ميقاتي رئيساً للحكومة اللبنانية بـ72 صوتاً... ولم يسمه أكبر تكتلين مسيحيَين

حاز دعم «رؤساء الحكومات السابقين» و«حزب الله» في الاستشارات النيابية

عون مستقبلاً ميقاتي خلال الاستشارات النيابية أمس (الوكالة الوطنية)
عون مستقبلاً ميقاتي خلال الاستشارات النيابية أمس (الوكالة الوطنية)
TT

ميقاتي رئيساً للحكومة اللبنانية بـ72 صوتاً... ولم يسمه أكبر تكتلين مسيحيَين

عون مستقبلاً ميقاتي خلال الاستشارات النيابية أمس (الوكالة الوطنية)
عون مستقبلاً ميقاتي خلال الاستشارات النيابية أمس (الوكالة الوطنية)

سمت أغلبية البرلمان اللبناني، أمس، بأكثرية 72 صوتاً، رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، لتشكيل حكومة جديدة، حاز فيها على أغلبية أصوات النواب المسلمين، بينما لم يسمه أكبر تكتلين للنواب المسيحيين في البرلمان، وهما «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، لتنطلق بعدها رحلة تأليف الحكومة التي تمنت الكتل النيابية ألا تتأخر ولا تتعرض للعرقلة، بهدف وضع البلاد على مسار النهوض من أزماتها المعيشية والمالية والاقتصادية.
وشاركت أغلبية أعضاء البرلمان في الاستشارات النيابية الملزمة في القصر الجمهوري أمس (الاثنين)، لتسمية رئيس جديد للحكومة يؤلفها، بعد نحو عام على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، وتعثر تشكيل حكومتين برئاسة السفير مصطفى أديب، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، إثر التباينات والخلافات السياسية. واستهلها الرئيس عون بلقاء ميقاتي الذي اكتفى بالقول لدى مغادرته «إن كتلة الوسط المستقل (التي يترأسها) ستعبر عن الموقف بعد لقائها الرئيس عون».
وانقسم النواب الـ116 الذين شاركوا في الاستشارات إلى 73 نائباً سموا ميقاتي، فيما لم يسم 42 نائباً أي اسم، في مقدمهم نواب «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، فيما حاز السفير نواف سلام على صوت واحد.
وحاز ميقاتي على دعم رؤساء الحكومات السابقين لتشكيل حكومة يتابع فيها «المسار الدستوري الذي اتفقنا عليه في بيت الوسط»، حسب ما قال الرئيس سعد الحريري بعد تسمية ميقاتي، داعياً إلى «عدم التوقف أمام الصغائر فيما البلد بحاجة لحكومة»، بينما تمنى رئيس الحكومة الأسبق تمام سلام «أن نشهد مرحلة يكون فيها مخرج للحالة الصعبة التي وصلنا إليها في البلد، خصوصاً على القواعد الدستورية الصحيحة كي نتمكن من أن نشهد اليوم التكليف وفي أقرب فرصة التأليف، وذلك للحد من الانهيار الذي وصلنا إليه وطبعاً في ظل المبادرة الفرنسية ومبادرة الرئيس نبيه بري وتعاون الجميع». وقال: «بعيداً عن العرقلة أو أي تعطيل يمكن أن نتمنى للرئيس ميقاتي أن ينهض بحكومة من الاختصاصيين بعيداً عن كل القوى السياسية لمعالجة وإيجاد الحلول الملحة لأوضاعنا المالية الضاغطة التي تنعكس على كل شيء، والحياتية بأشكالها المختلفة». وقال نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، أن الرصيد الشخصي لميقاتي وتسمية الحريري له «أضافا عنصراً آخر جعل تسمية الرئيس ميقاتي كممثل للمكون الذي ينتمي إليه أمراً أصولياً لاستكمال المظلة الوطنية التي تظلل أي حكومة محتملة». وأضاف: «توفرت عناصر تمثيل نجيب ميقاتي للمكون الذي ينتمي إليه اليوم، فكانت تسميته».
وقال النائب سمير الجسر بعد تسمية كتلة «المستقبل» لميقاتي، إن «تحمل المسؤولية اليوم صعب جداً، لذلك قلنا: الله يعين البلد ويعين الرئيس ميقاتي».
