«جكرانده»... الثقافة في زمن «كورورنا»

صدر عن «مركز التحرير الثقافي» بالجامعة الأميركية بالقاهرة، مطبوعة فنية مستقلة غير دورية بعنوان «جكرانده» وهو اسم لشجرة عتيقة مهيبة ذات أزهار فاتنة، تزين المدخل الرئيسي بمبنى الجامعة القديم المطل على ميدان التحرير بوسط العاصمة المصرية.
تسعى المطبوعة إلى «متابعة شاملة ومتعمقة لأنشطة وفعاليات المشهد الثقافي المصري أدبياً وفنياً، وعبر مراجعات ومقالات نقدية وتحقيقات أدبية بعيون فنانين ومبدعين»، ترى المطبوعة أنهم الأقرب إلى روح هذه الأنشطة أكثر من النقاد المتخصصين.
تصدر «جكرانده» باللغتين العربية والإنجليزية معاً، وتحرص على الترويج للمنتج الفني والأدبي، في الحرم الجامعي التاريخي لمبناها القديم بوسط القاهرة، وكذلك في الحرم الجامعي الجديد في ضاحية القاهرة الجديدة. والمعروف أن مركز التحرير الثقافي بالجامعة يستوعب أنشطة متنوعة، ما بين ندوات وعروض مسرحية، ومعارض فن تشكيلي.
ظلال هذا النشاط المتنوع تنعكس على عدد المطبوعة الأول بطباعتها الفخمة، حيث تنوع الأفكار والرؤى المطروحة بين ميادين العلم والمعرفة والفن والأدب، يستهلها مقال للكاتب الصحافي طارق عطية بعنوان «عندما نزل الحمقى من فوق التل» يربط فيه بين العلم ممثلاً في عالم الذرة ريتشارد فاينمان، وبين ممارسة الفن ممثلاً في أم كلثوم وبيتهوفن، ومستعرضاً أبعاد السيولة التي توفرها الميديا والإنترنت في تحصيل كل هذا بضغطة أصبع على مفاتيح الكمبيوتر.
ويكتب الكاتب والمترجم إيهاب عبد الحميد: «جيلي عارف فين الصح»، الجيل الذي أطلق أغاني البوب والراب، وأدمن التمرد على الجيل السابق، لافتاً إلى تذمر الراقصات المصريات المخضرمات، «حارسات بوابات الرقص الشرقي»، وهجومهن على تكنيكات الرقص الجديدة، إلى درجة مطالبة بعضهن بمنعه. ويرى إيهاب أن «التمرد وحده لا يكفي، التمرد يكفي لإطلاق صيحة، لكن الحفاظ على هذه الصيحة يحتاج للكثير من الجهد».
وعلى الوتر نفسه تكتب ياسمين الضرغامي: «راقصة راحلة تزور معرض فن تشكيلي مستوحية ملامح خاصة من سيرة الراقصتين الراحلتين (بمبة كشر وسامية جمال)»، باحثة عن العلاقة الخفية بين الفن التشكيلي والرقص، فتبدو الزيارة المفترضة، كأنها صدى للرقص بالألوان في يد الفنان، وبالجسد في فضاء الراقصة المتموج.
وتخصص المطبوعة ملفاً موسعاً عن «الثقافة في زمن الكورورنا»، ترصد من خلاله طرق التحدي للجائحة في المشهد الثقافي المصري، على المستويين الرسمي والشعبي، وكيف وصلت الأزمة إلى نفق معتم خصوصاً في ظل إجراءات احترازية لا تنتهي، وكما يقول الملف: «كانت الاستجابة بين الفنانين والموسيقيين والمؤدين متنوعة بتنوع الفضاءات الثقافية: بالنسبة للبعض، وفر الإغلاق فرصة مناسبة للتخطيط أو الرسم، أو الكتابة، أو التأليف الموسيقي، وإنهاء المشروعات غير المكتملة، بينما اضطر آخرون إلى الاشتغال بوظائف أخرى لتدبير معيشتهم. البعض باع أدواته الموسيقية بمقابل زهيد كي ينفق على أسرته. الموسيقيون الذين اعتمدوا في الماضي على الحفلات الموسيقية والأفراح وجدوا أنفسهم يعتمدون حصراً على حقوق الأداء العلني، ما أجبرهم على إعادة الحسابات، فيما يخص مصادر دخلهم الرئيسية».
وفي محاولة لمشاركة القارئ وجذبه إلى المطبوعة، تُوَجِّه له بالعدد استبياناً من 10 أسئلة في سياق سؤال محوري عن كيفية تعامل المؤسسات الثقافية المصرية غير الربحية مع الحظر، ليعبر عن رأيه فيه بصراحة، ويطرح الحلول والبدائل أيضاً.
وتثير المطبوعة قضية مهمة بعنوان «موسيقى المهرجان... صوت صدى المعركة» يستعرض فيها الكاتب أحمد ناجي نشأة وتاريخ هذه الموسيقى، في مقارنة مع المناخات الصاخبة التي فرضتها موسيقى المهرجانات ومسارات وأنماط إنتاجها، وما تتعرض له من هجوم عنيف على المستويين الإعلامي والرسمي، ويستعرض دوافع انجذاب الأجيال الجديدة لها حتى أصبحت تشكل ما يشبه القطيعة المعرفية مع التراث الموسيقي السابق، وانتشرت ملامحها في الشارع والوجدان العام، بشكل راسخ.
ويرصد العدد في دراسة تحت عنوان «منقولات» مأزق الفن العالق بين منسقي المعارض ومهندسي الديكور، ومن خلاله تستطلع واقع الفن التشكيلي المصري في إطار التوازن بين الأعمال الرائجة تجارياً، والأعمال التي تولي اهتماماً بالفن من أجل الفن.
ويضم العدد دراسة مهمة بعنوان «الخيال الأدبي بين النفي والإثبات» ترصد ظاهرة الانفجار الروائي، التي أدت إلى زيادة ملحوظة في مبيعات الرواية وتكالب أغلب دور النشر على إصدارها.
وتهتم المطبوعة بأخبار الكتب والإصدارات الجديدة وتلفت النظر إليها من خلال أخبار قصيرة مكثفة.
تتكون هيئة تحرير المطبوعة من: طارق عطية، ياسمين الضرغامي، إيهاب عبد الحميد ومعهم محرر الصور: أحمد منتصر، والتصميم: إنجي علي، ومنسقة الطباعة: ندى نصير.