«صيف 2021»... معرض عن الجمال المنسي والمرح الموسمي

ما الذي يمثله الصيف بالنسبة لك؟ ستتعدد الإجابات وتتنوع التصورات، فالبعض يراه موجة حارة قاسية تتفاقم عاماً وراء آخر في ظل التغيرات المناخية الحادة، والبعض الآخر يراه فرصة نادرة لكسر جمود روتين الحياة اليومي والسهر لساعات ممتدة، لا سيما في العطلات الأسبوعية على وقع السمر والترفيه، لكن الأغلبية تراه حلماً بعيد المنال يذهب بهم إلى جزيرة بعيدة، حيث الرمال الذهبية والسطح اللازوردي لبحر خلاب وأشجار جوز الهند التي تحمل وعداً غامضاً بحالة من الاستجمام تنعش الروح بمجرد التفكير فيها!.
يقدم المعرض الفني التشكيلي الجماعي «صيف 2021» الذي يستمر بغاليري «أزاد» بحي الزمالك بالقاهرة حتى الحادي والثلاثين من يوليو (تموز) الحالي مقترحاته الجمالية للإجابة عن هذا السؤال والتي تقترب حيناً وتبتعد أحياناً عن التصورات السابق ذكرها، وذلك عبر 37 فناناً من مختلف المدارس والأجيال التشكيلية منهم محمد عبلة، وطه قرني، وعمر عبد الظاهر، وأمينة سالم، وغادة عبد الملك.
هنا تجد البحر حاضراً بقوة بشواطئه ومصطافيه لكنه بحر غير معتاد، فهو لا يمتد عبر مسطح صامت من الزرقة والأمواج الهادئة، بل يتصل فجأة بالسماء ليصبح عنواناً لفانتازيا جميلة يكتمل صداها حين نرى رواد المصيف يطيرون في السماء. وقد يمتزج هواة السباحة بالموج الأزرق في تشكيل لوني متجانس، بحيث يصبح السباح والموجة كتلة واحدة ملهمة للغاية، كما في لوحات بريت بطرس غالي، هنا تجد إعادة اكتشاف للجمال عبر وجوه نسائية عديدة يتجاوز الفنان ملامحها الخارجية لينفذ إلى ما بداخلها من شجن وهموم.
ويصحبنا الفنان أحمد سليم إلى أقصى حدود مصر الجنوبية، حيث منطقة النوبة بسحرها وثرائها البصري والإنساني المدهش كواحدة من أكثر بقاع الشرق احتفاظاً بالجمال النقي الفطري، سواء على مستوى الطبيعة من جبال وأنهار وبيوت بيضاء ذات سمت معماري خاص، أو على مستوى الوجوه بجمالها الأسمر الأخاذ. يبدع سليم في تجسيد «زفة الحنطور» كأحد الطقوس الأساسية في حفلات الزفاف النوبية، فتجد الفرحة الهادرة للعريس والحياء الفطري للعروس، فضلاً عن الحضور المدهش لعازفي الآلات الموسيقية، لا سيما آلات النفخ.
ويقول سليم لـ«الشرق الأوسط»: إنه ارتبط منذ تجاربه الشبابية الأولى بالبيئة الجنوبية التي وجد فيها كنزاً بصرياً يستفز المبدع، فأنا أميل للاتجاه الانطباعي في توثيق الكثير من الطقوس الشعبية عبر رؤية مختلفة غير تقليدية».
ويبدع الفنان الكبير طه قرني في لوحة «السوق الشعبية» التي تتحول فيها السوق بصخبها وضجيجها وزحامها الهائل إلى سيمفونية من الجمال الهادئ، البائعون يظهرون كما لو كانوا فلاسفة يقتاتون على التأمل، والأسماك تبدو ضخمة الحجم، لكنها راضية بمصيرها الأخير وسط حفنة من الطيبين الممتلئين بالحب والحنان، عيونهم مستطيلة فاتنة وملابسهم تشبه زاهدين يسعون في الأرض بحثاً عن الحكمة والمعنى وراء الحياة.
لا يقتصر المشهد هنا على بيع الأسماك، بل يمتد إلى الطيور والفواكه والخضراوات، مزيج قد يبدو متنافراً، لكنه يتحول هنا إلى حالة من التناغم البديعة إنسانياً وبصرياً، لا سيما حين تمتد اللوحات لتشمل وجبة العشاء في أسرة بسيطة.
كيف جعل قرني كل هذا الصخب يتحول إلى مثل هذه الفكرة الناعمة المثيرة للتأمل؟ طرحنا السؤال عليه فأجاب: «في هذه اللوحة وغيرها أجدني مسكوناً بسؤال الجمال، حتى لو لم يكن موجوداً بالمعني السطحي الظاهري الخارجي فينبغي لنا البحث عنه كمعنى باطني روحاني». ويضيف قرني: «أنا واحد من هؤلاء البسطاء، أعرف تماماً ما يعيشونه من مصاعب على مستوى الحياة اليومية وأعتبر أن من واجبي توثيق حياتهم بشكل جمالي».
ويشتغل الفنان ياسر جعيصة على فكرة غير تقليدية، حيث يذهب بنا إلى «صيف تاريخي» من خلال صور بالأبيض والأسود لفندق «غراند» التاريخي تم التقاطها في صيف 1940 ليمنحها ميلاداً جديداً من خلال لوحة بديعة تعيد اكتشاف خصوصية وسط القاهرة قديماً عازفاً على وتر الحنين والذكريات.