مجلات الأطفال العربية تحت «مجهر النقد»

المصرية نجلاء علام تقدم حصراً لها منذ 1870 حتى 2000

غلاف أحد أعداد مجلة «سمير»
غلاف أحد أعداد مجلة «سمير»
TT

مجلات الأطفال العربية تحت «مجهر النقد»

غلاف أحد أعداد مجلة «سمير»
غلاف أحد أعداد مجلة «سمير»

تركز الكاتبة المصرية نجلاء علام في كتابها «القيم في مجلات الأطفال العربية»، الصادر حديثا عن دار «النابغة» المصرية، على ضرورة تشجيع الأطفال على المشاركة في الأنشطة الثقافية واكتشاف الموهوبين منهم، ورعايتهم والقيام بدور تنويري داخل أسرهم، ومد المكتبات العامة بالجديد من الإصدارات، وتحفيز المؤسسات الصحافية، والجهات البحثية المهتمة بالطفل ودعمها من أجل إصدار مجلات جديدة، تستوعب احتياجاته الثقافية، كذلك دعت إلى ضرورة الوصول لآلية مشتركة بين الدول العربية لتوزيع مجلات الأطفال.
وذكرت نجلاء علام في كتابها أن تشجيع حرية التعبير عن الرأي لدى الأطفال، يرسخ القيم الأخلاقية والاجتماعية لديهم، ويؤثر إيجابياً في شخصياتهم، لكن «تزويدهم بنوع من التوعية المجتمعية والسياسية، يجب أن يكون في حدود قدراتهم على الاستيعاب، وأن تصحيح المفاهيم الخاصة بالحقوق والواجبات الخاصة بهم يمكن أن يتم عن طريق المجلات المقدمة لهم، والتي يجب أن تعمل على غرس القيم التي تتناسب مع روح المجتمع وعاداته وتقاليده».

ببليوغرافيا شاملة
خلال فصول الكتاب الخمسة ومباحثه، قدمت المؤلفة حصراً بمجلات الأطفال التي صدرت في الوطن العربي منذ عام 1870 وحتى عام 2000، وذلك في ببليوغرافيا هي الأولى من نوعها في العالم العربي، وقامت خلالها بعرض مضمونها ومشكلاتها ووظائفها مركزة في ذلك على العديد من المجلات المعاصرة.
وفي حديثها عن القيم في مجلات الأطفال العربية المعاصر أخذت المؤلفة شريحة من مجلات الأطفال العربية التي تصدر حالياً، وهي مجلات ماجد، والعربي الصغير، وعلاء الدين، وقطر الندى، وسمير، وتتبعت تبويب كل منها، ووجدت تشابهاً كبيراً بينها، يصل إلى حد التطابق أحياناً. وبالمقارنة بينها لاحظت أن الأشكال الفنية تفوقت في النشر على فنون الكتابة الأدبية والصحافية، حيث تهتم مجلات الأطفال بنشر السيناريو المصور بشكل يفوق أي فن آخر، وقد جنح بعضها إلى المغامرة والإثارة بشكل مطلق، كما حاول تقويم سلوك الأطفال عن طريق ضرب الأمثال سواء الإيجابية أو السلبية، أما فيما يخص فن «الكاريكاتير» فقد تميزت مجلة «علاء الدين» بكاريكاتير للفنان حجازي، وفضلت «قطر الندى» تخصيص الغلاف الخلفي للكاريكاتير، بينما خلت مجلة «سمير» منه، ونشرت مجلة «العربي الصغير» رسوما كاريكاتيرية، تهدف أساساً إلى رسم الابتسامة على شفاه الأطفال، أما الكاريكاتير الذي يوجه سلوك الطفل إلى الأصوب فيتسم بالندرة.

