الجماعة المدعومة من إيران.

ويرى سياسيون يمنيون أن الولايات المتحدة سترد بطريقة أشد ردعاً على هجمات الحوثيين، إذا ما نفَّذت الجماعة تهديدها بالعودة إلى قصف السفن في البحر الأحمر وخليج عدن؛ حيث تزعم أنها في موقف الدفاع عن الفلسطينيين في غزة.

ويبدو أن زعيم الجماعة المدعومة من إيران، عبد الملك الحوثي، يسعى لاختبار ردة الإدارة الأميركية الجديدة؛ إذ هدد، مساء الجمعة، بأن جماعته ستعود لمهاجمة السفن بعد 4 أيام، إذا لم تسمح إسرائيل بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، ضمن ما نصّت عليه المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.

وكانت إسرائيل وحركة «حماس» توصلتا، بوساطة قطرية ومصرية وأميركية، إلى اتفاق لوقف النار وتبادل الأسرى بدأ سريانه مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي. ومنذ ذلك الحين، توقف الحوثيون عن هجماتهم ضد السفن وباتجاه إسرائيل، مع تهديدهم بالعودة إليها في حال فشل الاتفاق.

وتقول الحكومة اليمنية إن هجمات الحوثيين البحرية، وباتجاه إسرائيل، تأتي تنفيذاً لتوجيهات إيرانية، وإنها لم تساعد الفلسطينيين في شيء، أكثر من استدعائها لعسكرة البحر الأحمر وإتاحة الفرصة لإسرائيل لتدمير البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

مقاتلة أميركية تتزود بالوقود جواً (الجيش الأميركي)
مقاتلة أميركية تتزود بالوقود جواً (الجيش الأميركي)

ومع توقُّع أن تكون إدارة ترمب أكثر حزماً من سابقتها في التعاطي مع التهديدات الحوثية، كان قد أعاد تصنيف الجماعة «منظمة إرهابية أجنبية» ضمن أولى قراراته، إذ بدأ سريان القرار قبل أيام بالتوازي مع إدراج 7 من كبار قادة الجماعة على لائحة العقوبات التي تفرضها وزارة الخزانة.

السيناريوهات المتوقعة

مع تهديد زعيم الجماعة الحوثية بالعودة إلى مهاجمة السفن، يتوقع سياسيون يمنيون أن ردة الفعل الأميركية ستكون أقوى. وقد تصل إلى الدعم العسكري للقوات اليمنية على الأرض. وهذا يعني نهاية المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة بناء على خريطة الطريق التي كانت توسطت فيها السعودية وعمان في نهاية 2023، وتعذر تنفيذها بسبب التصعيد الحوثي البحري والإقليمي.

ويتوقع البراء شيبان، وهو زميل في المعهد الملكي البريطاني لدراسات الدفاع، أن واشنطن سترد هذه المرة، وقد تكون بوتيرة ضربات أعلى، كما ستشدد الرقابة على كل الأفراد والكيانات الذين لا يزالون يقومون بأي تعاملات مالية أو لوجستية مع الحوثيين، بما في ذلك دخول النفط الذي يُعتبَر أحد أبرز الموارد الذي استخدمته الجماعة خلال الفترة الماضية.

صاروخ باليستي سماه الحوثيون «فلسطين2» واستخدموه لمهاجمة إسرائيل (إعلام حوثي)
صاروخ باليستي سماه الحوثيون «فلسطين2» واستخدموه لمهاجمة إسرائيل (إعلام حوثي)

وفي حال حدوث ذلك، يرى شيبان أن ذلك قد يدفع الحوثيين إلى التصعيد العسكري، وهو ما سيكون له تبعات على خريطة الطريق والمشاورات الذي كانت قد دشنتها الرياض مع الحوثيين منذ عام 2022.

من جهته، يتوقع المحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، رداً أميركياً على أكثر من مسار، ومن ذلك أن يكون هناك رد عسكري جوي وبحري على الأهداف الحوثية، إلى جانب استهداف البنية التحتية للجماعة، مثل الموانئ والمنشآت العسكرية.

ويضيف: «ربما قد نرى المزيد من العقوبات الاقتصادية على الحوثيين، مثل تجميد الأصول وتحديد التجارة، بهدف تقليل قدرتهم على الحصول على الأسلحة والموارد. إلى جانب اللجوء إلى البحث عن شريك عسكري في اليمن، بهدف دعمه عسكرياً وتعزيز قدرته على مواجهة الجماعة».

ويخلص الطاهر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى القول إن «رد واشنطن سيكون معتمداً على سياق الحادثة ونتائجها، بالإضافة إلى التطورات السياسية والاستراتيجية في المنطقة».

وفي سياق التوقعات نفسها، لا يستبعد الباحث السياسي والأكاديمي اليمني فارس البيل أن يقود أي هجوم حوثي ضد السفن الإدارة الأميركية إلى خلق تحالف جديد يضم إسرائيل لتوجيه ضربات أكثر فاعلية ضد الجماعة وقادتها، وربما بالتزامن مع استهداف القدرات النووية لطهران.

مجسمات لصواريخ ومسيرات وهمية يعرضها الحوثيون في شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
مجسمات لصواريخ ومسيرات وهمية يعرضها الحوثيون في شوارع صنعاء (إ.ب.أ)

ويجزم البيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن أميركا تبدو الآن أكثر تصميماً على توجيه ضربات قوية ضد الحوثي في حال أعاد هجماته.

