الحرائق... كارثة جديدة في لبنان تلتهم مساحات واسعة وتخطف فتى أثناء أخمادها

طوافات روسية وسورية تشارك مروحيات الجيش في مهمة إطفاء النيران

رجل يهرب من النيران المشتعلة في منطقة القبيات بشمال لبنان (أ.ف.ب)
رجل يهرب من النيران المشتعلة في منطقة القبيات بشمال لبنان (أ.ف.ب)
TT

الحرائق... كارثة جديدة في لبنان تلتهم مساحات واسعة وتخطف فتى أثناء أخمادها

رجل يهرب من النيران المشتعلة في منطقة القبيات بشمال لبنان (أ.ف.ب)
رجل يهرب من النيران المشتعلة في منطقة القبيات بشمال لبنان (أ.ف.ب)

شاركت طوافات روسية وسورية إلى جانب طوافات الجيش اللبناني في مهمة إطفاء الحرائق التي اندلعت في منطقة القبيات الحدودية مع سوريا في شمال لبنان، وقضت على مساحات حرجية واسعة، وأسفرت عن وفاة شاب في الـ15 من عمره، أصيب خلال مشاركته في إطفاء الحريق.
وكشفت الحرائق ضعف إمكانيات لبنان في مواجهة الكوارث والأزمات الطبيعية، إذ طالب وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى الدول الصديقة بالمساعدة، بالنظر إلى أنه «ليس لدينا القدرة على إطفاء الحريق»، واصفاً «المشهد على الأرض» بـ«المخيف». وأضاف في تصريح لوكالة «الصحافة الفرنسية»: «الحريق ضخم جداً، وقضى على مساحات واسعة من الأراضي الخضراء وبات يهدد المنازل السكنية».
ونشبت حرائق ضخمة بعد ظهر الأربعاء في غابات ومناطق حرجية في القبيات في الشمال، واستمرت حتى يوم أمس، وامتدت النيران إلى مناطق أخرى شرقاً في مناطق تابعة لمحافظة الهرمل في شمال شرقي البلاد، كما امتدت نيران إلى الداخل السوري في قرى متداخلة مع الأراضي اللبنانية. وأفاد الصليب الأحمر اللبناني عن نقل ثمانية أشخاص إلى المستشفى، وتلقي 25 آخرين العلاج ميدانياً، بينما تم إخلاء 17 شخصاً من المنطقة. وحاصرت الحرائق عدداً من الأهالي في منازلهم والمقاهي والمطاعم المجاورة لمكان الحريق.
والتهمت ألسنة النيران مساحات حرجية وثروات بيئية في مناطق مختلفة في قضاء عكار، وأظهرت صور قضاء النيران على مساحات حرجية واسعة في القبيات، بعد إخماد النيران فيها التي امتدت إلى مساحات أوسع.
وأكد الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد خير الذي أشرف ميدانيا على عمليات إخماد الحرائق في منطقة القبيات وصولا إلى جرود الهرمل أن «أعمال الإغاثة انطلقت منذ اندلاع الحرائق ونعمل جاهدين لإخمادها ولكن بسبب وعورة الجبال والوديان في تلك المنطقة نواجه صعوبات كثيرة في عمليات الإطفاء». وأعلن أنه تم «التواصل مع السلطات القبرصية من أجل إرسال طوافات، وعملت طوافات الجيش اللبناني وسيارات الدفاع المدني في المساعدة على إنقاذ ما تبقى من ثروة حرجية وحماية الأهالي والمنازل والممتلكات».
وتصاعدت نداءات الاستغاثة لمؤازرة سكان المنطقة في ظل نقص آليات إطفاء الحريق ونقص المحروقات، وقال الجيش اللبناني بأن طوافاته وعناصره يعملون منذ الأربعاء على إخماد الحرائق الهائلة المندلعة في عكار والهرمل. كما أشار إلى أن أربع طوافات تابعة للجيش عملت على إخماد الحرائق التي اندلعت في جبل أكروم - عكار كما شاركت وحدات من الجيش في عمليات الإطفاء أمس.
وبعدما امتدت النيران إلى الداخل السوري، نقلت وكالة «سبوتنيك» عن مصادر خاصة، أن مروحيات عسكرية تابعة للقوات الروسية العاملة في سوريا بدأت، صباح أمس، بمساندة فرق الإطفاء السورية في عمليات مكافحة الحرائق التي تتمدد شمال لبنان، بعدما بدأت بملامسة الحدود السورية قرب الريف الغربي لمحافظة حمص.
وأضافت المصادر أن المروحيات العسكرية الروسية قامت بعدة طلعات جوية، وألقت عشرات الأطنان من المياه فوق الحرائق التي وصلت إلى بلدة أكوم، التابعة لمدينة القصير بريف حمص الغربي، بالإضافة إلى طلعات أخرى باتجاه ذروة الحريق داخل الحدود اللبنانية.
ورفع فوج إطفاء حمص الجاهزية عبر الأراضي السورية، وتم إرسال آليات الدفاع المدني وصهاريج مياه من أجل السيطرة على الحرائق والعمل على عدم امتدادها وتوسعها. وذكرت وكالة «سانا» الرسمية السورية أن فرق الإطفاء في محافظة حمص واصلت عمليات إخماد الحريق الذي امتد مساء الأربعاء من الأراضي اللبنانية باتجاه أطراف قرية أكروم بمنطقة القصير بريف حمص الجنوبي الغربي.
وقالت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط» إن المنطقة تشهد تداخلاً جغرافياً، لافتة إلى أن طوافات من جهة الحدود السورية وصلت إلى المنطقة وشاركت في إطفاء النيران في المنطقة المتداخلة جغرافياً بين شمال لبنان وريف حمص الجنوبي الغربي.
وساهمت سرعة الرياح في امتداد النيران. وقال شاهد عيان إنها باتت على بعد عشرات الأمتار من قريته أكروم، ما اضطر عائلته إلى إخلاء منزلها مع تشكل سحب دخان كثيفة حجبت الرؤية. وبحسب «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية، امتد الحريق في منطقة عكار على مساحة تجاوزت 11 كيلومتراً.
ويهدد الحريق بالقضاء على أشجار الأرز واللزاب والشربين والسنديان. وقال وزير الزراعة أثناء تفقد المناطق المتضررة، إن «النيران بدأت بمحاصرة وتهديد المنازل، لذلك كلنا مدعوون للعمل والتواصل مع الجميع من أجل محاصرتها، وإذا لم نتمكن من إطفاء الحريق في ساعات الصباح الأولى، فهذا يعني أن كل المنطقة والجرود مهددة بسبب الحريق». وشدد مرتضى على «ضرورة التعاون مع الدول الصديقة في هكذا ظروف»، داعياً الدولة للقيام بمسؤوليتها.


