8 قطع زجاجية هشمها انفجار مرفأ بيروت تسافر إلى لندن

ضمن اتفاقية مع المتحف البريطاني لترميمها

نادين بنايوت مديرة المتحف الأركيولوجي ببيروت تعمل مع فريق المتحف على تقدير حجم الضرر في إحدى الخزانات المحطمة (المتحف الأركيولوجي - الجامعة الأميركية ببيروت)
نادين بنايوت مديرة المتحف الأركيولوجي ببيروت تعمل مع فريق المتحف على تقدير حجم الضرر في إحدى الخزانات المحطمة (المتحف الأركيولوجي - الجامعة الأميركية ببيروت)
TT

8 قطع زجاجية هشمها انفجار مرفأ بيروت تسافر إلى لندن

نادين بنايوت مديرة المتحف الأركيولوجي ببيروت تعمل مع فريق المتحف على تقدير حجم الضرر في إحدى الخزانات المحطمة (المتحف الأركيولوجي - الجامعة الأميركية ببيروت)
نادين بنايوت مديرة المتحف الأركيولوجي ببيروت تعمل مع فريق المتحف على تقدير حجم الضرر في إحدى الخزانات المحطمة (المتحف الأركيولوجي - الجامعة الأميركية ببيروت)

باقي من الزمن أسبوع ليكمل انفجار مرفأ بيروت عامه الأول. حدث في ثوانٍ وآثاره لا تزال باقية، مسّ الدمار والموت الكثير، ولكن يد الحياة محمّلة بالإصرار والأمل تحاول جمع القطع المتكسرة ولحمها مرة أخرى سوياً، قد لا تعود كاملة مثل قبل، ذلك لا يهم، فهي ستعود وكفى وستعيش مثالاً على العزيمة والإصرار وحب الحياة.
قبل عام كان المتحف الأركيولوجي بالجامعة الأميركية في بيروت محملاً بكنوزه الأثرية الضاربة في عمق التاريخ، تحمل خزائنه قطعاً من تاريخ الأرض والشعوب التي مرت عليها. حملت خزائنه قطعاً نفيسة من الزجاج الذي يعود بعضها لعصور ما قبل التاريخ، وبعضها صنع على يد صانعين حرفيين في دول مجاورة مثل سوريا ومصر.
بعد الانفجار تناثرت قطع الزجاج في كل مكان، من يستطيع جمعها وإعادتها لحالها الأول؟ رأينا صوراً للعاملين في المتحف والخبراء من داخل البلاد وخارجها يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بثت شبكة «سي إن إن» فيلماً لخبيرات الترميم وهن يحاولن جمع قطع الأحجية سوياً، قالت إحداهن «أسهل أن نبحث عن قطع الأحجية المتناثرة وأن نعيد تركيب إناء زجاجي دمر عن أن نحاول جمع أشلاء هذا البلد».
خبراء الترميم في بيروت قاموا بجهود جبارة لإعادة بعض الذي دمره الانفجار، ولكن بسبب نقص الإمكانيات والخبرات العالمية الدقيقة تم الاتفاق مع المتحف البريطاني في لندن لإرسال ثمانية أوعية زجاجية لمعامل الترميم بالمتحف بدعم مؤسسة الفنون الرفيعة الأوروبية (TEFAF) بحسب ما أعلن أمس.
تعود القطع إلى الحقب الرومانية والإسلامية وكانت ضمن إحدى خزانات العرض بالمتحف الأركيولوجي بالجامعة الأميركية في بيروت والذي يقع على بعد 3.2 كيلومتر من المرفأ. من شدة الانفجار انخلعت الخزانة من مكانها متسببة في تحطيم محتوياتها الثمينة وتناثرها على الأرضية مختلطة مع زجاج آخر متناثر من النوافذ وأبواب خزانات العرض. المشروع الجديد سيشهد جمع المئات من قطع الزجاج المتكسر ومحاولة لحمها سوياً داخل معامل الترميم في المتحف البريطاني بلندن.
74 قطعة كانت في خزانة العرض تمثل نماذجاً لصناعة الزجاج من العصور البيزنطية والإسلامية، معظمها تحطم وتناثرت شظاياه ما يجعلها غير قابلة للترميم، وتبقت 15 قطعة عدّها الخبراء قابلة للترميم ثمانية منها في حال يسمح لها بالسفر إلى المتحف البريطاني، حيث الأجهزة والخبرات اللازمة لإصلاح وترميم هذه القطع.
يقول هارتفيج فيشر، مدير المتحف البريطاني «مثل بقية العالم شاهدنا بكل رعب مشاهد الدمار في بيروت في شهر أغسطس (آب) الماضي. وعلى الفور عرضنا مساعدة المتحف البريطاني لزملائنا في مدينة بيروت. والآن ونحن نقترب من الذكرى الأولى للانفجار نشعر بالسعادة لاستطاعتنا تقديم الخبرة والموارد اللازمة لترميم تلك القطع الأثرية المهمة حتى تبقى في لبنان لتوفر المتعة لزوار المتحف لسنوات قادمة».
