جيما نونو كومبا... وإدارة «التعايش الصعب»

أول امرأة ترأس برلمان جنوب السودان

جيما نونو كومبا... وإدارة «التعايش الصعب»
TT

جيما نونو كومبا... وإدارة «التعايش الصعب»

جيما نونو كومبا... وإدارة «التعايش الصعب»

لن يكون على عاتق جيما نونو كومبا، الرئيسة الجديدة لبرلمان جمهورية جنوب السودان، إصدار تشريعات لازمة لبناء الدولة الوليدة فقط، بل مهمة أثقل، تتمثل في حفظ وتثبيت السلام الهش، وإدارة تعايش وُصف بـ«صعب» بين طرفين متناحرين، وممثلين معاً داخل المجلس النيابي المعاد تشكيله.
كومبا، الأمينة العامة الحالية للحزب الحاكم في جنوب السودان، عُينت خلال الأسبوع الماضي رئيسة جديدة لمجلس النواب، لتغدو أول امرأة تحوز هذا المنصب، في هذه الدولة التي نالت استقلالها منذ 10 سنوات فقط. وجاء تعيين كومبا عقب اجتماع للجمعية العامة للحزب في العاصمة جوبا، برئاسة سلفا كير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان. وبدا أن الرئيسة الجديدة للبرلمان تحظى بتوافق كبير وسط قيادات الحزب الحاكم، إذ قوبل إعلان تعيينها بـ«تصفيق حار» من جميع الخصوم السياسيين.
الكلمات الأولى للرئيسة الجديدة، بعد توليها منصبها، جاءت معبرة عن إدراكها حجم الأعباء والمهام الملقاة على كاهلها، التي تشتمل على مواءمات سياسية أكثر من كونها إجراءات قانونية وممارسات تشريعية معتادة. ولذا استهلت كومبا كلامها بالقول صراحة إن «الأمر لن يكون سهلاً... إذ تتطلب الممارسة الحالية للسياسة انخراط الجميع، وتستدعي توحيد الأهداف».
وتجدر الإشارة إلى أن جنوب السودان استقلت عن السودان عام 2011 إثر استفتاء شعبي، قبل أن تغرق الدولة الوليدة في أتون حرب أهلية في ديسمبر (كانون الأول) 2013، أوقعت نحو 380 ألف قتيل خلال 5 سنوات. وبالفعل أدّت هذه الحرب إلى نزوح نحو ثلث السكان، متسببة بأزمة إنسانية خطيرة. وفي وقت لاحق، وُقع اتفاق سلام رسمياً، بحضور وإشراف دولي، خلال شهر سبتمبر (أيلول) 2018 بين الرئيس سلفا كير، وغريمه رييك مشار، والرجلان يديران البلاد حالياً، الأول بصفته رئيساً، والثاني بصفته نائباً له.
تنحدر جيما نونو كومبا (55 سنة، فهي من مواليد عام 1966) من مقاطعة تومبورا (طمبورة) بولاية غرب الاستوائية. وإبّان سنوات طفولتها، انتقلت من مقاطعة تومبورا إلى مخيم للاجئين في جمهورية أفريقيا الوسطى. ثم التحقت بعد ذلك بالمدرسة الثانوية من 1983 إلى 1986 في جوبا، من ولاية غرب الاستوائية.
بدأت الرئيسة الجديدة للبرلمان حياتها السياسية في وقت مبكّر، فانضمت إلى متمردي الحركة الشعبية لتحرير السودان في أوائل التسعينات في حربها ضد الخرطوم. وعملت مديرة لشركة لها علاقات بتنظيم «الجيش الشعبي لتحرير السودان»، ثم صارت منسقة لمجلس كنائس السودان الجديد.
وبعدما عيّن زوجها ممثلاً لـ«الحركة الشعبية لتحرير السودان» في جمهورية ناميبيا المتاخمة لجمهورية أفريقيا، انتقلت كومبا معه. وللعلم، فإن زوجها هو وزير الثروة الحيوانية والسمكية السابق فيستو كومبا، وللزوجين 4 أطفال. وأثناء وجودها في ناميبيا، التحقت هناك بجامعة ناميبيا؛ حيث درست الإدارة العامة من 1999 إلى 2002. ومن ثم، نشطت بقوة في صفوف «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، وفي عام 2002 شاركت في مباحثات السلام نيابة عن «الحركة» في كينيا. وبعد عقد اتفاق السلام الشامل (CPA) عام 2005، شغلت كومبا منصب عضو برلمان في الخرطوم، ثم شاركت في مفاوضات السلام بين «الحركة الشعبية لتحرير السودان» والحكومة السودانية، بقيادة الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير.
- ظهور لافت ومميز
ظهور جيما نونو كومبا اللافت والمميز، أهّلها لتكون أول امرأة تشغل منصب حاكمة بعد اتفاق السلام الشامل، إذ جرى تعيينها حاكمة لولاية غرب الاستوائية خلال عام 2008. قبل أن تخسر المنصب في انتخابات أبريل (نيسان) 2010 لصالح بانغاسي جوزيف ماريو باكوسورو.