مقالات ذات صلة

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال جولته في الأمازون (أ.ف.ب)

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

يزور جو بايدن الأمازون ليكون أول رئيس أميركي في منصبه يتوجه إلى هذه المنطقة، في وقت تلوح فيه مخاوف بشأن سياسة الولايات المتحدة البيئية مع عودة دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (أمازوناس)
الولايات المتحدة​ امرأة وزوجها وسط أنقاض منزلهما الذي أتى عليه الحريق في كاماريللو (أ.ب)

حرائق كالفورنيا «تلتهم» أكثر من 130 منزلاً

أكد عناصر الإطفاء الذين يعملون على إخماد حريق دمّر 130 منزلا على الأقل في كالفورنيا أنهم حققوا تقدما في هذا الصدد الجمعة بفضل تحسن أحوال الطقس.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
الولايات المتحدة​ رجل إطفاء يوجه خرطوم مياه نحو النار في منزل دمّره حريق «ماونتن فاير» قرب لوس أنجليس (أ.ف.ب)

السيطرة على حرائق غابات مدمّرة قرب لوس انجليس

بدأ رجال الإطفاء السيطرة على حريق غابات استعر قرب مدينة لوس انجليس الأميركية وأدى إلى تدمير ما لا يقل عن 132 مبنى.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
المشرق العربي زراعة 3 آلاف غرسة في غرب حمص أواخر العام الماضي قام بها طلبة متطوعون (مواقع)

موجة حرائق تلتهم مساحات واسعة من قلب سوريا الأخضر

صور الحرائق في سوريا هذه الأيام لا علاقة لها بقصف حربي من أي نوع تشهده البلاد وجوارها، بعيدة عن الاهتمام الإعلامي وقريبة من ساحات الحرب.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ رجال الإطفاء يخمدون حريقاً  ألحق أضراراً بالعديد من المباني في أوكلاند بكاليفورنيا (رويترز)

كاليفورنيا: المئات يخلون منازلهم بسبب حريق غابات

أعلن مسؤول في إدارة الإطفاء الأميركية إنه تم إصدار أوامر للمئات من سكان شمال ولاية كاليفورنيا بإخلاء منازلهم في أحد أحياء مدينة أوكلاند بسبب حريق ينتشر سريعاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.