إجراءات جزائرية مشددة حول وسائل إعلام

TT

إجراءات جزائرية مشددة حول وسائل إعلام

في خطوة تزيد من قمع الحريات ووسائل الإعلام في الجزائر، استجوب رجال أمن أمس الفريق الصحفي العامل بمكتب قناة «العربية»، ساعة واحدة بعد إعلان وزارة الاتصال سحب رخصة العمل من المكتب، لأسباب تتعلق بتغطية الفضائية أزمة ندرة الأكسجين في المستشفيات، وتهافت قطاع من الجزائريين على هذه المادة، لإسعاف مئات المصابين بفيروس كورونا يواجهون الهلاك.
وقال عاملون بمكتب «العربية» لـ«الشرق الأوسط»، إن رجال الشرطة سألوا الفريق الصحفي عن المصادر التي تعاملوا معها، في إنجاز عمل بثته القناة حول «عجز الحكومة عن توفير مادة الأكسجين»، والطلب الكبير على هذه المادة منذ أسبوع لمساعدة المتأثرين بأعراض كورونا على التنفس. في وقت تشهد فيه البلاد حالة من الانفلات والتوتر، بسبب نفاد الأكسجين، كشفت مدى ضعف النظام الصحي، وعدم قدرة السلطات على الاستشراف.
وقالت وزارة الاتصال في بيان إنها «سحبت الاعتماد الممنوح لمكتب القناة التلفزيونية العربية، بسبب عدم احترامها قواعد أخلاقيات المهنة، وممارستها التضليل الاعلامي والتلاعب بالأخبار»، من دون ذكر مضمون المادة الإعلامية التي بثتها القناة، والتي أزعجت الحكومة. ولم يصدر رد فعل عن مكتب القناة، الذي يشتغل منذ سنوات طويلة.
وفي 13 من يونيو (حزيران) الماضي، أعلنت الحكومة عن إغلاق مكتب «فرانس 24»، الفضائية التابعة لوزارة الخارجية الفرنسية، بذريعة «التحامل المتكرر على الجزائر ومؤسساتها». وصرح وزير الاتصال عمار بلحيمر بأن «سحب الاعتماد يعود أيضا إلى تحيز صارخ للقناة، وكذلك إلى أعمال تقترب من نشاطات تحريضية وأعمال غير مهنية معادية للبلاد». متهما الفضائية بـ«العداء الجلي والمتكرر إزاء بلادنا ومؤسساتها، وعدم احترامها قواعد أخلاقيات المهنة، وممارستها التضليل الإعلامي والتلاعب بالاخبار، إضافة إلى العدوانية المؤكدة ضد الجزائر».
ولم توضح الحكومة يومها ما أزعجها بالتحديد بخصوص نشاط القناة التلفزيونية الأجنبية، لكن مهتمين بالموضوع أكدوا أن الأمر يتعلق بالتعاطي مع «حركة استقلال القبائل» الانفصالية، التي صنفتها السلطة منظمة إرهابية، في مايو (أيار) الماضي.
وإلى جانب بعض المكاتب التابعة للتلفزيونات الأجنبية، تشتغل بالجزائر 5 فضائيات خاصة تابعة لقانون أجنبي، لكن مضمون مادتها محلي، وما يشكل مفارقة بالنسبة لمهنيي القطاع هو أن الحكومة تتعمد عدم الترخيص لها كمؤسسات إعلامية جزائرية، بهدف إبقائها معلقة ليسهل من الناحية القضائية إغلاقها. وقد تم إغلاق فضائيتين بقرار إداري منذ 2014 لأنهما «تخطتا الخطوط الحمراء». وفي نظر السلطات، فإن الرئاسة والجيش هما أبرز «الممنوعات»، التي قادت كثيرا من الصحفيين إلى السجن، وكانت سببا في ملاحقة آخرين بالمحاكم. فيما تبقى الحكومة مصرة على رفض كسر احتكارها للنشاط السمعي - البصري، لتفادي تكرار تجربة تعدد الصحف، التي انطلقت عام 1990، على خلفية «الربيع الديمقراطي الجزائري» عام 1988. وقد شهدت تلك الفترة نهاية نظام الحزب الواحد، وبداية تعددية حزبية وإعلامية.
ويأتي منع «العربية» من العمل في سياق أزمة خانقة تواجهها الصحف الإلكترونية والجرائد، حيث نشر خمسة مديري مواقع إخبارية فيديو أول من أمس، يناشدون فيه الحكومة إنقاذها من موت محقق، وذلك بإمدادها بالإشهار العمومي، الذي يعد مصدر الدخل الوحيد حاليا لكل وسائل الإعلام العمومية والخاصة. وتسببت الأزمة الصحية في إضعاف غالبية الشركات الاقتصادية الخاصة، ما أدى إلى وقف منح الاعلانات للمؤسسات الإعلامية.
كما كتبت صحيفة «الوطن» الفرنكفونية، وهي من أشهر الصحف في الـ30 سنة الماضية، أنها لم تعد قادرة على تأمين أجور صحفييها. وناشدت قراءها مساعدتها مالية بشراء كل أعدادها عن طريق الاشتراكات.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.