وكان لافتاً تسمية «كتلة الوفاء للمقاومة» (ممثلة «حزب الله» في البرلمان) لميقاتي، رغم أن الكتلة لم تسم الحريري قبله. وقال رئيسها النائب محمد رعد، إنها منذ استقالة حكومة دياب «ترى وجوب تشكيل حكومة في البلاد، لأنها المعبر الإلزامي والمدخل الضروري لمعالجة الأزمات وتيسير أمور المواطنين وحفظ الأمن والنظام العام». وأضاف: «اليوم، مع ظهور مؤشرات تلمح إلى إمكانية تشكيل حكومة، فإن من الطبيعي جداً أن تؤيد الكتلة وتشجع وتعزز هذه الإمكانية»، مشيراً إلى أن تسمية ميقاتي «تعكس جدية التزامنا بأولوية تشكيل حكومة، ولنتقصد أيضاً إعطاء جرعة إضافية لتسهيل مهمة التأليف».
وسمت «كتلة التكتل الوطني»، ميقاتي، وقال النائب طوني فرنجيه، «إننا طلبنا من الرئيس عون أن يسهل تشكيل الحكومة، لأن الناس تتمسك بأصغر خشبة خلاص».
كذلك، سمت «كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي»، ميقاتي، وأمل النائب تيمور جنبلاط «أن تقدم كافة الأطراف السياسية التسهيلات اللازمة لكي يتم تشكيل حكومة إنقاذ اقتصادي واجتماعي بأسرع وقت ممكن». كما سمت «كتلة الوسط المستقل»، ميقاتي، وصرح باسمها النائب نقولا نحاس، قائلاً «إننا دخلنا في مرحلة الممكن التي نرى فيها الضوء، ويجب أن نتلاقى جميعنا من أجل المهمة التي نأمل أن يتكلف بها، وندخل سريعاً في مرحلة الاستشارات مع الكتل، لنخرج بأسس من شأنها أن تزخم ما نراه اليوم بالنسبة إلى الدولار وإلى أمل الناس كي تستعيد بعضاً من الثقة».
وفيما أعلنت «الكتلة القومية الاجتماعية» عن تسمية ميقاتي، انقسم نواب «اللقاء التشاوري» بين نائبين سميا الرئيس ميقاتي، واثنين لم يسميا أحداً.
وفي الجولة الثانية من الاستشارات بعد الظهر، لم تسم كتلة «الجمهورية القوية» التي تمثل نواب «القوات اللبنانية» في البرلمان أي أحد، وأرجع النائب جورج عدوان ذلك إلى «أننا صادقون مع الناس ومع أنفسنا وبوجود هذه الأكثرية لا يمكن فعل شيء».
وأشار إلى «أننا كتكتل لن نغطي بأي شكل من الأشكال هذه المنظومة وسنسعى لنريح الناس منها». وتابع: «لن نكلف أحداً ولن نشترك بهذه الحكومة، وسنسعى لتقريب مدة الانتخابات لتتمكن الناس من التخلص من هذه الأكثرية».
النواب المستقلون، انقسموا بين من سمى ميقاتي، ومن أحجم عن التسمية، فقد سمى النائب أدي دمرجيان، ميقاتي، كذلك النائب ميشال ضاهر والنائب جان طالوزيان والنائب جهاد عبد الصمد، بينما لم يسم النواب أسامة سعد وجميل السيد وشامل روكز أي شخصية، في حين سمى النائب فؤاد مخزومي السفير نواف سلام.
وفي المقابل، سمت كتلة «التنمية والتحرير» التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري، الرئيس ميقاتي. وقال النائب أنور الخليل باسم الكتلة، «لأن الوقت لم يعد يحتمل التسويف سمينا ميقاتي طالبين له التوفيق بتشكيل سريع ومتمنين من الرئيس عون أن يكون عوناً للرئيس المكلف».
وعلى الضفة الأخرى، أعلن تكتل «لبنان القوي» المؤيد للرئيس عون إنه لم يسم أحداً لتشكيل الحكومة إثر مشاركته في الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا. وقال رئيسه النائب جبران باسيل، «نظراً لعدم ترشح النائب فيصل كرامي، كنا ننتظر أن تمضي بعض الكتل بتكليف نواف سلام لكن الأمر لم يحصل، وفي ظل بقاء مرشح جدي وحيد هو رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي قررنا ألا نسمي أحداً، لأن لدينا تجربة سابقة غير مشجعة»، معلناً «أننا سنكون داعمين للمهمة الإصلاحية المطلوبة من الحكومة في المرحلة المقبلة».
أما كتلة «نواب الأرمن» فقررت عدم تسمية أي شخصية لرئاسة الحكومة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.