تونسيون يُحمّلون «النهضة» مسؤولية تفاقم الأوضاع في بلدهم

تحت أشعة الشمس الحارقة ينفخ راضي الشويش بهدوء سيجارته، جالساً مع عدد من زبائن المقهى في وسط العاصمة تونس. لكن ما إن يعّبر عن تأييده لحركة النهضة حتى تنفجر عاصفة من الجدل السياسي، ويصب العديد من التونسيين غضبهم عليها.
هذا المشهد يلخص كل ما يثير حفيظة أبناء هذا البلد الصغير، منذ أن وضع الرئيس قيس سعيد كل السلطات في يده. فبعد أشهر من الصراع المفتوح مع النهضة، علق رئيس الدولة الأحد عمل البرلمان لمدة شهر، وأعفى رئيس الحكومة من منصبه.
واتهمت النهضة التي شاركت في جميع الائتلافات الحكومية منذ ثورة 2011، وتحظى بأكبر تمثيل في البرلمان، الرئيس بتنفيذ «انقلاب». لكن بعد عشر سنوات من مشاركتها في الحكم، تواجه الحركة عداء متزايداً من قبل التونسيين.
«فاسدون» و«منافقون» و«كذابون»...
بهذه العبارات القاسية وصفت غالبية السكان، الذين التقتهم وكالة الصحافة الفرنسية في البلدة القديمة بتونس العاصمة، هذا الحزب الإسلامي المحافظ الذي يعتبرونه «المسؤول الرئيسي عن ويلات البلاد في مواجهة أزمة ثلاثية سياسية واجتماعية وصحية».
وكل هذا ينم عن سخط يشعر معه الشويش بالحزن. ويقول بنبرة مستاءة: «مع تولي الرئيس كل السلطات عدنا إلى أيام الديكتاتورية. «النهضة» حزب معترف به (...) حل ثانياً في انتخابات 2014 وتصدر النتائج في 2019». وهو يرى أنه في حال وجود خلاف «يجب اللجوء إلى صناديق الاقتراع، فهي التي تقرر».
وفي مواجهة خطر التصعيد، يعترف الرجل بأنه يشعر «بالخوف على البلد... لا أريده أن يغرق في الفوضى».
وفي حين يعبر المجتمع الدولي أيضاً عن قلقه من رؤية مهد الربيع العربي يتراجع عن الديمقراطية، ويخشى أن يتجه نحو الاستبداد وحتى العنف، يسود الهدوء في تونس في الوقت الحالي.
وبعد تجميع بضع مئات من المؤيدين أمام البرلمان الاثنين، تلعب «النهضة» الآن ورقة التهدئة، وتدعو إلى «حوار وطني»، مقترحة تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة للخروج من الأزمة. وهذا يمثل موقفاً براغماتياً، كما يصفه المحلل السياسي سليم خراط، قائلا إن تظاهرة الاثنين «تظهر فشل النهضة في حشد قاعدتها، وفشلها في تشكيل قوة موازية في مواجهة الرئيس».
وتابع خراط موضحاً: «كانت النهضة دائما على استعداد لتقديم تنازلات لأن الحزب مهووس ببقائه، ويطارده احتمال فرض حظر جديد عليه، كما حصل في ظل الرئيس الراحل».
وخلال عشر سنوات في السلطة، لم تنجح الحركة مطلقاً في الحصول على الأغلبية المطلقة، الأمر الذي اضطرها إلى عقد تحالفات غير عادية مع أحزاب ليبرالية في برلمان يعاني من التشرذم. وهذا يربك العديد من ناخبيها. فبين 2011 و2019، خسرت الحركة أكثر من مليون صوت.
من جهته، عبر إسماعيل مازيغ عن إحباطه خلال الانتخابات الديمقراطية الأولى في تونس عام 2011، بعد أن أعطى عامل النسيج السابق صوته للحركة، التي أبدت تمسكها بالهوية العربية الإسلامية، ووعدت التونسيين بالأمن والتنمية والعدالة.
يقول الرجل الأربعيني العاطل عن العمل منذ عشر سنوات بحسرة: «لقد قطعوا الكثير والكثير من الوعود، لكنها كانت في الحقيقة أكاذيب (...) عملوا من أجل مصالحهم الشخصية فقط، لا شيء أكثر من ذلك».
وبعد أن كانت النهضة موحّدة حول زعيمها راشد الغنوشي، أصبحت تعاني الحركة من انقسام داخلي في الوقت الحاضر مع استقالة عدد من كوادرها وتبادل أعضائها الانتقادات على الملأ.
وساءت صورة الحركة في مطلع يوليو (تموز) عندما أصدر أحد قادتها عبد الكريم الهاروني، خلال ذروة تفشي وباء كوفيد – 19، إنذاراً للحكومة لتسريع تعويض ضحايا الديكتاتورية. وهو طلب اعتبره كثير من التونسيين في غير محله في ظل الأزمات التي تشهدها البلاد.
كما تعرضت الحركة لضربة أخرى الأربعاء بالإعلان عن فتح تحقيق بالفساد يستهدفها، بناء على شبهات بتلقي تمويل أجنبي لحملتها الانتخابية عام 2019.
ويُقسم توفيق بن حميدة، الذي ظل موالياً للنهضة منذ الثورة، أنه لن يصوت لها بعد اليوم، قائلاً: «لقد أحنوا رؤوسهم بينما الفساد منتشر في كل مكان في تونس».