مع وجود كثير من شركات تصنيع السيارات العالمية والمحلية في الهند، زادت المبيعات السنوية للسيارات على 4.2 مليون سيارة صغيرة عام 2014. وتعد شركات تصنيع السيارات الهندية ضمن أفضل 5 على مستوى العالم. مع ذلك، سيفاجأ الناس في الجانب الآخر من العالم عندما يعرفون أن نحو 3 ملايين شخص في المناطق الريفية بالهند يستخدمون في تنقلاتهم اليومية «جوغاد»، السيارة المصنعة محليا بواسطة قطع مستعملة منتزعة من سيارات معطلة وتعمل بمحركات ديزل، ومضخات ري زراعي.
وتعد «جوغاد - تشاكدا» مثالا على التطور الهندسي في المناطق الريفية بالهند، فهي بحق شريان الحياة بها، وهي نتاج تجميع أجزاء متبقية متفرقة من سيارات، وتعد تطويرا محدودا لمحرك ضخ ديزل مثبت على عربة خشبية قديمة ذات 4 عجلات. ويتراوح سعر السيارة بين 55 ألفا و90 ألف روبية؛ وتحصل مقابل هذا المبلغ على نوع متطور من المركبات الرياضية بإطارات تحمل علامة «مدراس رابر فاكتوري» التجارية، ومحرك يحمل العلامة التجارية «كيرلوسكار»، ونظام تعليق مستعمل من سيارة الـ«جيب» العسكرية «جونغا».
* التاريخ
ولهذه السيارة تاريخ مثير للاهتمام، فقد صممها جاغجيفان تشاندرا، صاحب ورشة تصليح سيارات في ولاية غوجارات غرب الهند، عام 1972. واستورد المهراجا حاكم جامناغار آنذاك بعض سيارات الغولف البالية، وكان يفكر في التخلص منها وتم تكليف جيانتيباهي بهذه المهمة. مع ذلك، بمجرد أن وضع جيانتيباهي يديه على المحركات، قرر استخدامها، فعدل المحركات بحيث توائم دراجات «برمنغهام سمول أرمز» النارية التي تبلغ قوة محركها 3.5 حصان وحققت نجاحا كبيرا خلال السنوات التالية. وقد تم تركيب كتلة معدنية مربعة في خزان الوقود، وتم تعديل إطارات سيارة «فيات» في الخلف لمنح «تشاكدا» إطلالة الخيل المتمرد.
وبمرور الوقت، تم إدخال مزيد من التعديلات على الشكل الأصلي لـ«تشاكدا». وتجلت أهم سمة بها بفضل تعديلها لتناسب محرك الديزل. والمفارقة هي أن التعديل، الذي تم إدخاله على محرك «تشاكدا» اليوم الذي يتمثل في مضخة ديزل قوتها 7.5 حصان تستخدم لاستخراج الماء من الآبار أو محركا خارجيا لقارب، تعديل محلي أصيل. مع ذلك، يحتفظ كل من صندوق التروس والقابض بالتصميم الأصلي القديم للدراجة. هناك طريقتان لتشغيل «تشاكدا»؛ إما أن تضغط على الدواسة مثلما هي الحال في أي دراجة نارية أخرى، أو عن طريق سحب حبل متصل بالمحرك.
وبدأ يذيع صيت «تشاكدا» وتتسع شهرتها لتتجاوز حدود الهند، حيث تم تصديرها إلى سريلانكا، وبنغلاديش، وبعض الدول الأفريقية.
* محركات
يستخدم محرك «كيرلوسكار» بأسطوانة أحادية أو ثنائية مصدرا للقوة. بوجه عام يتم استخدام محرك «بيترويد» بأسطوانة أحادية ويتم تبريده بالماء. ويفضل هذا النوع من المحركات التي تتحمل درجات الحرارة المرتفعة خلال أشهر الصيف وكذلك الظروف الصعبة التي تواجهها تلك المركبات. ويتم تحريك مضخة المياه عبر حزام على الجانب الخلفي من المحرك، في حين يتخذ المبرد أشكالا وأحجاما متعددة. ويتم تشغيل المحركات بتحريك مقبض، ويتم تركيب خزان الوقود فوق المحرك نفسه. ورغم تفضيل استخدام الديزل وقودا، تستمر تلك المحركات في الدوران بشكل جيد حتى وإن تم استخدام الكيروسين، أو زيت الطعام، أو زيت المحرك المستعمل، أو حتى مزيج من كل تلك الأنواع.