شكل مميز
ترى نجلاء علام أن المجلات الخمس المذكورة أرادت أن تضع لنفسها شكلاً مميزاً عن طريق الرسوم المقدمة داخلها، وقد تنوعت المواد المنشورة في مجلة «ماجد» وأفرد المسؤولون عنها مساحة أكبر لرسوم كثيرة مريحة لعين الطفل وممتعة بالنسبة إليه، وقد ساعد الإخراج الفني لها على ظهورها في أفضل صورة، بينما على العكس من ذلك وجدت المؤلفة أن مجلة «سمير» اعتمدت على مجموعة ثابتة من رسامي دار الهلال، مما جعل الرسوم تتكرر في معظم الصفحات، وهو ما يصيب الطفل بالملل عند متابعة المادة المنشورة، أما مجلة «قطر الندى» فقد أرادت ضخ دماء جديدة من رسامي مجلات الأطفال، فتنوعت الرسوم داخلها بتوقيع فنانين شباب، وفي مجلة «علاء الدين» هناك رسوم منوعة لفنانين كبار، وقد حرصت مجلات «قطر الندى، وماجد، والعربي الصغير» على تخصيص صفحات لعرض رسوم الأطفال، فقدمتها مجلة «ماجد» في الغلاف الخلفي تحت عنوان «نادي الرسامين»، أما مجلة «العربي الصغير» فقدمتها تحت عنوان «نادي الرسامين الصغار»، وقد تميزت مجلة «قطر الندى» بإفراد صفحتين جاءتا تحت عنوان «نادي الفنانين»، أما مجلتا «علاء الدين وسمير» فلم تهتما بنشر رسوم الأطفال.
وأشارت الكاتبة إلى أن الصور تم الاعتناء بها في معظم المجلات، حيث حرصت جميعها على تقديم الصورة الشارحة الموضحة مع الموضوعات العلمية مثل مجلة «ماجد والعربي الصغير، وقطر الندى» كما قدمت مجلة العربي الصغير ريبورتاجات مصورة احتوت على الكثير من الصور المعبرة.
وذكرت المؤلفة أن المجلات العربية سعت إلى تقديم قيم مختلفة للطفل عن طريق أبوابها التي احتوت على فنون الكتابة الأدبية والصحافية والأشكال الفنية بمعدلات متفاوتة، فعلى سبيل المثال سعت مجلة «العربي الصغير» إلى غرس قيم الشجاعة والكرم عن طريق إبراز القيمة الإيجابية في السيناريو المصور لشخصية العربي الصغير، وكذلك نجد باب «قدوتي العلمية» الذي يعمل على أن يتبنى الطفل قيم الشخصية المقدمة وتشجعه على البحث العلمي والاكتشاف.

مغامرة وابتسامة
ومن الأساليب غير المباشرة التي قدمتها مجلة العربي الصغير لإبراز القيم السلبية ما كان عن طريق سيناريو مصور بعنوان «بطولات أيوب» يعتمد على شخصية أيوب المدعية للشجاعة والبطولة طوال الوقت وهي بعيدة عن ذلك كل البعد، وفي النهاية ينكشف أمره ويصارحه أصدقاؤه بذلك، وهو سيناريو يناسب مراحل الطفولة المتوسطة والمتأخرة والتي يستطيع فيها الطفل التمييز بين السلوك الخاطئ والصحيح.
وفي غالبية الأبواب التي قدمتها مجلة «العربي الصغير» برز الاعتماد على الأساليب المباشرة في غرس القيم عن طريق فنون الكتابة الأدبية كالقصة والشعر فضلا عن الأشكال الفنية كالسيناريو المصور.
أما مجلة «علاء الدين»، فوجدت المؤلفة أنها لم تهتم بغرس قيم إيجابية في السيناريوهات المصورة المنشورة لديها، وقد غلب عليها اهتمامها بالمغامرات والمواضيع المضحكة، وهدفت مجلة «ماجد» في سيناريوهاتها المصورة إلى إكساب الطفل قيما معينة، مثل الخلق الحسن الكريم.
وفضلت مجلة «سمير» تقديم بعض القيم للطفل عن طريق النصيحة والتوجيه والإرشاد عن طريق الرسوم.
وبالنسبة لمجلة «قطر الندى» فحاولت تقديم قيم مختلفة للطفل، تحت عنوان «مفاهيم سياسية» وفيه شرح وافٍ للكثير من المفاهيم والمصطلحات السياسية التي يجدها الطفل تتردد من حوله سواء في وسائل الإعلام أو بين أفراد الأسرة الأكبر سناً، وهو باب يعتمد على غرس قيم حب المعرفة. أما باب «جائزة نوبل» فقدم شخصيات علمية وأدبية قد تشكل قدوة للطفل، فيتأثر بها ويقلدها.