لكن، على الرغم من هذه النكسة المؤقتة، عاودت كومبا مسيرتها، وتبوأت على التوالي عدة وزارات. ففي 10 يوليو (تموز) 2011 عيّنت وزيرة للإسكان والتخطيط العمراني في مجلس وزراء جنوب السودان. ثم في 3 أغسطس (آب) 2013، في أعقاب إجراء رئيس جنوب السودان عملية تعديل وزاري، شملت تبديل عدد من الوزراء وعدد من الوزراء والنواب، أسند إلى كومبا منصب وزيرة الكهرباء والسدود والري والموارد المائية، وبحلول يوليو 2016 عيّنت وزيرة لحماية الحياة البرية والسياحة.
أيضاً، خارج نطاق مجلس الوزراء، عيّنت كومبا خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2015، في منصب نائب الأمين العام لـ«الحركة الشعبية لتحرير السودان». في الوقت نفسه، أقدم الرئيس سلفا كير على حل الأمانات الوطنية، وكلّف كومبا بالتوصية بأمانات الحزب الجديدة. ثم ما لبثت حلّت محل آن إيتو ليوناردو في منصب نائب الأمين العام لـ«الحركة»، وأدت اليمين الدستورية يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015.
- مهارات سياسية تفاوضية
تتمتع جبما نونو كومبا بمهارات سياسية كبيرة في التفاوض، أهّلتها تماماً لتكون محل ثقة بين قادة السلطة في جنوب السودان. ذلك أنه بخلاف المناصب الحكومية التي تولّتها، عُهد إليها بكثير من المهام الخاصة بحل النزاعات القبلية والعرقية، من بينها في الفترة رئاسة لجنة لحل الصراعات الدائرة في مقاطعة تومبورا بين قبيلتي «البلندا» و«الزاندي»، وذلك بالاتفاق بين سلفا كير ومشار. ولقد شكّلت اللجنة من رجالات الدين والشباب والمجتمع المدني والقيادات العسكرية والسياسية من الحكومة الانتقالية. وأوصت بعقد مؤتمر صُلح بين أبناء المنطقة إلى جانب الاتفاق على ترحيل قوات المعارضة والحكومة من تومبورا إلى مريدي.
- مهمة جديدة صعبة
وفقاً لاتفاق السلام الموقع عام 2018، حُل برلمان جنوب السودان، ثم أعيد تشكيله في مايو (أيار) الماضي، بتعيين 550 نائباً بدلاً من 400. موزّعين على 3 مجموعات؛ الأولى تضم 332 نائباً من قبل الرئيس سيلفا كير، و128 من قبل رييك مشار، بينما تُعين الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق 90 نائباً. كذلك سيكون نائب الرئيس - الذي لم يعيّن بعد - من هذا الحزب أيضاً. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه اتُفق على أن يضم البرلمان ممثلي جميع الأطراف الموقعة على اتفاق السلام، في أعقاب حملة ضغوط كثيرة وقوية مارستها أطراف دولية وإقليمية على أطراف الاتفاق لتكملة هياكل ومؤسسات الفترة الانتقالية.
وفي أول المهام، دعا الرئيس كير رئيسة البرلمان الجديدة وأعضاء «الحركة الشعبية» إلى التركيز على تنفيذ بنود اتفاقية السلام، التي لم يتم تنفيذ كثير من بنودها بعد. ومما قاله الرئيس في كلمته للنواب: «يجب أن تكونوا سفراء السلام»، كما طالب كومبا والمجلس بأكمله إلى «التركيز على الهدنة»، التي جرى الالتزام بشروط قليلة منها.
هذا، ويعوّل في داخل جنوب السودان وخارجه على البرلمان ورئيسته في تحقيق تقدم على صعيد التوافق السياسي وتهدئة الأوضاع الأمنية، وإكمال استحقاقات اتفاقية السلام التي يعلق كثير من السودانيين الجنوبيين عليها آمالاً عريضة لتغيير أحوال الدولة. إلا أن كثرة من المراقبين ما زالوا يتوقعون صدامات بين مكوّنات البرلمان، بسبب تضارب المصالح بين التيارات المتنافسة.
وفي المقابل، في مطلق الأحوال، ينتظر أن يساعد البرلمان في إجازة قوانين تتوافق مع اتفاق السلام المنشَّط، إلى جانب سن تشريعات جديدة تتعلق بالإصلاحات الاقتصادية والمالية التي نصّت عليها اتفاقية السلام نفسها، بجانب إدماج الاتفاقية في الدستور بعدما تفرغ لجنة صياغة الدستور من أعمالها.
وهنا نشير إلى أن البرلمان الجنوبي تلقى دعماً دولياً واضحاً، حين أقدمت دول أفريقية وأوروبية على تهنئة حكومة الوحدة الوطنية بدولة جنوب السودان بمناسبة إعادة تشكيل البرلمان الذي اعتبرته دفعة لعملية السلام المتعثرة بالبلاد.