وفي اتجاه آخر، يرى الباحث السياسي اليمني رماح الجبري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية تبحث عن أي قصف إسرائيلي أو غربي لمناطق سيطرتها؛ كون ذلك يحقق لها أهدافاً كثيرة. من بينها التصوير لأتباعها أن أي تحرك عسكري يمني أو حرب اقتصادية ضدها انتقام إسرائيلي، وأن الصف الوطني الذي يقوده مجلس القيادة الرئاسي يخدم مصالح تل أبيب.

ويبدو أن الجماعة (بحسب الجبري) تريد أن تستعجل اختبارها لرد الإدارة الأميركية الجديدة، مستغلةً الظروف الحالية التي تتجاذب تنفيذ بقية خطوات اتفاق الهدنة في غزة بين حركة حماس وإسرائيل، دون أن تكترث للرد الأميركي المتوقَّع؛ كونها لا تأبه لأي أضرار يتعرض لها السكان في مناطق سيطرتها.

وعيد أميركي

في أحدث التصريحات الأميركية بشأن الموقف من الجماعة الحوثية، كانت القائمة المؤقتة بأعمال الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، السفيرة دوروثي شيا، توعدت الحوثيين، خلال إيجاز في مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن.

وقالت إنه تماشياً مع الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترمب بشأن إعادة إدراج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، تتخذ الولايات المتحدة خطوات ملموسة للقضاء على قدرات الحوثيين.

وأضافت أن بلادها ستتخذ خطوات لوقف الدعم الإيراني لأنشطة الحوثيين الإرهابية، وذلك بموجب المذكرة الرئاسية الخاصة بالأمن القومي التي أصدرها الرئيس ترمب، وأعاد من خلالها فرض القدر الأقصى من الضغط على إيران.

ضربات إسرائيلية أحدثت حرائق ضخمة في الحديدة اليمنية (رويترز)
ضربات إسرائيلية أحدثت حرائق ضخمة في الحديدة اليمنية (رويترز)

وتوعدت السفيرة شيا باتخاذ إجراءات ضد الحوثيين، في حال استأنفوا هجماتهم المتهورة في البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة وضد إسرائيل.

وقالت إن كل دولة عضو في مجلس الأمن تتحمل مسؤولية الوفاء بالتزاماتها بموجب القرارات الصادرة عن المجلس، بما في ذلك القرارات التي تتعلق بالحظر المفروض على إمداد الحوثيين بالأسلحة والمواد والتدريبات ذات الصلة أو بالمساعدات المالية.

ودعت القائمة المؤقتة بأعمال المندوب الأميركي في الأمم المتحدة إلى التحرك باتجاه تعزيز آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش الخاصة باليمن، وحضت الدول الأعضاء على القيام بدورها وزيادة التمويل للتخطيط طويل الأمد الخاص بالآلية وتوظيفها للأفراد وبنيتها التحتية الحيوية والضرورية لتعزيز القدرة على تفتيش جميع الحاويات غير المكشوفة، وبنسبة مائة في المائة.

ووصفت الحوثيين بأنهم يواصلون سعيهم إلى أخذ مضيق باب المندب والتجارة الدولية كرهينة، ولم يبدوا أي رغبة أو قدرة على التمييز بين أهدافهم، وشددت بالقول: «حري بنا ألا نقبل بأي شكل من الأشكال مزاعمهم بشأن أي أساس مشروع لهجماتهم».

الهجمات والضربات السابقة

يُشار إلى أن الجماعة الحوثية تبنَّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة في البحرين الأحمر والعربي، منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة واحتجاز طاقمها لأكثر من عام ومقتل 4 بحارة.

وتلقت الجماعة نحو ألف غارة نفذتها واشنطن بمشاركة بريطانيا في بعض المرات للحد من قدراتها، في حين شنت إسرائيل 5 موجات انتقامية جوية على موانئ الحديدة ومطار صنعاء، ومحطات كهرباء، رداً على إطلاق الجماعة نحو 200 صاروخ وطائرة مسيرة باتجاه إسرائيل خلال 14 شهراً.

السفينة البريطانية «روبيمار» الغارقة في البحر الأحمر إثر قصف صاروخي حوثي (أ.ف.ب)
السفينة البريطانية «روبيمار» الغارقة في البحر الأحمر إثر قصف صاروخي حوثي (أ.ف.ب)

وباستثناء إسرائيلي واحد قُتِل جراء انفجار مسيرة حوثية في شقة بتل أبيب في يونيو (حزيران) الماضي، لم تكن لهذه الهجمات أي تأثير قتالي باستثناء بعض الإصابات، والتسبُّب في الضغط على الدفاعات الجوية الإسرائيلية.

غير أن الضرر الأكبر لهذه الهجمات الحوثية كان على الصعيد الاقتصادي مع تجنُّب كبرى شركات الملاحة المرور عبر باب المندب وسلوكها مساراً أطول عبر طريق الرجاء الصالح، وهو ما أدى إلى تراجع حركة السفن في البحر الأحمر إلى أكثر من 50 في المائة، وأصبحت مصر أكبر الخاسرين لفقدها نحو 7 مليارات دولار من عائدات قنوات السويس.

ومع عدم نجاح هذه الضربات الغربية والإسرائيلية في الحد من قدرات الجماعة الحوثية على شن الهجمات، كان الموقف الرسمي لمجلس القيادة الرئاسي اليمني والحكومة التابعة له معارضة هذه الضربات، لجهة أنها غير فاعلة في إنهاء التهديد الحوثي، وأن البديل الأنجع دعم القوات اليمنية الشرعية لاستعادة الحديدة وموانئها ومؤسسات الدولة المختطفة، باعتبار ذلك هو الحل العملي.