«عين الزرقاء» متنفس مائي لنازحي شمال سوريا هرباً من الحر

خيم مجانية في عين الزرقاء بدركوش شمال سوريا (الشرق الأوسط)
خيم مجانية في عين الزرقاء بدركوش شمال سوريا (الشرق الأوسط)
TT

«عين الزرقاء» متنفس مائي لنازحي شمال سوريا هرباً من الحر

خيم مجانية في عين الزرقاء بدركوش شمال سوريا (الشرق الأوسط)
خيم مجانية في عين الزرقاء بدركوش شمال سوريا (الشرق الأوسط)

باتت ينابيع «عرور وعين الزرقاء» شرق مدينة دركوش، قرب الحدود السورية التركية، مقصد السوريين شبه الوحيد في مناطق شمال غرب سوريا، للتنزه والاصطياف، ومتنفساً للسكان، مقتدرين ونازحين، في ظل حرارة الصيف المرتفعة، وسط المنطقة الجبلية وعين المياه العذبة التي تصب في مجرى نهر العاصي القادم من أراضي البقاع اللبناني.
وتشهد منطقة دركوش وعلى رأسها عين الزرقاء، إقبالاً كبيراً هذا العام من الأهالي، في محاولة للهروب من الظروف المعيشية القاسية التي تعيشها المناطق، إضافة للهروب من ارتفاع درجات الحرارة، لا سيما أن تدفق مياه العين هذا العام، زاد بنسبة 60 في المائة على الأعوام السابقة، نظراً للأمطار الغزيرة التي شهدتها الجبال السورية الشمالية وسهل الروج شمال إدلب في الشتاء.
أبو محمود (55 عاماً) نازح من مدينة خان شيخون جنوب إدلب، يمضي وأسرته، ساعات من الاسترخاء في مكان شبه خاص على ضفة نهر العاصي، يقول إن المتنزه والعيون القريبة منه، هو المتنفس المائي الوحيد من نوعه في الشمال السوري والمتبقي ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، فهو يشبه إلى حد بعيد متنزهات مشتى الحلو وأبو قبيس، وغيرها من المتنزهات المعروفة في سوريا.
ويضيف: نلجأ منذ بداية فصل الصيف وبشكل أسبوعي إلى «عين الزرقاء»، من أجل السباحة وهرباً من الحر الشديد الذي نواجهه في مكان إقامتنا في الدانا شمال إدلب، ومن جهة ثانية نعتبر ذلك فسحة أمل نفرج بها عن أنفسنا هرباً من التفكير بواقعنا المعيشي وظروف النزوح، وبعدنا عن مناطقنا.
أما أبو زياد (47 عاماً) وهو مستثمر من مدينة دركوش وصاحب 3 مسابح عائلية في المنطقة، فيقول إنه خلال السنوات الماضية، بادر عدد من أبناء المنطقة إلى إنشاء أكثر من 40 مسبحاً عائلياً مغلقاً، بالإضافة إلى افتتاح متنزهات ومطاعم صغيرة، فضلاً عن بناء بيوت مخصصة للتأجير العائلي، تملك إطلالة على نهر العاصي والطبيعة المحيطة بالمكان. ويضيف أن قرب عين الزرقاء ومتنزهات دركوش من الحدود التركية، أكسبها عنصر الأمان.
وبالإضافة إلى توفر الشاليهات والمسابح العائلية، هناك الخيام المجانية التي قامت بإنشائها الجهات المسؤولة عن الخدمات في منطقة دركوش، لجذب سياح المنطقة والتخفيف من التكاليف المادية عليهم، لافتاً إلى أن كلفة استئجار المسبح الخاص لمدة 24 ساعة، تتراوح بين 200 و250 ليرة تركية، وهذا يعد سعراً مقبولاً بالنسبة لأحوال الكثير من السوريين.
تقع «عين الزرقاء» بالإضافة إلى مجموعة من الينابيع إلى الشرق من مدينة دركوش بريف إدلب الشمالي، وتعد المصدر الرئيسي لمياه الشرب والري في مناطق شاسعة من الأراضي السورية، أهمها سهل الروج (غرب إدلب)، وهو امتداد لسهل الغاب بريف حماة الغربي في الشمال الذي يرتفع 220 متراً عن سطح البحر، وتزيد مساحته على ثلاثة عشر ألف هكتار.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم