غانتس في باريس لاحتواء فضيحة التنصت على ماكرون

الطرف الفرنسي ينتظر نتائج التحقيق والتدابير المستقبلية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء زيارته للمتحف البيئي في بولينيزيا الفرنسية الثلاثاء (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء زيارته للمتحف البيئي في بولينيزيا الفرنسية الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

غانتس في باريس لاحتواء فضيحة التنصت على ماكرون

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء زيارته للمتحف البيئي في بولينيزيا الفرنسية الثلاثاء (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء زيارته للمتحف البيئي في بولينيزيا الفرنسية الثلاثاء (أ.ف.ب)

تنظر باريس بكثير من الجدية إلى الضرر الذي قد يكون لحق بأمنها ومصالحها جراء استخدام تطبيق «بيغاسوس» الذي تنتجه شركة «إن إس أو» الإسرائيلية للتجسس على الهواتف الذكية النقالة لكبار المسؤولين في الدولة، وعلى رأسهم الرئيس إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء السابق أدوار فيليب، و14 وزيراً، بينهم وزير الخارجية جان إيف لو دريان.
ومنذ أن نشرت مجموعة من الصحف العالمية، بينها صحيفة «لو موند» المستقلة، وإذاعة فرنسا، نتائج تحقيق دولي، أعربت باريس عن قلقها، وشددت على مطالبتها بمعرفة حقيقة ما جرى، كما عمدت السلطات المعنية إلى تشديد إجراءات الأمان على هواتف كبار المسؤولين، ودعا الرئيس الفرنسي إلى اجتماع استثنائي لمجلس الدفاع الخميس الماضي، خصص للنظر في تبعات ما يرقى إلى فضيحة تجسس دولية طالت 14 رئيس دولة، بينهم ماكرون، وعشرات الصحافيين والناشطين الحقوقيين في كثير من الدول. وقد أمر الأخير بتشديد البروتوكول الخاص بسلامة هواتف المسؤولين، وتحديداً بالنسبة للاتصالات «الحساسة»، بالتوازي مع عمليات التدقيق والتحقق الفنية الجارية.
كذلك عمد الرئيس الفرنسي إلى الاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت، بعد 48 ساعة من نشر مضمون التحقيق الصحافي، الأمر الذي يدل على «قلق» السلطات الفرنسية. وبحسب تقارير إعلامية، فإن الرئيس الفرنسي عبر عن «مخاوفه» إزاء عملية التنصت، وأراد التأكد من أن السلطات الإسرائيلية تأخذ الأمور بالجدية اللازمة. وأفادت مصادر الإليزيه بأن ماكرون «يأخذ الأمر بجدية كاملة، كما أنه يتابع نتائج التحقيق الذي تقوم به الأجهزة الفنية».
تجدر الإشارة إلى أن الشركة الإسرائيلية المنتجة للتطبيق قد نفت قطعياً التنصت على هواتف المسؤولين الفرنسيين، فيما عمد الصحافيون الفرنسيون إلى تقديم دعاوى أمام القضاء الفرنسي ضد الجهات المتنصتة، وضد الشركة الإسرائيلية.
ولأن الطرف الإسرائيلي يعي أهمية الصدمة الفرنسية، فإن تل أبيب أرسلت وزير دفاعها بيني غانتس إلى باريس، يوم أمس، للقاء نظيرته الفرنسية فلورانس بارلي. وأفادت مصادر وزارة الدفاع، قبل الاجتماع، بأن بارلي «ستستفيد من اللقاء المقرر من مدة طويلة لتعرف مدى اطلاع الحكومة الإسرائيلية على أنشطة شركة (إن إس أو)، وعلى الإجراءات والتدابير التي اتخذتها، أو تلك التي ستتخذ في المستقبل لتلافي استغلال إمكانيات التطبيق التنصتية».
واللقاء الذي كان مقرراً عصر أمس، في مقر وزارة الدفاع في باريس، استبقه بيان إسرائيلي يفيد بأن غانتس سيطلع السلطات الفرنسية على التطورات الخاصة بالبرنامج الذي لا يباع إلى أطراف خارجية إلا بعد الحصول على إذن من وزارة الدفاع الإسرائيلية، وبالتالي فإن مسؤوليتها في الميزان. ووفق مصادر متطابقة، فإن اللقاء سيوفر الفرصة للطرفين للتباحث في المسائل الاستراتيجية، ومنها موضوعان رئيسيان: النووي الإيراني، والوضع اللبناني وتطوراته. وينظر في باريس إلى قيام الكنيست الإسرائيلي بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول استخدام تطبيق «بيغاسوس» لأغراض تجسسية على أنه محاولة لـ«امتصاص الصدمة» المتأتية عن الكشف عن عمليات التنصت التي طالت، وفق تأكيدات التحقيق الدولي، نحو 50 ألف رقم هاتف عبر العالم. وتكمن أهمية التطبيق المذكور في أنه يصعب اكتشافه من جهة، وأنه قادر على الاستحواذ على كل ما يحتضنه الهاتف المستهدف من مكالمات ومراسلات وصور ومعطيات متنوعة من جهة أخرى. والمعروف أن هذا التطبيق لا يباع إلا إلى دول، وليس إلى شركات أو أفراد. وقد نفت الشركة الإسرائيلية الاتهامات، مؤكدة أن التطبيق المذكور يستخدم فقط في الحرب على الإرهاب والمنظمات الإجرامية.
وأمس، أفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأن الصندوق الاستثماري البريطاني «نوفالبينا» الذي يمتلك شركة «إن إس أو» الإسرائيلية سوف تتم تصفيته في الأسابيع المقبلة. ويمتلك الصندوق الذي اشترى الشركة الإسرائيلية المعنية في عام 2019 مختبرات طبية في فرنسا، وكازينوهات في عدة بلدان. ويربط المحللون بين فضيحة «بيغاسوس» وتصفية صندوق الاستثمار البريطاني. بيد أن هذا التطور، إذا ما تم، لا يعني أبداً أن الشركة الإسرائيلية ستوقف أنشطتها، إذ قد تتغير البنية القانونية التي تمتلكها، أو تعمد فقط إلى تغيير هويتها، أو بيع الشركة إلى مستثمر آخر. بيد أن صحيفة «لي زيكو» الفرنسية الاقتصادية أفادت في عددها الصادر أمس بأن تصفية الصندوق الاستثماري تعود إلى الحرب الداخلية بين مديري الصندوق بسبب الضغوط التي تمارسها تنظيمات المجتمع المدني، ربطاً بأنشطة الشركة واتهامات التنصت والتجسس المساقة ضدها التي ضاعفتها الفضيحة الأخيرة.
والواضح أن إسرائيل تريد استيعاب ردة الفعل الفرنسية على الفضيحة الأخيرة لأنها تعي واقع الصدمة. ومن هنا، كان النفي المتكرر للشركة المنتجة للتطبيق، وتشكيل اللجنة البرلمانية، والاتصال المباشر بين ماكرون وبينت، وإرسال غانتس إلى باريس، ولكن ليس من المؤكد أن المبادرات الإسرائيلية ستكون كافية لإرضاء الطرف الفرنسي الذي ينتظر نتائج التحقيق الإسرائيلي من جهة، والتدابير المستقبلية التي ستمنع تكرار ممارسات كتلك التي أثارتها هذه الفضيحة.



أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
TT

أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)

قدَّم تقرير أممي حديث عن أوضاع التعليم في مديرية رازح اليمنية التابعة لمحافظة صعدة؛ حيثُ المعقل الرئيسي للحوثيين شمالي اليمن، صورة بائسة حول الوضع الذي يعيش فيه مئات من الطلاب وهم يقاومون من أجل الاستمرار في التعليم، من دون مبانٍ ولا تجهيزات مدرسية، بينما يستخدم الحوثيون كل عائدات الدولة لخدمة قادتهم ومقاتليهم.

ففي أعماق الجبال المرتفعة في المديرية، لا يزال الأطفال في المجتمعات الصغيرة يواجهون التأثير طويل الأمد للصراعات المتكررة في المحافظة، والتي بدأت منتصف عام 2004 بإعلان الحوثيين التمرد على السلطة المركزية؛ إذ استمر حتى عام 2010، ومن بعده فجَّروا الحرب الأخيرة التي لا تزال قائمة حتى الآن.

الطلاب اليمنيون يساعدون أسرهم في المزارع وجلب المياه من بعيد (الأمم المتحدة)

وفي المنطقة التي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال رحلة برية تستغرق ما يقرب من 7 ساعات من مدينة صعدة (مركز المحافظة)، تظل عمليات تسليم المساعدات والوصول إلى الخدمات الأساسية محدودة، وفقاً لتقرير حديث وزعته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ إذ بينت المنظمة فيه كيف يتحمل الأطفال بشكل خاص وطأة الفرص التعليمية المحدودة، والمرافق المدرسية المدمرة.

