موقف ميقاتي تحت سقف بيان رؤساء الحكومات السابقين

TT

موقف ميقاتي تحت سقف بيان رؤساء الحكومات السابقين

أبدى مصدر مقرب من رؤساء الحكومات السابقين ارتياحه للمواقف التي أعلنها الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي في حديثه التلفزيوني على محطة «إم تي في»، وقال إنه وضع النقاط على الحروف من دون أن يستفز رئيس الجمهورية ميشال عون حرصاً منه على استمرار التواصل، رغم أن الجولات الثلاث من مشاورات التأليف بقيت خاضعة للخلاف حول توزيع الحقائب على الطوائف وأبرزها حقيبة الداخلية التي يصر عون على أن تبقى من حصته في مقابل إصرار ميقاتي على أن تكون من حصة الطائفة السنية.
ولفت المصدر إلى أن ميقاتي قاد هجوماً إيجابياً باتجاه عون وتجنب الخوض علناً في النقاط الخلافية في ضوء ما انتهت إليه الجولات الأولى من المشاورات، وعزا السبب إلى أن ميقاتي يراهن على أن يتعامل معه عون بإيجابية تؤدي إلى حسم الخلاف حول التوزيع الطائفي للحقائب كشرط للانتقال في اجتماعهما المقرر بعد غد الاثنين إلى تسمية الوزراء. ورأى أن ميقاتي لم يكن يرغب في حشر عون وذهب بعيداً في محاصرته إيجابياً وصولاً لتشجيعه على التعاون، فيما بات البلد بحاجة إلى حكومة قادرة على وقف الانهيار.
وأكد المصدر نفسه أن ميقاتي لم يتطلع من خلال المواقف التي أعلنها إلى الانقلاب على عون الذي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن من يراهن على وجود نية لدى ميقاتي للانقلاب على زملائه في نادي رؤساء الحكومات وتحديداً سعد الحريري سيكتشف أن رهانه ليس في محله، وهذا ما عكسه في موقفه بإصراره أن يبقى تحت سقف الثوابت التي حددوها في بيانهم وكان أحد الذين شاركوا في وضعها.
واعتبر أن ميقاتي أجاد في الدفاع عن موقفه وأحسن في تدوير للزوايا من دون المساس بالثوابت الوطنية التي يتمسك بها رؤساء الحكومات، وقال إن إسناد وزارة المالية لوزير شيعي يجب أن ينسحب على الطوائف الرئيسة الأخرى لجهة عدم تطبيق مبدأ المداورة على الأقل فيما يتعلق بالحقائب السيادية ولمرة واحدة وبصورة استثنائية.
ورأى أن الحريري عندما وافق على إسناد حقيبة المالية لوزير شيعي فإن موافقته جاءت استجابة لطلب باريس انطلاقاً من حرصه على التمسك بالمبادرة الفرنسية وتوفير الشروط لإنجاحها بإزالة العراقيل، وقال إن باريس أخطأت في تعاطيها مع التضحية التي قدمها الحريري وبدلاً من أن توظفها للضغط على من يعيق ترجمة مبادرتها إلى خطوات ملموسة ذهبت إلى دفعه لتقديم المزيد من التنازلات. وأضاف بأن باريس لم تحسن استخدام تسليم الحريري بالمالية للشيعة للحصول على الثمن السياسي لهذا التنازل من الآخرين.
وقال إن عون كان وافق على إسناد المالية لشيعي وهذا ما أورده في الجدول الذي سلمه للحريري والخاص بتوزيع الحقائب على الطوائف. لكن عون - بحسب المصدر - سرعان ما تراجع تحت ضغط رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وهو لا يزال على تراجعه بذريعة حرصه على تطبيق مبدأ المداورة في توزيع الحقائب لعله يقايض تسليم المالية للشيعة بأن يعطى حقيبة الداخلية.