* محطة عمل
من خلال العمل في فريق يتكون من 3 أو 4 أفراد، أخذ عمال تصليح السيارات قطعا من الهيكل الخارجي لسيارة جيب «ماهيندرا» ولحموها معا في إطار أساسي أضيفت إليه إطارات. وبعد ذلك حملوا الإطار برافعة أو أي وسيلة تستخدم في رفع مولد الديزل الذي يعد مكونا أساسيا من المحرك ووضعوه في المكان المناسب. يأتي بعد ذلك دور عجلة القيادة والنقل، وبعدها مبرد المحرك، مما يجعل أهم جزء في السيارة جاهزا للاستعمال. ويتم بعد ذلك تركيب الإطارات الخشبية وتثبيتها معا لتكوين المساحة التي تتسع للركاب مع تركيب خزان الوقود. وتتمثل اللمسات الأساسية في طلاء واقي الصدمات الأمامي، الذي يتكون بالأساس من لوح معدني وبعض القطع من الجزء الخلفي للسيارة. ويزين محبو المغامرات والأثرياء السيارة بأحزمة صغيرة وسلاسل.. وغيرها من الحليات الصغيرة.
وتم اقتطاع الهيكل الأولي، والمحركات، وصناديق التروس، من سيارات «جيب» كانت تابعة للجيش قبل التخلص منها. ويعزى هذا المظهر الجريء إلى إطار دراجة «هارلي ديفيدسون» القديم المعدل ومحرك «جوغاد» الذي يعود تصميمه الأصلي إلى أكثر من قرن مضى، وهو من إنتاج شركة «آر إيه ليستر آند كومباني». وتبلغ سرعة «جوغاد» القصوى 60 كلم في الساعة، لكنه عداد سرعة باهظ الثمن، مما لا يشجع أحد على شرائه، ويمكنها نقل حمولة تصل إلى طن، وعلى صاحب السيارة إدراك عواقب الحمل الزائد، ويتراوح استهلاك الوقود بين 16 و20 كيلومترا لكل لتر من الديزل، ويختلف ذلك باختلاف ظروف الطريق والحمولة. وتبدأ السيارة رحلاتها في القرى والبلدات الهندية.
* الاستخدام
تتميز الأجزاء الخارجية من السيارة بالألوان الزاهية، والأجزاء الداخلية بغنى وثراء التفاصيل، فضلا عن نظام الصوت القوي، وتستطيع حمل البشر والماشية والمحاصيل الزراعية. وسواء كنت تريد توصيل سيدة في حالة وضع إلى المستشفى أو حمل جثة رجل إلى منزله، فـ«تشاكدا» مستعدة للقيام بالمهمة. عادة ما نجدها تحمل 35 فردا أو تنقل حمولة ضخمة من قصب السكر من حقول قريبة إلى مصانع السكر، فمن الصعب ألا تلاحظ قوتها حتى إن بعض العرسان المحظوظين يحصلون على واحدة ضمن المهر المقدم من العروس.
وكلمة «جوغاد» من الكلمات العامية الهندية الأردية، وقد تعني «إصلاح مبتكر» أو «حل غير مباشر لمشكلة»، وتستخدم للإشارة إلى الحلول التي تقوم على التحايل على القواعد، أو إلى مورد يمكن استخدامه في هذا الإطار، أو إلى شخص قادر على حل مشكلة معقدة. كذلك تستخدم الكلمة كثيرا لوصف عمال تصليح السيارات المبتكرين، والسياسيين المتحايلين. وكثيرا ما يستخدم هذا المعنى للإشارة إلى الإبداع في الاستفادة من أشياء موجودة أو صنع أشياء جديدة باستخدام موارد محدودة.
ولا يغطي السيارة أي سقف، مما يجعلها تبدو كما لو كانت غير مكتملة، لكن يمكن إضافة مظلة لها للحماية من الشمس. الهندسة، والابتكار، وروح البقاء والصمود، بين أيدينا.
وتوصل المعهد القومي الهندي للتصميم إلى تصميم نسخة من «جوغاد» تعمل بالبطارية، وفاز التصميم بالجائزة الأولى في منتدى «بيس» العالمي السنوي لعام 2014 الذي عقد في تورين بإيطاليا تحت عنوان «الذكاء في المدينة: الحركة المستدامة والمتصلة». واليوم بعد 3 عقود، نشهد العودة إلى الأصول، ومن الصعب تخيل الحياة في المناطق الريفية دون «تشاكدا». ويعرف الناس هناك أنه بوجودها لن يعلقوا أبدا في الطرقات البائسة.