على إثر الانفجار في بيروت قامت الخبيرة الفرنسية كلير كيوبير في معهد التراث القومي الفرنسي French Institut national du patrimoine بمتابعة الخطوات الأولية التي قام بها فريق المتحف الأركيولوجي ببيروت لجمع وتصنيف قطع الزجاج المتناثرة في الحطام والتي اختلطت بزجاج النوافذ والخزانات المحطم. عملية دقيقة تمت للتعرف على القطع الأثرية وفصلها عن الركام. وقد عادت كيوبير إلى بيروت في بدايات الشهر الحالي (يوليو/تموز) لتقود عملية التعرف على قطع الأحجية وتنسيقها لجانب القطع المماثلة ومحاولة الوصول للقطع المكونة لكل وعاء وتقرير القطع التي يمكنها شحنها إلى لندن. ينبغي الإشارة إلى أن ذلك الجهد تم بدعم مجموعة أصدقاء قسم الشرق الأوسط بالمتحف البريطاني.
من جانبه، يعبر جيمي فريزر، المسؤول في قسم بلاد الشام القديمة والأناضول بالمتحف البريطاني، عن سعادته بالتعاون مع المتحف الأركيولوجي في الجامعة الأميركية ببيروت في المشروع الذي يصفه بـ«المتميز»، مضيفاً «لقد عاشت القطع الزجاجية الأثرية عبر كوارث عديدة على مدى 2000 عام ليهشمها انفجار المرفأ في 2020».
هيدن فان سيغيلين، رئيس منظمة مؤسسة الفنون الرفيعة الأوروبية(TEFAF) ، علقت بأن الدمار الذي طال تلك القطع التاريخية إنما هو نتيجة لكارثة أكبر يعيشها سكان بيروت. وأضافت، أن المؤسسة «فخورة بدعم أعمال ترميم القطع الزجاجية من خلال صندوق المؤسسة للترميم المتحفي، خاصة أن القطع تحمل أهمية تاريخية وفنية إضافة إلى أهميتها التراثية. أن تعود تلك القطع لهيئتها الكاملة إنما يعد رمزاً قوياً للشفاء والجَلد في أعقاب الكارثة».
تجدر الإشارة إلى أن القطع الثماني ستعرض في المتحف البريطاني بعد ترميمها لفترة وجيزة قبل إعادتها للمتحف الأركيولوجي ببيروت.
تحمل القطع الثمانية أهمية خاصة وتعتبر جزءاً أساسياً من سرد قصة تطور صناعة الزجاج بالنفخ في لبنان منذ القرن الأول قبل الميلاد، وهي الفترة التي شهدت ثورة في صناعة الزجاج. وقد أتاحت وسيلة نفخ الزجاج السائل للتحكم في أشكاله صناعة ضخمة وواسعة للقطع الزجاجية بأشكال مختلفة وجعل من تلك المادة التي كان امتلاكها حكراً على طبقة رفيعة، في متناول العامة لاستخدامها في المنازل.
من القطع الثماني في طريقها للترميم قطعتان يعدهما الخبراء أمثلة على حرفة نفخ الزجاج والتجديد في الأشكال والوظائف. هناك قطعتان يعود تاريخهما إلى الفترة البيزنطية المتأخرة والعصور الإسلامية الأولى، ويعتقد أن تكونا قد استوردتا من مراكز للصناعة الزجاج في بلدان مجاورة مثل سوريا ومصر.
ساندرا سميث، رئيسة قسم العناية بمجموعة المقتنيات في المتحف البريطاني، تعرض جانباً تقنياً في عمليات الترميم «يعد الزجاج من أكثر المواد صعوبة في إعادة التركيب، ليس فقط بسبب أن الشظايا تمتد وتخرج عن إطار شكل الإناء وبالتالي تكون عملية إعادة القطع النافرة للشكل الأساسي دقيقة للغاية».
مديرة المتحف الأركيولوجي ببيروت نادين بانايوت، تقول إن الانفجار تسبب في خسارة عدد كبير من الآنية الزجاجية التي تعود للعصر الروماني بعضها يعود للقرن الأول قبل الميلاد، وهي «خسارة ثقافية فادحة للبنان والشرق الأدنى». تعرب عن امتنانها للمتحف البريطاني «للمساهمة في ترميم القطع الثماني التي تحطمت بفعل الانفجار»، ويمتد شكرها للمؤسسة الأوروبية للفنون الرفيعة (تيفاف) «لكرمها ومساندتها للمشروع».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)