أبطال يحاربون طواحين الهواء

أبطال يحاربون طواحين الهواء
TT

أبطال يحاربون طواحين الهواء

أبطال يحاربون طواحين الهواء

في مجموعته القصصية الجديدة «كل ما يجب أن تعرفه عن ش» يضع الكاتب والروائي المصري أحمد الفخراني أبطاله في مُواجهات ذهنية ونفسية تجعلهم يعيدون تأمل لحظات مشهدية من حياتهم، داعماً تأملاتهم بملامح فانتازية ضاعفت من تأثيرها الحكائي بصورة لا تخلو من سخريات نقدية وقدرية لاذعة.

صدرت المجموعة أخيراً عن دار «الشروق» في مصر، وفيها يؤسس الفخراني للعبة فنية مغوية، تبدأ من عتبة عنوان المجموعة الذي يستدعي أكثر من خاطر، بداية من نبرة الراوي الاستشرافية التي تشي بأنه يعرف الكثير عن «ش» بما تحتمله تلك النبرة من ملامح تشويق، أو تلميح وتحذير ضمني، وصولاً لهُوية هذا الـ«ش» الذي قام بتشفيره برمز أبجدي، ويظل الراوي العليم يستفيض عن هُويته الغامضة التي يعبر بين غرابتها وتناقضاتها وسلطتها، مستعيناً بأسلوب الحكي المُراوغ فيقول عنه: «هو ليس حقيقياً تماماً أو شخصاً افتراضياً تماماً»، ويقول أيضاً: «كما أن هناك سبباً آخر قد يحفزك للتعرف على (ش)، أنه هو نفسه سيكون مهتماً بالتعرف عليك»، فيمنح الكاتب لراويه العليم أقصى درجات العلم والإحاطة ببطله «ش» وتاريخه ودوافعه سواء المُعلنة منها أو السريّة.

شهوة الكلام

يقدم الفخراني بطله «ش» بأنه رجل في منتصف الأربعينيات، وهكذا الحال بالنسبة للعديد من أبطال قصص المجموعة الذين تجمعهم مظلة منتصف العمر، فيما يبدو أن هذا العمر ذريعة لاستنطاق حياتهم العادية الرتيبة، وتفجير الغضب الذي تراكم فيها ووجد تنفيسه في الأماكن الخطأ كما يصف لنا الراوي بطل قصة «ضي الماس» فيقول: «لا يشعر فرج بالحقد تجاه أحد، بل الخذلان فقط، خذلان عميق وغائر يثقب الروح، ويخلف غضباً تافهاً ومؤقتاً، يظهر دوماً في اللحظة غير المناسبة، يوجهه الشخص الخطأ ويكلفه ذلك كثيراً»، ويبدو أن رصيد الأخطاء المتراكمة لأبطال المجموعة يجعلهم بشكل لا إرادي في حالة انتظار إما لعقاب أو لمواساة من مجهول، حتى لو أتاهم بصورة وهمية محضة، فبطل هذه القصة يقوم ببناء علاقة مع حساب افتراضي لفتاة مجهولة يُخيّل إليه أنها «ملاكه الحارس»، ويشعر أن عالمه انقبض لحظة تبخّر حسابها.