وقالت بريطانيا والنرويج وكندا وفرنسا والسويد، ومعها الاتحاد الأوروبي، في بيان مشترك: «إن إعلان تكوين الهيئة التشريعية يمثل خطوة مهمة في سبيل تنفيذ بنود اتفاق السلام». وأضاف البيان: «نأمل أن تقوم الحكومة أيضاً بتكوين مجلس الولايات والهيئات التشريعية الولائية لمعالجة قضايا التشرد والنزوح والنزاعات المجتمعية».
- انتصار للمرأة
على صعيد آخر، لا يختلف حال المرأة في جنوب السودان عما هو عليه وضع النساء في أنحاء العالم الثالث، وبالأخص، من ناحية تعرضها للاضطهاد والتحرش والعنف الجسدي، بل ربما هو الأسوأ بحسب تقارير رسمية. ولذلك جاء تعيين كومبا بمثابة انتصار للمرأة الجنوبية، التي تعاني من ضعف واضح في التمثيل السياسي.
وللعلم، تطالب القيادات النسوية بدولة جنوب السودان، منذ نحو 10 سنوات، أطراف اتفاق السلام، بمراعاة نسبة تمثيل المرأة، وأن تكون تلك النسبة وفقاً لما حددته اتفاق السلام بـ35 في المائة. وبالفعل، خصصت اتفاقية السلام نسبة 35 في المائة من المقاعد للنساء على مستوى الحكومة المركزية وحكومات الولايات، بجانب المجالس التشريعية في المركز والولايات. غير أن الأطراف فشلت حتى الآن في الالتزام بتلك النسب المخصصة لهن دون تقديم أي مبررات. وبالتالي، ينظر إلى الفشل في تحقيق تلك النسبة كواحد من الإخفاقات الكبيرة التي ستؤثر على وضعية النساء في المجال العام بالبلاد.
وفي السياق نفسه، ظلّت الأطراف الموقعة على اتفاق السلام المنشَّط في جنوب السودان «تماطل في تنفيذ النسبة المخصصة للنساء»، كما تشير أيا بنجامين واريلي، وزيرة النوع والطفل والرعاية الاجتماعية بجنوب السودان، التي اعتبرت أن ذلك «يمثل انتهاكاً صريحاً لحقوق النساء بالبلاد». وأضافت: «نحن أطراف اتفاقية السلام لم نلتزم بتمثيل المرأة في المستويات المختلفة للسلطة، ولا أحد يعلم ما هو السبب وراء ذلك، لكننا سنظل نسأل باستمرار عمّا حدث بخصوص تمثيل النساء في أجهزة الحكم المختلفة بالبلاد». كذلك قال واريلي: «كنساء قياديات في الحكومة الانتقالية، فإننا سنواصل الضغط من أجل حصول النساء والأطفال على حقوقهم، في إطار سعينا لتحقيق السلام المستدام بالبلاد».
مما يُذكر أنه سبق أن هدد نشطاء في مجال حقوق المرأة بدولة جنوب السودان، باللجوء للقضاء بسبب قلة التزام أطراف اتفاق السلام بالنسبة التي خصصتها اتفاقية السلام المنشطة لتمثيل النساء في جميع أجهزة الحكم التنفيذية والتشريعية على مستوى المركز وبقية الولايات العشر. في حين يشكل دور المرأة في البلاد مبعث قلق لبعثة الأمم المتحدة هناك، وسط استمرار العنف الطائفي الذي يهدد كل المدنيين، بما في ذلك أعداد كبيرة من النساء والأطفال. ودعا تقرير سابق للأمم المتحدة إلى المساواة بين الجنسين وتعزيز التنمية الدستورية في جنوب السودان، ولا سيما بلد منقسم بسبب الولاءات العرقية والقبلية.
ووفق التقرير الشامل الأول عن «حجم وحشية» العنف في مناطق النزاع في جنوب السودان، الصادر في نوفمبر 2017، فإن حجم العنف ضد النساء والفتيات في جنوب السودان يبلغ ضعف المتوسط العالمي. وأوضح التقرير أن ما يصل إلى 65 في المائة من النساء والفتيات اللواتي أجريت معهن مقابلات، تعرضن للعنف الجنسي أو البدني.
وأخيراً، يرى مثيانق شريلو، رئيس تحرير صحيفة «الموقف» في جنوب السودان، أن موقع المرأة في المناصب السياسية يعكس «انتكاسة كبيرة للحزب الحاكم في جنوب السودان وشعاراته بشأن تمكين النساء، ويعكس في ذات الوقت تراجعاً كبيراً لمواقف الحركة التي تبدو على الأرض أنها تسير إلى الوراء بشكل واضح». ويضيف في مقال له: «لم يجد البعض إجابات وافية بشأن التهميش المتعمد لنساء الحركة في هذا التوقيت الذي يشهد تقدم صفوف بقية النساء في حركة مشار، الغريم الأساسي للحركة التي يقودها الرئيس كير».



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.