مدرسة من دون سقف

وأورد التقرير الأممي مدرسة «الهادي» في رازح باعتبارها «مثالاً صارخاً» لتلك الأوضاع، والتي لا تزال تخدم مئات الطلاب على الرغم من الدمار الذي تعرضت له أثناء المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين، أثناء التمرد على السلطة المركزية؛ حيث تُركت هياكل خرسانية من دون سقف أو جدران.

ويؤكد مدير المدرسة -وفق تقرير «اليونيسيف»- أنها منذ أن أصيبت ظلت على هذه الحال، من ذلك الوقت وحتى الآن. ويقول إنهم كانوا يأملون أن يتم بناء هذه المدرسة من أجل مستقبل أفضل للطلاب، ولكن دون جدوى؛ مشيراً إلى أن بعض الطلاب تركوا الدراسة أو توقفوا عن التعليم تماماً.

مدرسة دُمّرت قبل 15 سنة أثناء تمرد الحوثيين على السلطة المركزية (الأمم المتحدة)

ويجلس الطلاب على أرضيات خرسانية من دون طاولات أو كراسي أو حتى سبورة، ويؤدون الامتحانات على الأرض التي غالباً ما تكون مبللة بالمطر. كما تتدلى الأعمدة المكسورة والأسلاك المكشوفة على الهيكل الهش، مما يثير مخاوف من الانهيار.

وينقل التقرير عن أحد الطلاب في الصف الثامن قوله إنهم معرضون للشمس والبرد والمطر، والأوساخ والحجارة في كل مكان.

ويشرح الطالب كيف أنه عندما تسقط الأمطار الغزيرة يتوقفون عن الدراسة. ويذكر أن والديه يشعران بالقلق عليه حتى يعود إلى المنزل، خشية سقوط أحد الأعمدة في المدرسة.

ويقع هذا التجمع السكاني في منطقة جبلية في حي مركز مديرية رازح أقصى غربي محافظة صعدة، ولديه مصادر محدودة لكسب الرزق؛ حيث تعمل أغلب الأسر القريبة من المدرسة في الزراعة أو الرعي. والأطفال -بمن فيهم الطلاب- يشاركون عائلاتهم العمل، أو يقضون ساعات في جلب المياه من بعيد، بسبب نقص مصادر المياه الآمنة والمستدامة القريبة، وهو ما يشكل عبئاً إضافياً على الطلاب.

تأثير عميق

حسب التقرير الأممي، فإنه على الرغم من التحديات والمخاوف المتعلقة بالسلامة، يأتي نحو 500 طالب إلى المدرسة كل يوم، ويحافظون على رغبتهم القوية في الدراسة، في حين حاول الآباء وأفراد المجتمع تحسين ظروف المدرسة، بإضافة كتل خرسانية في أحد الفصول الدراسية، ومع ذلك، فإن الدمار هائل لدرجة أن هناك حاجة إلى دعم أكثر شمولاً، لتجديد بيئة التعلم وإنشاء مساحة مواتية وآمنة.

واحد من كل 4 أطفال يمنيين في سن التعليم خارج المدرسة (الأمم المتحدة)

ويشير تقرير «يونيسيف»، إلى أن للصراع وانهيار أنظمة التعليم تأثيراً عميقاً على بيئة التعلم للأطفال في اليمن؛ حيث تضررت 2426 مدرسة جزئياً أو كلياً، أو لم تعد تعمل، مع وجود واحد من كل أربعة طلاب في سن التعليم لا يذهبون إلى المدرسة، كما يضطر الذين يستطيعون الذهاب للمدرسة إلى التعامل مع المرافق غير المجهزة والمعلمين المثقلين بالأعباء، والذين غالباً لا يتلقون رواتبهم بشكل منتظم.

وتدعم المنظمة الأممية إعادة تأهيل وبناء 891 مدرسة في مختلف أنحاء اليمن، كما تقدم حوافز لأكثر من 39 ألف معلم لمواصلة تقديم التعليم الجيد، ونبهت إلى أنه من أجل ترميم أو بناء بيئة مدرسية أكثر أماناً للأطفال، هناك حاجة إلى مزيد من الموارد.