من جهة أخرى، يحتفظ أبطال المجموعة بذكريات اللحظات الثورية في حياتهم، حتى يبدو مجموع حكاياتهم تكثيفاً لصوت جمعي عن الاحتجاج المطمور أسفل طبقات من المظاهر الزائفة، والسخرية من النفس، أو حتى منحها أسطورة شخصية يستعيضون بها عن سؤال واقعهم المُبهم، بل يسعون لتأريخ لحظاتهم الثورية ضد طبيعتهم الخاضِعة والتمرد عليها، فبطل قصة «حكاية الرجل الذي أصيب بشهوة الكلام» يسعى جاهداً لتوثيق تلك اللحظة التي تغيّر فيها كل شيء بعدما أصابته لوثة الكلام بعد صيام طويل عنه، فيبني سوراً شهيقاً يفصل بين حال حياته قبل وبعد الكلام، تلك اللحظة «الحالِمة» التي يجمع فيها أسرته الصغيرة مُعلناً تدشين عهد الكلام، فيبدأ في حديث لم ينقطع معهم عن أي شيء؛ عن المناخ والكتب وكرة القدم، فلا تنقطع شهوة الكلام لديه حتى بات يُمطر جيرانه وشركاء وسائل العمل ووسائل النقل بأحاديث لم تنقطع، معها تتبدّل حياته رأساً على عقب، ويصبح كلامه سبباً في نبذه من الجميع، فيترك الحبل على غاربِه وهو يتأرجح بين الخرس والكلام، وكأنها سيرة تاريخية لا تنقطع عن التمرد والإذعان.

الحي السويسري

أما بطل قصة «الحي السويسري» فيضع كل مُدخراته من أجل تملّك شقة في هذا الحي الذي يقع وسط القاهرة، فيُغريه اسمه الأوروبي البرّاق قبل أن يتحوّل إلى حي عشوائي يُحاصره القبح من كل صوب، فيما يظّل هو يحلم بسقوط الثلج على هذا الحي ليغطي كل قبحه بالبياض، فيبدو أسير هذا الحلم الوهمي البليد، بدلاً من التفكير في القضاء على عشوائية هذا الحي بعدما أنفق كل ما يمتلك في سبيل الانتماء إليه، ولا يبدو هذا البطل مأزوماً فقط في تقديراته، وإنما مسحوقاً داخل عجلة استهلاكية همّشت طبقته الاجتماعية فجعلته من زبائن «السجائر المُهربة الرخيصة» التي يشتريها من صاحب دُكان مُجاور، وتُصعّد القصة من توتر العلاقة بين البطل وصاحب الدُكان، في تراكم من المُفارقات العبثية والألعاب النفسية التي تجعل البطل خاضعاً للبائع الذي يتحوّل إلى رمز للسُلطة القمعية اليومية، فيما يظل هو يبحث عن سُلطة إنسانية أو اجتماعية أو معنوية، فلا يجد شيئاً يُذكر.

يبدو بطل تلك القصة نسخة من أبطال آخرين هائمين في فضاء المجموعة، وإن اختلفت سياقاتهم مع التيه والبحث عن تقدير، حتى إن الأغنيات العابرة باتت تجرح ندوباً تجاوز الزمن لهم بالتهميش والقهر والاستبدال، فبطل «معطف المعجزات» يفيض شاعرية بعدما يأتيه صوت عابِر لـ«وردة» من الكاسيت وهو في طريقه إلى عزاء، فيبدو وصفه لما يعتمل داخله من وقع صوتها وهي تغني «لولا الملامة يا هوى» أقرب ما يكون لاستبصار لما يعتمل داخله هو من انفعالات هادِرة يحاول تتبعها إلى أن يصل إلى ذلك الشيء المفقود: «تلك المشاعر تربكه ما إن يحاول أن يُمسك بتلابيبها، توجعه عاديتها وتفاهة الأسباب التي نشأت من أجلها، لكن ما إن يستمع إلى صاحبة هذا الصوت الشهواني المُنكسر كعزيز قوم ذل، المنطلق كملكة مخلوعة اكتشفت لتوها السعادة في العيش مُتحررة من المظاهر الزائفة؛ حتى تكتسب انفعالاته المعنى، الشيء الشاعري المفقود، فتستعيد ذاته شيئاً من الاحترام والتوازن».

أما قصة «الرجل الذي محا الشر»، فيواجه مشاعره الغاضبة بكتابة الرسائل إلى المتسببين في أذاه، فتتواطأ معه قوة سحرية هائلة من أجل «محو» هؤلاء «الأشرار»، بصورة تستعيد مشاهد الأبطال الخارقين وهم يحررون العالم وينتصرون للخير، فيبدو البطل غارِقاً في شعوره بالنشوة في معاركه الكونية ضد الشر؛ قبل أن ينقلب السِحر على الساحِر.