وأكد المصدر بأن عون لا يترك مناسبة إلا ويدعي فيها أنه يريد الإصلاح للإمعان في وضع يده على البلد من خلال سيطرته على الحكومة، وقال إن عون يخطئ إذا اعتقد أنه سيكون طليق اليد في الحكومة العتيدة على غرار إمساكه بزمام المبادرة في حكومة الرئيس حسان دياب قبل أن يستقيل وامتداداً إلى ما بعد استقالته.
ورأى المصدر نفسه بأن على عون أن يدرك أن ميقاتي غير دياب، وقال إن دياب استقال من دوره قبل أن يستقيل بصورة رسمية، وسأل: هل أن عون استخلص العبر السياسية وتوصل إلى قناعة بأن البلد لا يدار بنفس الطريقة التي أداره فيها منذ أن اختير دياب رئيساً للحكومة؟
كما سأل إذا كان عون على استعداد للتعاون مع ميقاتي؟ أم أنه بات على قناعة بأنه دفع التكلفة السياسية لإخفاقه في إنقاذ البلد ولم يعد له خيار سوى أن يعيد الاعتبار لباسيل؟ خصوصاً أن الوضع المتأزم لا يحتمل تمديد مشاورات التأليف، مع أن الرهان على أن تشكل الحكومة قبل حلول الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت في 4 (آب) المقبل التي تتلازم مع استضافة باريس للمؤتمر الدولي لدعم لبنان لم يكن صائباً رغم أن الضغوط الأميركية والفرنسية لم تتوقف للإسراع بتشكيل الحكومة، وهذا ما قصده ميقاتي عندما تحدث عن وجود ضمانات دولية لإنقاذ لبنان.
فرئيس الجمهورية من وجهة نظر المصدر نفسه يقع بين حصارين: الأول يقوده باسيل الذي لن يسمح بالإفراج عن تشكيل الحكومة ما لم تأت التشكيلة على قياسه وخدمة لطموحاته الرئاسية، والثاني يتولاه «حزب الله» وإنما بصمت وبخلاف عدم تسمية حليفه لميقاتي بتشكيل الحكومة في محاولة منه لتبرئة ذمته من اتهامه بتعطيل تشكيلها.
حتى أن «حزب الله» وإن كان يتمايز في تسميته عن باسيل من جهة وفي امتناعه عن تسمية الحريري، فإن هذا التمايز يبقى تحت سقف رمي المسؤولية على غيره ما لم يبادر للضغط على عون لتسهيل مهمة الرئيس المكلف لإبعاد الشبهة عنه بأن تعاطيه مع تأليفها يعود لاعتبارات إقليمية معطوفة على تحالفه مع إيران.
فـ«حزب الله» - كما يقول المصدر - وبخلاف الآخرين ينظر إلى تشكيل الحكومة من منظار إقليمي بما يتلاءم مع المقاييس الإيرانية ويأخذ بعين الاعتبار ترحيل مفاوضات فيينا إلى سبتمبر (أيلول) المقبل ويتخذ من شروط عون بالنيابة عن باسيل ستارة لتبرئة ذمته على الأقل داخلياً، متسلحاً هذه المرة بتسمية ميقاتي.
لذلك فإن «التهمة» الموجهة لـ«حزب الله» بعدم حماسته لتشكيل الحكومة في المدى المنظور تبقى قائمة، إلا إذا تبدل موقفه بمبادرة عون للتعاطي مع الرئيس المكلف بمرونة وانفتاح لتصبح الطريق سالكة نحو التأليف مع أن المشاورات ما زالت في بداية الطريق وهي في حاجة إلى جرعة سياسية لاختصار المسافة الزمنية لئلا يغرق البلد في متاهات تبادل الشروط مع أنه لا يحتمل هدر الوقت وإضاعة الفرص، خصوصاً أن ميقاتي الذي يتمتع بنفس طويل يستطيع أن يصبر لبعض الوقت وإلا سيضطر لاتخاذ موقف آخر.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.